رحيل عالم
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
بِخيالِكَ أَعقِدُ مُعتقدي=و بِطَيفيكَ أَعقِدُ أحلامِ
ما كُنتُ هَواكَ و ما ضَحِكت=مِنْ بَعدِ رَحيلِكَ أيامِ
أَوقفتُ لِنَعلِكَ مُقتَبلِ=و رَقيقي الشَعرِ و أنغامِ
حتى أَستَلُ رِضا سابيكَ=فَيُدْري في رَبعِ غَرامِ
يا رأسَ الأُمةِ هل تَمشي=من دوني الرأسِ بأقدامِ
يا قَلبَ النَصرِ و بيرَقهُ=يا عَلمٌ يا عَلمَ الأعلامِ
ما كانَ الدَينُ بِكفِ سِواكَ=يُحَطِمُ عَرشَ الظُلامِ
ما كَانت تَفهَمُ أُمتُنا=ما مَعنى الفَجرَ الإسلامِ
مِنْ قَبلِكَ كانت سَجدَتُنا=رَغْمَ التَوحيدِ لأصنامِ
مِنْ قَبلِكَ كانت وَقفَتُنا=إقعاعٌ في شَكلِ قيامِ
يا أضرَبَ أَهلِ الأَرضِ=بِثورتهِ للإجرامِ
يا أتقاهم يا أخلصهم=يا أعلمهم بالأحكامِ
أيتَمتَ الأُمةَ لكِننا=لن نَرضى يُتماً بدوامِ
لا يُتمَ بِفقدِكَ مُعتَقدي=و الفِكرُ كَفيلُ الأيتامِ
قد عَبرَ الجيلُ برايتكم=و اللغمَ حِذاءُ الأقدامِ
عَودتَ خُطانا أن تَمشي=بأمانٍ يا خَيرَ إمامِ
و ملئتَ قُلوبِنا إقداماً=فارتدت نَحوَ الإقدامِ
إن كَانَ النَاسُ مِنَ التربائي=مُخلِصٌ للربِ العلامِ
فَكيانُكَ من ذَهبِ التَوحيدِ=و نَارِ العِزِ الإسلامِ
أي ذاكَ تَعالى هُنا=لأراكَ جَلياً قُدامِ
فَعيوني عُقِدتْ في فِكري=و وجَدتُكَ ضَخماً بِغمامِ
أنا لا أجلوكَ و لا أدريكَ=و أتَبعُ خُصرَ الأفامِ
إذ عِندَ رؤاكَ وَصلِ بِخفاكَ=تَكسرَ أعتا الأقلامِ
من أنتَ ؟ تُحَرِكُ دُنيانا=بِحُروفٍ نُبِضت بِكلامِ
من أنتَ ؟ أُعيذكَ من وَعيي=و أُقَبِلُ كَفَ الإكمالِ
لا يَجرؤا وَعيٌ أن يَخطوا=في وَصفِكَ حَدَ استسلامِ
أوقَفتُ خيالي بتفانيكَ=و صَبرُكَ سَفهَ أحلامِ
فَطَفِقتُ أُجالِدُ حُزنٍ فيكَ=يَفِتُ حَشيا بإضرامِ
كي أبدو في وَجهِ عَدوي=صَلبَ الوِجداني بإبسامِ
فَوَجَدتُكَ شَعبٍ مُنهَدِماً=مُنهَمِراً من فَيضِ سيجامِ
و أُراماً توشِكُ لَسعَتَهُ=تُحرِقَ قَلبَ الإسلامِ
فَبَكيتُكَ و الدَمعُ بِمثلِكَ=من أعظمِ نِعمِ العلامِ
من يبكي مِثلكَ يَعبدهُ=فبُكائكَ قُرباً أرحامِ
و دُموعٌ تَهطِلُ تَهطِلُ حُزناً=فيكَ شِفاءٌ من كُلِ سِقامِ
يا كُل الودِ يا كُلَ الصدق ِ=و كُلَ الحُزنِ بإعظامِ
من يَبلُغَ يَومكَ حَدَ الحُزنِ=و حَدَ الدَمعِ الإلزامِ
من يَصبِرُ صَبركَ=و النكباتُ تُغَلِبُ قَلبَ الأصنامِ
كُلًُ النَكباتِ خَطت للقلبِ=و نَكبتُنا فيكَ الرامي
و تماسكنا مواليَ لها=من قَبلِ ثِواكَ الإرغامِ
و حُرِمنا الصَيحةَ يا مواليَ=قُبيلَ صياحَ الأيتامِ
و حُرِمنا أن نيأسَ في الخَطبِ=قُبيلَ تَزفُركَ الداني
و حُرِمنا الضَربَ على الراحاتِ=و بعدكَ ضَرباً بالهَامِ
و كَثيراً قد بطَروا بالصَبرِ=و ماتوا تَكفيرَ صيامِ
لو كانَ لِعاشِقكَ المفجوع ِ=ألوفُ الأعينَ للهامِ
لا تُخْرِجُ مَكنونَ جواهُ=لو صَبت من غَيرِ مَنامِ
يا بَابٌ بَعدهُ قد سُدة أبوابٌ=الغَضبِ الهجامِ
سَرحانُ يُعربِدُ في الغاباتِ=و أنتَ خليُ الآجامِ
يا ليتَ فؤادي في فَمهِ=كي يَخرسَ عن شَتمِ إمامِ
يا ليتَ طلايَ بِمخلبهِ=كي يَعجزَ عن خَدشِ غرامِ
يا ليتَ العُمرَ يُطاوعني=فَأُسرِحهُ دونَ سئامِ
في مراعىً فيهِ نَباتًُ العَزِ=تَوسطَ حَسكَ الظُلامِ
قد جالت فيهِ خُيولُ الطَفِ=و صلتَ مُعتركاً سامي
لا يَعترى أطفالُ التَوحيدِ=بهِ عن كراً بِلطامِ
فالأكَبرُ قد نَثرَ الأجسادَ=بيومِ السَعدِ لجسّامِ
و البَدرُ انعكست صُورتهُ=بالأفق ِ لراعٍ بالشامِ
فرأى العباسُ بمربطهِ=يَتهجدُ عِندَ الأخيامِ
و حَبيبُ يُرتِلُ و الأَنصارُ تَذوبُ=بآلِ الإقدامِ
و زُهيرُ امتزجت آنتهُ=بِنَعيق ِ الموتِ الحَوامِ
و بُريرُ يسوي قائمهُ=بِعمودِ الفَجرِ المُترامي
و حُسينٍ في وسطِ الخيماتِ=يُسكِنُ رَوعَ الأيتامِ
مُرتَدياً جُبةَ عِزِ النَفسِ=بِهيئةِ لبسِ الإحرامِ
و كأنهُ ينوي أن يأخُذَ=مُهجةَ أعلى الأجرامِ
و كأنهُ ينوي دخول الخُلدِ غداةً=من بَابِ حِمامِ
تبدوا لذويهِ نيتهُ=تَسليمُ النَحرِ لصمصامِ
إذ كَانَ يُتمتِمُ شِعرَ المَوتِ=و يوصي أُختَ الإكرامِ
و يَسيرُ وَحيداً بالديجورِ=ليفحصَ حالَ الآكامِ
كُلُ التَلعاتِ تَفقدها=و تهيأ ليُذبحَ ضامِ
و تدنى يُقِضُ شَمسَ الصُبحِ=بِذكرٍ من بَعضِ قيامِ
و النَجمُ تَلفعَ بالأنوارِ حياءً=من وَجهِ إمامِ
و التفت عِصبةُ آلِ الحَق ِ=على المَظلومِ
لتُحامِ أُغلتَ النَفسَ ببطنِ النَفسِ=و شُكِلَ طَوقَ الأجسامِ
و انغلقت عن عَدِ القتلى=قد خانت ألوفِ الأرقامِ
و اهتزت من زَوبعةِ الَطعنِ=عُروشُ القاعدِ بالشامِ
و الطَفُ ارتعدت من زَعجاً=كالخائفُ حُكمَ الإعدامِ
و العَجبُ الرايةُ ما مالت أبداً=بِكفِ الضُرغامِ
قد خَوضَ في أعشارِ العَذبِ=و رَشفَ حَرَ الأيتامِ
و حُسينٍ يُرسِلُ للأحرارِ=نِداءُ الوحي الإلهامِ
عُد دونَ الحَق ِ بمجرى المَوتِ=و فَوقكَ مَجرى الإنعامِ
لا تتلو حُكماً للتجويدِ=و ظُلمُكَ بين الأضغامِ
لا تتلو آياتِ التَحريضِ=و لَفضُكَ لَفظُ استسلامِ