ربعي الشباب
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
ربعي الشبابِ أغرَ قلبي المُولعا=فهوى على إثرِ الحِسانِ مودعا
يهدي إلى حَذق ِ الرئامِ فؤادهُ=ليأخُذ من ليلِ العُيونِ تَمزعا
أيُ الفحولِ إذا رنتهُ خريدةٌ=ممشوقةَ الجنبينِ يَرجعُ قانعا
أي القلوبِ إذا تدنفَ بالهوى=يمنعهُ صبرَ النفسِ أن يتوجعا
من ذا الذي ملكَ الوسامةَ والصِبا=والوصلُ دونَ مُراقبٍ فتمنعا
أ غرامُ نفس لا أراكَ مفارقي=حتى اَصُبَ لك الحشا مُتقطعا
قاتلتني والعَزمُ عندي مُشْرَعٌ=فقتلتني بنُماً فَكُنتَ الاشرعا
ماذا أقول و حِسُ لفظي ينزوي=فَيصيرُ عِندَ لِحاظها متضرعا
هي مُهجتي و صبابتي و محبتي=هيهات أن تخفى و أن تصدعا
تِلكَ الضِفافُ على الفُراتِ كأنها=فَلكٌ بِهِ نورُ الملائكِ جُمِعا
فيهِ الأحبةُ لا أُقيمُ بِدونها=حَياً ويُغريني المماتُ وهم معا
آلا يا عِقالُ الريفِ ما حَالُ العبا=قُليِّ وهل تركَ التَحالفُ مَقنعا
أني لأسألُ عن قِبابٍ شُيدت=حتى تكونَ إلى البريةِ مَفزعا
ما حالُها ؟ ما حالكم زوارها=إن بينكم من عاشَ نسألهُ الدُعاء
ما الكَرخُ ؟ ما حالُ الرصافةِ أهلينا=ما حالُ جِسرٍ بالمُسيبِ هل وعى
هل أيقظتهُ قَنابلَ أم أنهُ=للبَعثِ المُهيمنِ خاضِعا
ما حَالُ نخلاتِ الزُبيرِ أ اعذقُها=يُعطي لفأسِ القَطعِ تمراً يانِعا
إني لأسألُ شَطكم و فُراتكم=هل أن وَلدهُ يُطيقُ تَجرُعا
يا بصرةَ العُشاق ِ والهَجرِ الذي=ملئ الجُفونَ مِنَ التشوق ِ ادمُعا
مازال عارفٌ بينكم بدمائهِ=أم هل دفنتم رأسهُ المتصدعا
عِندَ المحاربِ هل تَناموا صِغاركم=أم أنها تَقضي الليالي جُوعا
هل احضروا عَباسَ في أكفانِهِ=أم انهُ مازالَ جُرحاً نازِعا
يا أمُ ليثٍ هل أعدتي شبابهُ=بتميمةِ الحسنينِ من قَبلِ أن يُصرعا
فالبعثُ مَسعورُ الغليلِ مُعطشٌ=فإذا احتسى ثبجاً أصابَ المَطمعا
يميتُ ظعنَ الراحلينَ لنصركم=متشوقاً متفرقاً مُتمزِعا
أنفاسُ نفسي تستقيمُ و تنثني=عِندَ الحُسين فلا أُطيقُ تطلُعا
خيلاءُ شعري لم يُخل مُتصاعداً=إلا لكي يحظى بِكعبِكَ موضعا
أبا عبد الله لي في ثُراكَ لُبانةٌ مَحظورةٌ=إذ أنها فَوقَ الأماني موقِعا
الخل تلهثُ خَلفَ حُسنِ صَبيةً=وأنا المتيمُ بالجنادلِ يافِعا
يا كربلاء أجبي سؤالَ مُعذبٍ=وأرى جُنوناً أن أُسائلَ بلقعا
و أنا الذي عَرفَ الجُنونِ وذاقهُ=في حُبِ مثوى بالطفوفِ فأبدعا
أتُرى تَمِرُ على الحُسينِ سَكينةٌ=و بِكُلِ مُحترفِ الشهامةِ مُفجعا
من يَومَ أن حَمَلَ الذبيحِ بِعُرسهِ=لم يلقى أمناً بالعراق ِ ليهجعا
و يزيدُ يطلبهُ ويطلبُ أُختهُ=ليقتُلَ فينا ثائراً أو مرجِعا
صَدرُ العِراقَ سَلِ الجِبالَ بِعلمهِ=أن لم تكن أدنى وكان الأرفعا
صَدرُ العِراقَ سَلِ الفِجاجَ بِفكرهِ=إن لم تكن ضاقت وكانَ الأوسعا
صَدرُ العِراقَ سَلِ الرياحَ بِعزمهِ=إن لم يكن عِندَ الطُغاةِ زعازعا
صَدرُ العِراقَ سَلِ النَسيمَ بلطفهِ=إن لم يَكن مِنهُ ارقُ أروعا
صَدرُ العِراقَ سَلِ العِراقَ بِفقدهِ=إن لم يكن حَزناً يَتيماً ضائعا
جَاءُ بِهِ في خرقةُ و بليلة=قد أُيقظَ الإسلامُ فيها مُفزعا
راماً على ذاكَ الكمالُ فؤادهُ=فلقد بُلي من فقدهِ و تمزعا
ومشى ظِلالُ العِشق ِ خَلفَ سريرهِ=فما كَانَ يُرضي البَعثَ حتى يُشيعا
سوى أنهُ عِندَ الإلهِ مُشيعٌ=وخلفهُ طيبَ الأنبياءِ تضوعا
إذا شئتَ أن تبكي فقم مُتبسماً=وإن شئتَ أن تَبسم فقم متفجعا
فو لله لا أدري وشعري حائرٌ=أيضحكُ ثغراً أم يُصبِبُ ادمعا
إذا قلتُ قالَ الدمعُ أنتَ أرقتني=وقد كنت أبغى أن يجُفَ ويُمنعا
فبنتُ الهدى فخراً أُريدُ بِصبرها=واره لما قيلَ ذُلٍ لاذعا
لي مَطمعٌ في أن أطوفَ بلائها=و لو لا الحياء لما تركتُ المَطمعا
هَتكُ الخُدورِ أقلُ مِما نابها=أنا لا أقولُ فقد أُغيظُ السامِعا
صَدامُ يا صنمٌ تأله بل أرى=إبليسَ فيهِ على العراق ِ تربعا
و إبليسُ مني غاضبٌ إذ=أنني شبهتهُ بِكَ فستثيرَ و روعا
حَقٌ وشَيطانُ البريةِ غاضبٌ=من أسمهِ إذ كان مِنهُ الأقذعا
أتُرى جرائمهُ تَضيقُ لشاعرٍ=و قد أستباحَ فوالاً و مواجعا
من يَومَ أن مَلكَ العِراقَ و لَمْ يزل=وادي السوادَ بمثلهِ مُتبرقِعا
و الشرُ يدعو بَعضهُ مُتفرقاً=فيصيُرُ في أفكارهِ مُتجمِعا
ظُلماً أساً قتلاً أذناً فكأنها=سَجْعٌ تَعاهُدها و لستُ الساجِعا
رَجلٌ على بيضِ الحَمامةِ حاقدٌ=و أراهُ من حِلمِ الطفولةِ جازعا
دَخلَ الكويتَ و كانَ يرضعُ كَفها=فنمت نواجِدهُ فعض المرضعا
أعطتهُ كي يبني الجيوشَ لمنعِها=فبناء لها مِما تناولَ مَصرعا
عَجبٌ تَصاريفُ الزمانِ و ربكم=من حَيثُ نَامَ الظالمونَ لهم وعا
فسعوا إلى قَتلِ السلامِ بِحربِهم=فنجا السلامُ وكيدهمُ لهمُ سعا
و إذا المَهيِبُ تحوطهُ أحبابهُ=تبغي يديهِ إلى القِصَاصِ لتُقطعا
و تسارعت لتُزيحهُ عن عرشهِ=لكنَ شَعبَ الطَفِ كانَ الأسرعا
شَوكٌ مرابضهُ فثارَ مُغاضِباً=و الليثُ ينهضُ غاضباً لو أُلدِعا
ضاقت مخارجهُ فَلَجَ بِعزمهِ=سَمَ الخياطِ فصار باباً واسِعا
و الشَعبُ لو طَلَبَ النَجومَ بِفُلكِها=لا تنهروهُ و صدقوهُ بِما أدعا
من نِقمتِ الجبارِ نِقمتِ صَدرهِ=حَانٍ على شَرْعِ الكتابِ الأضلُعا
وَطَنُ الطفولةِ عينهُ و فؤادهُ=و أنزع عيونهُ و الفؤادَ ليُنزعا
حُبُ العَدالةِ ربكمُ أرسى لهُ=يا ظالمُونَ مع الجبالِ مواقعا
عَبث سُجونكمُ هَباٌ قمعكم=هَيهاتَ أمرُ اللهِ أن يتراجعا
و الشَعبُ من نَبتِ الصحارى طَبعهُ=لو زدتهُ ضَماً يَزيدُ تَرعرُعَا
بل كُلما أظلمتمُ آفاقهُ=يزدادُ للضوءِ البعيدِ تطلُعا
ستروهُ يصنعُ بالعظامِ سُروجهُ=و بِها يَصبُ دِماءهُ كي تَسطعا
ألمٌ بِكفهِ يستقيهِ و كُلما=نَظرَ الخلاصَ ازدادَ مِنهُ تمتعا
أتراهُ تُثنيهِ الخُطوبُ و إن يكن=جلادهُ قِببُ الطهارةِ ما رعا
قِببٌ تُحاذيها الملائكُ هَيبةً=و يُذيقُها أبنُ العورتينِ المدفعا
بالأمسِ تُرمى بالسِهامِ نُعوشكم=حتى تَشِطُ عَنِ النَبيِّ و ترجعا
و اليومَ ترمى باللهيبِ قِبابكم=أمازالَ مروانٌ بِعائشةَ موقِعا
لا تتركوهُ فإنَ عائشةُ أُمُنا=و إمامةُ الحَسنينِ مَذهبُ من وعا
لكنهُ ضَرَبَ الأُمورَ بِخبثهِ=لما رأى سُلطانهُ مُتزعزعا
دينيةٌ قوميةٌ هي أمةٌ=مِنها تبرى من رضا أن يركعا
عُمريةٌ عَلويةٌ هي شيعةٌ=للعزِ طابَ لها أن تتشيعا
أملٌ يلوح وعَهدُ صفعتنا مضى=و زَمانُ وحدتِنا آتى كي نصفعا
القَلبُ قَلبٌ والسواعدُ ساعداً=هذا الخليجُ لنبي مأمنهُ معا