حيدر و التاريخ
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
وِسطَ الخيانةِ و المكارهِ=في قَبيحِ الخلق ِ يَسطع
شأن و أن تَكلم ناظريَ=و في صَميمِ القَلبِ أرضع
وَجِلٌ قلبيَ و استراحَ=مِنَ القَلبِ المُروعْ
من أينَ يا أبنَ الطَيبين=أُبادِرُ الوَصفَ المُفَرعْ
أمِنَ الجمالِ و ما خَطاكَ=تَصورُ الصَديق ِ مَطلعْ
تِلكَ البشاشةِ لو ضَحت=في ليلٍ بالوِترِ شَعشعْ
بُرقٌ يَرِدُ البُغضَ حُباً=و الحَسودُ دُعاءِ يَسمعْ
نَفسٌ عَنِ الخَيرِ الصَفيِّ=بِكُلِ عَزمٍ لا يُزَعزعْ
إن يَسلِبوهُ و يَغصبوهُ=أتاهمُ النُصحَ المُمنعْ
حتى على من اغالوه=يَحنو كأُمٍ للمُرَضعْ
هذاَ الوَصيُ أَخو النَبيِّ=بِخُلقهِ أهراً تَقنعْ
و غدا كنفسِ المُصطفى=بَثَ مآقيهِ فأرجعْ
فقُل تعالوا آيةً عن صدقها=من أينَ تُردعْ
و عَليٌ الأسمُ الذي=لِجلالِ ذاتِ اللهِ يُرفعْ
زَوجُ البَتولِ و من لهُ=عُرسٌ على السِناتِ أَجمعْ
و هو الذي لسَيدينِ=على قِنانِ الفَضلِ لأُوقعْ
ما الفَرقُ إلا فُرقةٌ=في شَخصهِ جَسدٍ تَجمعْ
ما العِلمُ إلا أَنهرٌ=من صَدرهِ الفياضُ تَنبعْ
ما الرُكنُ لو لا سَيفهُ=يُرثى و لولاهُ تَضعضعْ
ما الدينُ إلا حُبهُ=فأعشقهُ بالإيمانَ تُطبعْ
أنا لم أرى من مادحيكَ=على بيانِ الصِدق ِ ألكعْ
أخرستنا يا سيدي=لكِنما المَخروسُ فقفعْ
لما دنى من أنفهِ=رَوحٌ كَمسكٍ مُضَوّعْ
رَوحُ السيادةِ و العِبادةِ=كَيف يُمنعْ
إلا على من أنفهُ قد حُزَ=بالأضمي المُبشعْ
يا يَومَ بَدرٍ هل شَهِدتَ لِحيدرٍ=مُذ فِيكِ أشجعْ
خَاضَ الملاحِمَ و الجماجمَ سَيفهُ=للحق ِ أَخضعْ
عُد أبا شَيبةَ و الوليدَ=و كُلُ من حاذهُ بَضعْ
قَتلَ الملائكُ و الصحابةِ نِصفهم=و النِصفَ وَزعْ
و بيومِ أُحدٍ و الشَعاعَ تَجاذبَ=البَطلَ المُلمعْ
وَجِلَ القُلوبِ لدى الحَناجِرِ=و الكَرِ للفرِ أسرعْ
نَجِمَ الغِمارةِ بِسيفهِ=و أقتادَ عِزاً للمُشبعْ
كَسرَ الوَسيجَ بِصدره=و بِما ثَبتنَ بهِ تَذرعْ
فإذا أعتراهُ النَزفَ=من أكبادها جَلّداً تَشبعْ
و أعتاضَ عَزرائيلُ سَيفاً=للمماتِ و قد تَرضعْ
و إذا الأَمينُ مِنَ السَماءِ يُنادي=يا مَبرورُ فاسمعْ
لا سَيفَ إلا ذو الفِقارِ=و لا فتى غَيرُ المُقنعْ
يا حُلةِ الأَحزابِ قُري=من لعَمرٍ حيِّ جَدعْ
يَومٍ بهِ عَمرُ بن ودِ=يَضِجُ كالأسدِ الموجَوعْ
و المُصطفى نَدبَ الصَحابةَ=من لهذا الجُبتِ يَطلعْ
و الرُعبُ يَلتهِمُ النُفوس=و سُمُهُ للقلبِ يَلذعْ
أينَ الذيَ يُبايعونَ الله=بالأرواحِ نَدفعْ
حَانَ الوفاءُ فهل نَقضتم عَهدكم=أم جُرَ مَدمعْ
كُلٌ بِشملةِ خائفٍ=كأسَ المَنيةِ قد تَقبعْ
إلا أبنُ زَبرُ أبو الحُسينِ=بِنفسهِ فَرداً تَطوعْ
و مَضى و خَيرُ العالمينَ=لهُ بِنصرٍ قد تَضرعْ
و آتى بِرأسِ العامِري=و وجهُ بالنورِ يَسطعْ
نَحو النبي و ضَمهُ=و بِضَمهِ الإيمانُ يُجمعْ
فَكفى الإلهَ المُسلمينَ الحَربَ=للحملاتِ أنزعْ
هي ضَربةٌ عُدلِت بِها الخَيرات=ما يَمضي و يَتبعْ
تَكفيهِ فَضلاً للأنامِ=فكَيفَ و الأفضالُ أوسعْ
قُل لليهودِ العابثينَ بِخيبرٍ=ما كانَ يَصنعْ
دَكَ الحُصونَ و زَلزلَ البابَ الذي=بِطوبِ يُقرعْ
و دَحاهُ جِسراً لليمين=عليهِ كُلُ الجَيشِ يَهبعْ
و المرحبَ المَهيوب=نُبراسَ الردى بالأرضِ جَرعْ
يا سَيفَ حَيدرٍ=أينَ أنت اليومَ و الأَكبادُ تَدمعْ
تِلكَ اليَهودُ الغاشمون=على زُجاجِ القُدسِ ظُلِّعْ
هَجموا على شَعبٍ ضَعيفٍ=بالحديدِ و لا تَمزعْ
و غَدة فِلَسْطينُ السَليبةُ مُلكهم=و الأَهلُ بَلقعْ
نَادت بإخوانِ العُروبةِ=خَلِصوا الشَعبَ المُضيعْ
زُونَ العُروبةِ بالفنونِ=يداعبُ الجِيدَ المُرصَعْ
نادي عَلياً يا فِلَسْطينُ الذي=لبى المُروعْ
و استنجدي بالهاشُمي=فذلِكَ الحِصنُ المُمَنعْ
و دَعي الشِكايةِ للمُلوكِ=فما كَفى المَجروحُ أبقعْ
إنَ الخَلاصَ بِمثلِ حَيدره=لا خَلاصَ بِهديِ تُبعْ
مُسترسلاً كَرشَ التُخومِ=على دِماءِ الشَعبِ يَمرعْ
هذا أخو الصَهيون مُجتمعان=في رَحلٍ و موّضعْ
في رَحلِ حِزبِ المؤمنين=و مَوضعَ الشَعبِ المُلّوعْ
عودي لحيدره و أعلمي=ما خَابَ مُتَبعٌ لأروعْ
و إذا الصِعابُ تَلبدت=نادوهُ يا أبا الغوثِ تُقشعْ
نِدائهُ يَومَ الفَتحِ لا يَخفى=على فَطِنٍ و أَروعْ
يَومٌ بِهِ حَملَ اللواء=و آمنَ البَطحاءَ أَجمعْ
نَفسُ النبي و من لصدعِ المُصطفى=في السِلمِ يُمنعْ
لم أنسهُ قَدِمَ الجُموع=و رَاحَ بالتبليغِ يَصدعْ
غري قُريشٌ بالأمانِ=فلا تُراعوا اليومَ تلفعْ
لا ضَيرَ لا تَسريبَ=بل أَمنٌ طَفا عن كُلِ خَولعْ
حتى أُميةُ لا تَخافَ=و لا مِنَ الإعفاءَ تَجزعْ
يَومُ التسالِمُ و التَسامُحِ=في أمانِ الله تَركعْ
لكنَ يَومَكِ يا أُميةُ=بالحُسينِ السِبطِ جَعْجَعْ
و قتلةِ ريزاً بالجزاءِ=و هَكذا الغدارُ يَصنعْ
و بأمركِ صَدرُ الحُسينِ بنعلكِ=يَرقاهُ أسلعْ
بالفَتحِ داركمُ تُصان=و دارهم بِالطفِ تُفزعْ
و يَحِلُ خِدركمُ السلام=و خِدرهم بِنارِ يُدفعْ
أأميُ ماضيكِ اللعين=لهُ انتهارُ الشَعبِ يَرجعْ
لَزمٌ أفاضَ بِكُلِ نَهمٍ=من لُحومِ الشَعبِ يَشبعْ
هذا أبو النَجماتِ أهَوجُ لا يروىُ=و عَزمهُ مِدفعْ
خَضبَ في أرضِ السَوادِ=و شَمتِ الأحبابِ نَزعْ
مِنكم تَحَدرَ و اللبانُ دِماءٌ=داعيةً و مَرجعْ
و بإسمكم فَوقَ المَكارمِ و الكرامر=رَبتُ تبضعْ
من فَكَ يومَ صَكَ النَجيع=و لا عَنِ الأعرابِ يُسطعْ
كم من حُرةً فُتخت و كم أُمٍ=على الأبناءِ تَطبعْ
لم تَبقى دارٌ دونَ مُعضلةً=مِنَ الآهاتِ يَضجعْ
فترى خليلَ السلامِ=فليسَ لي بالصَبرِ مَطمعْ
يا مُظْهِرَ الحَق ِ المُغيث=و يا سَليلَ الحُرِ فأسمعْ
و أمضي على أعنفها بَتراً=فمها بدلت صُميدعْ
و استبنها أَرضاً جَبوناً=ردها الطاغوتُ يُخلعْ
و استبنها أُختٍ على الجبهاتِ=للباغينَ تَصرعْ
فالعِزُ أبنٌ للحروب=و من يَعقُ الأمُ يَخضعْ
هذا نِداءُ أبا الحُسينِ=فَلبيهِ يا من تَشيعْ
هذا اللواء فَخذ بهِ=و طَريقُ الطَفِ مَهيعْ
و الفَجرُ يَهتِكُ بالغياراء=بالهواشيمِ قد تَشعشعْ
بِرداءِ السِبطِ أمتدَ الهدى=بِرداءِ حيدرة قد تَلفعْ
سَغبُ الكَريمِ مَضى بِهِ و نحى=إلى فِرعونَ يَنزعْ
حتى إذا طَابَ المُضيفِ=و أوشكَ المَلعونَ يَطمعْ
نادهُ أمالكَ يا شَبيهُ=بِربكم آمنةُ فأرجعْ
من أينَ يا عَلقَ الزِنا=أوزارُ حَربِ الله تُوضعْ
و لقد تَفشى حَيفكم=و كَرامةِ الإنسانِ ضَيعْ
لا بُدَ أن تَرنوا لِحربٍ=بَعدِ وَكرِ العِزِ أرفعْ
لا رأيُ تَمَ لسانٍ=لَرجُلِ الجَيشِ المُدرعْ
جَيشُ الوصي يُهددُ الدُنيا=فَترهبهُ و تَركعْ
بُشراكَ حَيدره=فلوائُكَ في يدِ الأحرارِ يُرفعْ
هذا إذا نِداءُ يَومُ الحِفاظِ=بهِ نِداءُ اللهِ تَضجعْ
من آلِ كاسانِ نِدائهُ=لَحنَ و الفِعلُ مِفقعْ
فإذا علا شَرفَ البُغاةِ=على جِهادِ المُلكِ تَخضعْ
أينُ المَفرُ مُخالفينَ الذِكر=و الراياتُ تَضبعْ
زَحفاً على أرضِ الشهادةِ=لا أَنيسَ اليومَ يَنفعْ
هل رأت ضَربةَ حيدرٍ=مُجنُّ أبنَ وداً إذ تدرعْ
هل رَدَ عَنهُ الموتَ جَيشٌ=للجبالِ الصُمِ يَقلعْ
هي أُختها من نَسلِهِ=فإذا بُليتَ بِها تَردعْ
مهما تَطاولَ عَهدكم=لا تحسبوا المَظلومَ يَهجعْ
ما دامَ فينا حَيدرٌ=لو ننحي للظُلمِ يَشفعْ