بكربلاء سيد البشر
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
بكربلاءِ سيدُ البشرِ=بَكى فأبكى الشمسَ والقمر
وكلُ المرسلين=حزناً على الحُسين
ما رُفِعَ في المقدسِ حجر=إلا و تحتهُ دمٌ انفجر
فكربلاءُ رُزءُ الأنبياء=و مدمعُ النجومِ بالسماء
فكُلها تُدينُ بالولاء=لمرسلٍ كتابهُ الدماء
مُعجزةُ الدمِ بكربلاء=نبيها سِبطُ أبو الفداء
معاجزٌ سُنَّ لها البقاء=عاشورُ و الحُرقةُ بالعزاء
عهدٌ مِنَ اللهِ بلا فناء=وهوَ وَليُ الصدقِ و الوفاء
فمَن ترى يُقاومُ الغَدر=حتى يزيلَ الحزنَ و الأثر
ما هكذا القضاء=بكاءٌ و عزاء
و دمعةٌ للشمسِ و القمر=حزناً على إبن سيدِ البشر
يا ثائراً ما ظَلَّ بالندى=فؤادهُ إلا مِنَ الصدى
فَرَاغَ و التفَ على العدى=فلم يمتْ بل ماتَتِ العِدى
اقسمَ رَبُ العِز بالهدى=بأنْ يكونَ الدمُ خالدا
عهدُ طفوفٍ يومَ جُدِدا=و ذا الحسينُ يرفعُ النِدا
لا تتركوهُ اليومَ واحدا=و تندبوهُ بالأَسى غدا
فليسَ ثأرُ السِبطِ بالدموع=وإنما بمُرهَفٍ لَموع
يُروعُ العدا=و يفرحُ الهدا
يُعمي عيونَ الكُفرِ بالنظر=كسيفِ إبنِ سيدِ البشر
هاذي دموعُ الأفقِ جارية=و حُمرةٌ الكونِ كما هيَ
كأنما الحوراءُ ماثية=تصرخُ و أخاه باكيه
و جثةُ الحسينِ باقية=برَمضةِ الهجيرِ صالية
و جثةُ العباسِ دامية=و حولهُ الصغارُ شاكية
عماهُ مَنْ أراقَ الراوية=من قطعَ الكفوفَ الحانية
مِنْ هَولِ ما تنظرُ واعية=قد نَسيتْ أنها ظامية
وتنظرُ الجِراح=و ترفعُ النياح
عماهُ كم ظِلعاً لكَ انكسرْ=نصراً لإبنِ سيدِ البشر
ما أروعَ الدمعَ إذا همى=معبراً عن طاعةِ السما
على قتيلٍ ماتَ بالضمى=كي لا يعيشَ الدينُ راغما
والحُرُ للأحزانِ ما انتمى=أرادها للثأرِ موسما
ما قصدَ الدمعَ و إنما=مهدَ بالدمعِ إلى الدما
لو لا الدما ما كنتَ مسلما=لو لا الشهيدُ ما انبنى الحِمى
لو لا دماء ثورةِ الحسين=لما بقتْ مبادىءٌ ودين
تُزيلُها أمية=و تَحكِمُ الرعية
لمنهجِ الغرورِ و البطر=لو لأدمُ إبنِ سيدِ البشر
واحدةُ الدهرِ فَلَمْ ترى=عَينُ الزمانِ مثلَ ما جرى
بكربلاءِ مُلتقى الذرى=خُضِبَ منهُ الصدرُ و القرى
على رِكاب النارِ بالثرى=مضرج النحرِ ُمعطرة
ما شائهُ اللهُ و قدرة=حتى يقومَ مُنقذُ الورى
الظالمُ العبدُ تأمرى=والحرُ بالسجنِ تأسرى
فإبنُ النبيِ ماتَ بالضمى=و إبن الدعيِ عاشَ حاكما
يزيدٌ الأمير=والسِبطُ بالهجير
على الترابِ أنَّ و احتضر=و هو سليلُ سيدِ البشر
آدمُ لما هبطَ الدُنى=فتشَ عن حواءَ أُمنا
بكلِ أرضٍ جالَ و اعتنى=ماتركَ المشتاقُ موطنى
وعندما مرَّ بقدسنا=أرضُ الطفوفِ أرضَ حُبنا
أصابهُ الإعلانُ و العناء=واهتمًّ و اغتمََّ وغُضِنا
تعثرتْ رجلهُ وانثنى=بموطنِ الطعنةِ بالقَنى
فَصَاحَ يا ذا العوفِ والرِضا=ألستَ قد غفرتَ ما مضى ؟
فجاؤَهُ النداء=ما الأمرُ هكذا
و إنما هنا الحسينُ خرْ=روحُ النبيِ سيدِ البشر
و مر قومُ نوحٍ بالسفين=على جميعِ الأرضِ آذنين
فمنذُ أن أتوا بالطفِ مبحرين=أوشكتِ الأرضُ بهم تلين
فَزُلزِلَ المَركبُ بالحَنين=و ظُنَّ مَنْ عليهِ غارقين
فصاحَ نوحاً والهاً حزين=ماذا جرى ياربَ العالمين ؟
فجاؤَهُ الردُ مِنَ الأمين=يا نوحُ هذا منحرُ الحسين
فقالَ نوحٌ ربي مَنْ حسين ؟=فقالَ سبطُ خيرِ المرسلين
وحيدرٌ أبوه=والقومُ يقتلوه
فسوفَ ُأصلي القومَ في سقر=ثأراً لإبنِ سيدِ البشر
وقبلَ ألفينِ و ألفِ جيل=بكربلاء تجاوزَ الخليل
فَعُثِرَ الأدهمُ ذو الصهيل=وخرَّ ِمنهُ و الدِما تَسيل
فقالَ يا رحمنُ يا خليل=مِنَ الذنوبِ لُطفُكَ المُقيل
فجاؤَهُ نِداءُ جبرئيل=لاذنبَ حتى منهُ تَستَقيل
وإنما هنا بلا غليل=يهوي الحُسينُ ظامئاً قتيل
فَسالَ من دماكَ مايكون=مساوياً لقلبهِ الحنون
و نحرهُ الخضيب=و شيبهُ التريب
فَسالَ من دماكَ وانهمر=لمذبحِ إبن سيدِ البشر
أغنامُ إسماعيل سائبات=بمَرتَعِ الطُفوفِ راعيات
وذاتَ يومٍ لاحظَ الرعات=بأنها لا تَرِدُ المُراد
فقالَ يا إلهَ المُكرَمات=مالِ القطيعِ عُدنَّ عاطشات
فقالَ سَلها فهيَ عالِمات=بأذنِنا تكونُ ناطِقات
إذا بها تضجُ صائِحات=هنا الحسينُ يشرَبُ الممات
و قلبهُ كالجمرِ من ظماه=على الصعيدِ شارباً دماه
فلا نُريدُ ماء=سواءً بسواء
حزناً على مبلغِ القدر=سبط النبي سيد البشر
وقِيل موسى في بلا الزمان=و يُوشَعُ ابنُ نونٍ يمشيان
وبينما الحظران سائران=و في صَنيع الله يشكران
إذا بشوكِ الحَسكِ ذو السِنان=برجلِ موسى و الدمُ استبان
فقال يا ربي بكَ الأمان=من كل ذنبٍ يوجِبُ المَهان
فجاؤه الردُ بِذا المكان=يَهوي الحسينُ من على الحصان
فقالَ موسى من هو الحسين ؟=فقال نورُ بين فَرقدين
قتيلُ العبرات=يموتُ بالفرات
ضامِ الفؤاد غائِرَ النظر=و هو حبيبُ سيد البشر
كانَ سليمانُ أبو الثرى=على البساطِ يقطعُ القَضى
فأنتفضَ البِساط في الهوى=على سماءِ أرض كربلاء
فقررت ريح على اهتدى=فَخافَ أن يهوي من السما
فقالَ للريح لما الجَفى=ألستِ طَوعَ أمرِ الأنبياء ؟
قالت و مازلتُ على الولاء=ما دُمتَ لا تُعارض القضاء
أوحى إليَّ واهبُ العطاء=بأن هذي تربةُ البلاء
توقفي على ثَرى الحسين=ثم اهتفي للعنِ القاتلين
فرددَ الدعاء=أميرَ الأنبياء
وقال زِد ياربنا الشَرر=لقاتلِ إبن سيد البشر
ومرَّ عيسى ابن مريمِ=بالغادريات ثرى الدمِ
إلى الحواريين مُنتمي=كأنه بدرٌ بمَيسمي
إذا بليثٍ كاشر الفمِ=معترضٌ لكلِ قادمِ
يقولُ يا من مثلَ آدمِ=من حمى الترابِ الفاحمِ
ألعن معي يا نسلَ مريمِ=قاتلَ نسلِ الطهرِ فاطمِ
قاتلهُ تلعنهُ الوحوش=و من دامهُ تسقطُ العروش
فإن لعنتَ تسلم=ياروحُ يا معظَم
فالقاتلونَ لعنهم قدر=ثأراً إلى إبنِ سيدِ البشر
وعاد منها خير الأنبياء=أشعثَ مغبراً من العناء
فقيل ما لسيدِ البقاء=على يديه يحمِلُ الدماء
فردَ بالإجهاشِ والبكاء=يا أُم سَلمى أنصبي العزاء
هاذي دماءُ خامس الكساء=جِئتُ بها من أرض كربلاء
فأحتفظي بتربة الشفاء=ثم أنظريها عاشر المساء
خُذي التراب و احفظي العهود=فيوم عاشورا دماً يعود
إذا الحسين كبر=وسالَ دمُ المنحر
فَأَمعِني بالتربةِ النظر=و أبكي على إبن سيد البشر
مرَّ بها أميرُ المؤمنين=بدربهِ لحربِ المارقين
ثم غفى كَغفوِ النائمين=و قد رأى بطيفِ الحالمين
جنداً من السماءِ نازلين=راياتهم بِيضٌ مُسلحين
رآهمُ حولَهُ مُحذِقين=وعظموا أجرهُ في الحسين
وقالوا صبرا عترة الأمين=فذا قضاء خير الحاكمين
والدم بالنخلِ بدى يُحيط=وابني غريقٌ في دمٍ عَبيط
والجنةُ تواقة=وحُورها مشتاقة
لِمن على الكرامةِ إعتفر=سبط النبي سيد البشر