إلى السيد المعلم
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
قد آبى الوَجدُ إلى القَلبِ انتِقالا=و آبى الأُنسُ إلى النَفسِ وِصالا
ضَحِكَ الدَهرُ نِفاقاً و اختيالا=فتأخذنهُ إلى السَعدِ مَجالا
و تَناسينا تَصاريفُ القضا=و شَرِبنا غَفلةً حتى الثُمالا
و دمُننا الجُرحَ بِالصبرِ فلا=شُفيَ الجُرحُ و فينا الصَبرُ طالا
و مَددنا أذرُعاً من حُبِنا=و تأملنا مِنَ الدَهرِ إقتبالا
فَتَنبهنا على مَقصلةً=تَفرِمُ الرأسَ و تُهديهِ ظِلالا
و كَرامةً إلى أعلى مِنى=لَبِستها ثُلةُ البغي نِعالا
و استضافة خَيرنا في جُبنِها=لِينل ما يشتهي فيهِ وَبالا
ثُمَ رَدوهُ إلينا في خُرقةً=ففهِمنا أنهُ لاقى الدلالا
سَهِرَ الصَوتُ على خِدمَتهِ=ليُقلبهُ يَميناً و شِمالا
لم تَمت يا أملي مُختراماً=دونَ أن تَخرِمَ للدينِ عِقالا
لن يُصيبكَ الموتُ بل مُفتعلٌ=فلقد صَيرهُ الذِكرُ افتعالا
أنتَ في كُلِ فؤادٍ صادِق ٍ=نَعمٌ كُبرى و للجلادِ لا لا
سيدي ما كُنتُ أدري قَبلكم=لِصمودِ السِبطِ بالأرضِ مِثالا
كَيفَ تقضي و الدُنا حافِلةٌ=عَقِدت من فِكرِكَ الفَذُ احتِفالا
و تعالت صَرخَةٌ أطلقتها=و آبت فينا إلى الحَشرِ زَوالا
رفعتها بَعدكم قافِلةٌ=رَجتِ الأرضَ يَميناً و شِمالا
يا أبا الأعلام ما خَابَ الرجا=و دَمُ المَظلومِ للثأرِ استطالا
قَرُبَ العَهدُ الذي ما بيننا=و تَعاهدنا إلى الكُفرِ قِتالا
فَلقد ذُبنا كما تأمُرنا=في هوىً من قَلبهُ للدينِ سالا
و بَقت في النَفسِ من فَقدِكمُ=حَسرةٌ تُذكي على الدَهرِ اشتِعالا
سيدي قد كُنتَ حُلماً بارِعاً=فَلقد عِشنا بِلُقياكَ خيالا
و الأَساطيرُ إذا أمسكتها=فَلقد أَمسكتَ في الناسِ مُحالا
رَجُلٌ لو لا التَعدي عاقهُ=كَتَبَ اللهُ إلى العِلمِ كمالا
و أرى ( ماركوسَ ) لو عاصرهُ=لرتاء عَن مَبدأ الكُفرِ ارتِحالا
و لما أُغرِقَ في فَلسفةً=تُنكِرَ اللهَ غُروراً و جِدالا
و لما حَركَ تأريخَ الورى=بِالعلاقةِ التي تُنتِجُ مالا
و مضى يَنهلُ من أُطروحةً=صاغها الصَدرُ و يشتاقُ سؤالا
سيدي إن قُلتَ لم تَترك إلى=أَحداً مهما علا عِلمٍ مَقالا
سيدي كُلَ الذي أصدرتهُ=قد غدا في حَوزةِ العِلمِ ابتِهالا
رددتهُ للعُلا طُلابكم=و مضى يُبْسِمُ ذِكراكَ جمالا
سَيدَ الاُتيا و ما عِقت لها=حينما تَعني جِهاداً و نِضالا
قَتلت من كانَ يُرجى عِلمهُ=لذُرى الإسلامِ أرضاً و ظِلالا
زُهِقت بينَ المآسي نَفسهُ=دَونَ أن يَبتَعِثُ الضيمُ الرِجالا
أخوةَ الإيمانِ في أرضِ البلاء=ما عَهِدناكم على الذُلِ كُسالى
إنَ في تأريخكم مَعرِفةٌ=كم أزحتم نُظماً تَحكي الجِبالا
ثَورةِ العشرينِ من تاريخكم=لم تَزل تمشي على الدَهرِ اختيالا
لم يَكن قَبرَ حُسينٍ عِندهم=كَيفَ يَرخونَ إلى الذُلِ الحِبالا
أوليسَ السِبطَ قد عَلمكم=أن تُقيموا لي لُقى المَوتِ احتِفالا
أو يقضي بينكم مَرجِعكم=و تَنامونَ على القَهرِ ثِقالا
أو لا تَكفي الدِماءَ كي تَثيبُ=ينتهي العُذرُ إذا الدَمُ سالا
كم تعدى الجَورُ حتى شَمِلت=كَفهُ خِدراً مَصوناً و حِجالا
فإذا لم يَنهضُ الدَربُ بِكم=صَارَ ما يُفرِحكم شيءً مُحالا
يا غيارا في ثرى قَبلتُها=يَومَ أن كانت إلى الحَق ِ فِعالا
لقد اُشتقتُ بأن الثُمها=و لَهيبُ الغَيظِ قد أذكى الرِمالا
أثبِتوا أنكمُ من صُلبِ من=قد أذاقوا جَحفلَ البيضِ الخُبالا
أنتمُ أبناهم أم جئتمُ و انتحلتم=عِزةَ القَومِ انتحالا
أنشِدوا الشِعرَ و رِدوا رِجزةً=قالها السِبطُ و سِرجُ المَوتِ مالا
أنا لا أُعطيكمُ ذُلاً يدي=بل سوفَ أُبقي لُبتَ القَلبِ النِصالا
حَزنناً عيشي بِذُلٍ بينكم=فَسعِدُ قَلبيَ بالموتِ قِتالا
إنَ هَذا الصَوتُ في تُربتِكم=قد ثوى و هوَ على الكَونِ استطالا
أولم تُسمِعكم أبواقهُ=و أبو جَعفرَ أعلاها مَقالا
أيُها الأبناءُ في أرجائنا=أجهروا بالحَق ِ قَولاً و فِعالا
حَكِمُ الإسلامَ في مَوطِنكم=و أجعلوهُ للمُرادينَ نَكالا
وَطنٌ للكُلِ لا حِزبٌ بِهِ=يُرغِمُ الناسَ بِما يعدوا احتِمالا
أخوةً في اللهِ و الدين فلا=جُعِلَ الإسلامُ إلى الغَيرِ عِقالا