من يلهه المرديان
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
من يلههِ المُرديان المال و الأملُ=لم يدرِ ما المنجيان العلم و العملُ
من لي بصَيقَلِ ألبَابِ قد التصقت=بها الرذائل و التاطت بها العللُ
قد خالَطَت عَقلَهُم أحكامُ وَهمِهِمُ=و خَلطُ حُكمِهما في خاطِرٍ خَطَلُ
خذ رشد نفسك من مرآة عقلك=لا بالوهم من قبل أن يغتالك الأجلُ
فالعقل معتصمٌ و الوهم مُتهمٌ=و العمر منصرمٌ و الدهر مرتحلُ
إن الأنامَ مِطىْ الأيام تحملهُم=إلى الحِمامِ و إن حلوا أو ارتحلوا
لا يولد المرء إلا فوق غارِبها=يحدو به للمنايا سائقٌ عجلُ
يا منفق العمر في عصيان خالقه=أفق فإنك من خمر الهوى ثملُ
تعصيه لا أنت من عصيانه وجلٌ=من العقاب و لا من مَنهِ خجلُ
أنفاس نفسك أثمان الجنان فهل=تشري بها لهباً في الحشر تشتعلُ
تشح بالمال حرصاً و هو منتقلٌ=و أنت عنه برغمٍ منك تنتقلُ
ما عذر من بلغ العشرين إن هجعت=عيناه أو عاقه عن طاعةٍ كسلُ
إن كنت منتهجاً منهاج ربِّ حِجَىً=فقم بجنح دُجَى لله تنتفلُ
ألا ترى أولياء الله كيف قَلَت=طيب الكرى في الدياجي منهم المُقلُ
يدعون ربهم في فك عنقهمُ=من رِقِّ ذَنبِهِم و الدمع ينهملُ
نحف الجسوم فلا يُدرى إذا ركعوا=قِسِيُّ نَبلٍ هم أم رُكعٌ نُبُلُ
خُمْصُ البطون طِوىً ذبل الشفاه ظماً=عُمشُ العيون بُكلً ما عَبَّها الكَحَلُ
يُقال مَرضىً و ما بالقوم من مرضٍ=أو خولطوا خبلاً حاشاهم الخَبَلُ
تعادل الخوف فيهم و الرجاء فلم=يَفرطُ بهم طمعٌ يوماً و لا وجلُ
إن ينطقوا ذكروا أو يصمتوا شَكَروا=أو يغضبوا غفروا أو يقطعوا وصلوا
أو يُظلموا صفحوا أو يُوزنوا رجحوا=أو يُسئلوا سمحوا أو يحكموا عدلوا
فلا يلِم بهم من ذنبهم لممٌ=و لا يميل بهم عن وردهم مَلَلُ
و لا يسيل لهم دمعٌ على بشرٍ=إلا على معشرٍ في كربلاء قُتلوا
رَكبٌ برغم العُلى فوق الثرى نزلوا=و قد اُعِدَّ لهم في الجنة النُزلُ
تُنسي المواقف أهليها مواقفهم=بصبرهم في البرايا يُضرب المثلُ
سَدٌّ إذا اتَّسقوا أُسدٌ إذا افتَرقوا=شُهبٌ إذا اخترَقوا الأبطالَ و اقتَتَلُوا
ذاقوا الحتوف بأكناف الطفوف على=رغم الأنوف و لم تبرد لهم غُللُ
أفدي الحُسينَ صَريعاً لا صَريخَ لَهُ=إلا صَريرَ نُصُولٍ فيهِ تَتَّصِلُ
و الطعن مؤتَلِفٌ فيه و مختلفٌ=و النحر منعطفٌ و العمر منبتلُ
و الجسم مُضطَربٌ بالنجع مختضبٌ=و القلب ملتهبٌ ما بله بللُ
و الشمر مشتغلٌ في ذبحه عَجِلُ=و السبط منجدلٌ يدعوا و يبتهلُ
عجبت من فتك شمرٍ بالحسين و قد=رقى على الصدر مِنهُ و هو مُنتعلُ
كيف استطاع لصدر الصدر مرتقياً=و دون أدنى مراقي كعبهُ زُحلُ
أفدي الحسين طريحاً لا ضَريحَ لَهُ=و ما لَهُ غَيرَ قاني نَحرِهِ غُسُلُ
دماؤُهُ هطلت للشيب منه حَنَىًّ=و الجسم قد حجلت من فوقه الحجلُ
و الرأس مرتفعٌ في رأس مُنتصبٍ=يبكي على حمله المَرِّيخُ و الحَمَلُ
لا جَدَّ للمَجدِ جِدِّيْ إن جلَستُ على=بَسطِ انبِساطي و أبدى سِنِّيَ و الحَملُ
و كَيْفَ أحمدُ بَسْطَ البالِ مِن جَذَلٍ=و سِبطُ أحمَدَ في البَوغاءِ مُنجَدِلُ
و كَيْفَ أَنشقُ ريحاناً و قد تُركت=ريحانة المصطفى تنتاشها الاُسَلُ
أَمْ كَيْفَ أشرب ماءً لا أغص به=و السبط صادٍ تسقيه الردى الذبلُ
أَمْ كَيْفَ أفرُشُ فَرشاً و هوَ مُنجَدِلٌ=بِجُندُلٍ قد علا عَلبَاءَهُ عبَلُ
أَمْ كَيْفَ يعبَقُ بي طِيبٌ و نِسوَتُهُ=شُعثٌ ترامى بِهِنَّ العُجَّفُ البُزُلُ
بِلا وِطاءٍ و لا سِترٍ يُجَلِّلُها=عَن أعيُنِ النَّاسِ إلَّا الحُزنُ و الثَّكَلُ
إلى يزيدَ تُهدى و هو مبتهجٌ=مُكَنَّعُ برداء الكِبر مشتملُ
أصلاهُ خالِقُهُ في هَبهَبٍ لَهَبَاً=لَهُ بِها ظُلَلٌ من فَوقِها ظُلَلُ
يا جُنَّةَ الناسِ مِن نارِ الجَحيمِ وَيَا=حُراسَهُم إن عَرَاهُم حادِثٌ جَلَلُ
منُّوا على حَسَنٍ بالأمنِ في وَطَنٍ=و بالسَّلامَةِ مِن نارٍ لها شُعَلُ
صُونُوا لَدَى العَرضِ عِرضِي و اشفعُوا=لي في درائِرٍ أنا مِنها خائِفٌ وَجِلُ
و والِدَيَّ و إخواني و مَن طُوِيَت=طَياً على عُنُقي أيدٍ لها طوَلُ
أعني مُحمَّداً السَّامي المقامِ و مَن=لِأمرِهِ أنا في ذا النَّظمِ مُمتَثِلُ
ثُمَّ السلامُ على خَيرِ الأنامِ مَتى=جَنَّ الظَّلامُ و ناجَى الله مُبتَهِلُ