شُعَلٌ لا تُطفِئُها الريحُ
سنة 2016
ضوءٌ نبيٌّ يُربِّي صبوةَ الشُّعَلِ=هزَّ الثرياتِ لمّا شعَّ في المُقَلِ
وتلبياتٌ على الأعتابِ تخطفُني=حولي المجاذيبُ قد ضجُّوا بلا كللِ
مِنْ كلِّ حزنٍ عميقٍ قادَهم ولهٌ=تمشي المراثي يعاقيبًا على السُّبُلِ
لِمَنْ يحطُّ حمامُ الأمنياتِ على=أكتافِ شبّاكِهِ / المأوى بلا وَجَلِ
ويرتقي عرشَ نجواهُ ملائكةٌ=والعاكفونَ ذوو الحاجاتِ والعِلَلِ
لهم وشومٌ على أرواحِهِمْ نُقِشَتْ=يدوِّنُونَ عليها سيرةَ البطلِ
فكانَ يُزهرُ في الأسحارِ بالعُرفا=كمَا يشعشعُ بالباكينَ في الأُصُلِ
لا تطفئُ الريحُ مَنْ صانُوا مشاعلَهُمْ=مهما تحاولُ بالتمويهِ والحِيَلِ
هناك حيثُ تشفُّ الذكرياتُ كما=ماءٍ يُحدّثُ غرقاهُ بلا بللِ
ما كنتُ أمشي فَراشُ الخفقِ يحمِلُني=ما كنتُ أرمشُ لحظي طارَ في عَجَلِ
وهمَّ بي الشوقُ أمّلتُ اللّقا وطرًا=فبابُ مَنْ سادَ قلبي غيرُ منقفلِ
هَمَمْتُ أعتنقُ الأشعارَ حينَ بدا=البرهانُ حتّى أرى وجهَ الحبيبِ جلي
وراودَتْني معاذَ اللهِ أردعُها=وحصحصَ الحبُّ قُدَّ القلبُ مِنْ قُبُلِ
وكنتُ أسلكُ في جيبِ الضريحِ يدي=فتخرجُ الكفُّ بيضاءً بها سُؤُلي
وكدتُ أُقمرُ مُذْ لامَسْتُ فضّتَهُ=قَبَسْتُ وحيُا فيا نارَ الرُّؤَى اشْتَعِلي
كما الكليمِ بميقاتي صُعِقْتُ بها=لما تجلَّيْتَ دُكَّ القلبُ كالجبلِ
عقدْتُ روحيَ خيطًا أخضرًا فنما=غصنًا على سدرةِ التّهيامِ والغَزَلِ
حتّى دنا فتدلّى الزهرُ مِنْ شغفي= كما عروسٍ دنَتْ في ثوبِها (النَّشِلِ *(
مفتونةٌ بالسنا ينثالُ مِنْ مهجٍ=عَنْ كلِّ ما لا يُهيجُ العشقَ في شُغُلِ
تزاحَمَتْ في طوافِ الوجدِ قافيتي=ترنّحَ الشعرُ في ثغري بلا ثَملِ
وكنتُ أغترفُ الآهاتِ مُرهِفةً=لما تهاطلَ مِنْ بوحٍ على خجلِ
بينَ النذورِ ودمعِ الأمّهاتِ سَرَى=صوتي كقَطْرِ النّدى في وردةِ الأملِ
عيني على قبّةِ الفردوسِ لم تزلِ=كنجمةٍ لم تَعُدْ منها ولم تصلِ
أطوي المرايا التي في وجهِها قصصٌ=تحكي الذي في فمي يطفو ولم يُقَلِ
عكَفْتَ أقرأُ ما بينَ النقوشِ على=كفِّ الضريحِ تراتيلاً مِنَ القُبَلِ
وحينما جاوزتَ روحي مدى المُقَلِ=كأنّما ملكوتُ الطفِّ أُشرِعَ لي
رأيتُ فيما رأيتُ الرّملَ منهمكًا=يكسو المطاعينَ في الرّمضاءِ بالحُلَلِ
وقربةً في كفوفِ الفضلِ قد سُفِكَتْ=بغيرِ دمعِ يتامى الجودِ لم تَسِلِ
والنهرَ يغرقُ في التأنيبِ مشتعلاً=بالذنبِ يستغفرُ العَطشى مِنَ الزّلَلِ
والريحَ تلتقطُ الصيحاتِ تنثرُها=كالنائحاتِ بسمعِ الكونِ في وجلِ
رأيتُ شمسًا على العسّالِ قد رُفِعَتْ=وخلفَها أنجمٌ تُسبَى على الهُزُلِ
لكنَّهم في مدارِ اللهِ قد سطَعُوا=فيما انطفى مَنْ أراقَ الضّوءَ بالأجلِ
هَبّوا لواعيةٍ أغرَتْ مروءَتَهُمْ=بأنْ هلُمُّوا مذاقُ الموتِ كالعسلِ
تفرَّسوا في زجاجِ الغيبِ مؤتلقًا=فأشرَقوا جرأةً في اللحظةِ الجَلَلِ
هم فتيةٌ آمنوا، خُضرٌ عمائمُهُمْ=ثارُوا على صولجانِ الزيفِ والدَّجَلِ
فما رأيتُ جميلاً كالذي صنَعوا=كانوا يدَ اللهِ خلاّقُونَ للمُثُلِ
مازِلْتُ ألمحُهُمْ في وجهِ مَنْ عَشِقُوا=غُرَّ الوجوهِ حسينيّونَ مِنْ أزلِ
تخفَّفُوا مِنْ متاعِ المُشْتَهَى وَمَضَوْا=نحوَ الحسينِ كَمَنْ يمشي على الطَّلَلِ
وأسرَجُوا البَوْحَ في قنديلِ لهفتِهِ= يُتَمْتِمُونَ فيُصْغِي وارثُ الرُّسُلِ
مَعَ المُخِفِّينَ أمضي يجتلي وَلَهي=ضوءٌ حَفِيٌّ يحيِّي لهفةَ الشُّعَلِ