النهرُ يَصْرُخُ هيْتَ لك
سنة 2016
مِنْ سورةِ العبّاسِ إقرأْ ما الوفا=كي تعلمَ القمرَ المنيرَ لِمَ انطفى؟!!
بسمِ الذي خلقَ الوفا مِنْ كفِّهِ=عبّاسَ أقرأُ، لستُ أتلو يوسُفا
اللهُ أنزلَهُ كتابًا مُحْكَمًا=عينٌ وبأسٌ فيهِ شعَّتْ أحرُفا
فَلَتلكَ آياتُ الكتابِ مُبِينةً=يتلو الكفيلُ بها عَلَيْنَا موقِفا
نهرٌ تجارى في الطّفوفِ بجودِهِ=همَّ الفراتُ لضفّتيهِ لِيَغرِفا
قمرٌ تنزّلَ فوقَ تربةِ كربلا=فكأنَّ بدرَ الليلِ صبحًا قد غفا
اللهُ أنزَلَهُ يقصُّ وفاءَهُ=حتّى الفناءُ مَعَ الوجودِ لهُ هفا
إذْ قالَ عبّاسُ المُطهَّرُ: يا أبي=حُلْمًا رأيتُ لعلَّ تأويلًا شفا
فوقَ الثلاثينَ الألوفَ رأيتُها=دارَتْ على جسدِ الحسينِ لِتزحفا
ورأيتُني لحسينِ أسجدُ طائِعًا=لا يعرفُ الحرُّ العزيزُ تكلُّفا
قالَ الوصيُّ: بُنيَّ فاعلمْ إنّني=أخشى مكيدتَهم وقلبيَ أرجَفا
لقَدِ اجتباكَ اللهُ جلَّ جلالُهُ=وهُوَ العليمُ بما تبيّنَ أو خفى
فأتمَّ نعمتَهُ وأبصرَ همَّنا=وبكَ الإلهُ قضى لهُ أنْ يُكشَفا
فدعاهُ أرخِصْني فأحفظُ سيّدي=وأصونُ زينبَ خدمةً وتَشرُّفا
قالَ الوصيُّ وقد تماطرَ حُزنُهُ=ورأى العِجافَ العشْرَ تركبُ أعْجَفا:
إنّي ليَحْزُنُني الذهابُ، أخافُ أنْ=تعدو الذئابُ عليكَ حتّى تُتْلَفَا
ويمرَّ واردُهُمْ فيُدلي سيفَهُ=بالنحْرِ، (يا بُشرى) يصيحُ مُشَنَّفا
إذْ قالَ شِمْرٌ: مَنْ أحَبُّ لقلبِهِ؟=قلبُ الحسينِ لِمَنْ تقطَّعَ مُرهَفا؟!
لَأخوهُ عبّاسُ الكفيلُ أحبُّ إذْ=نادى على الدّنيا بمقتلِهِ العفا؟!
فلْتقتُلُوا العبّاسَ يخلُ لجيشِكُمْ=وجهُ الحسينِ، وأتْبِعوهُ تأسُّفا
وأشارَ مِنْهُمْ قائلٌ: أَلْقوا بهِ=بِغَيابةِ الطَّفِّ الأليمِ تَلطُّفا
جاؤوا بقربتِهِ دمًا كذِبًا وَهُمْ=يبكُونَ والدمعُ الكذوبُ تَكَفْكَفا
والحقُّ حصحصَ والظلامُ قَدِ انجلى=ومضى جفاءً ما استحالَ مُزيَّفا
لم يغترفْ ماءً، ولكنْ (هيتَ لكْ)=باتَتْ تراودُهُ المياهُ مَعَ الصَّفا
وعليهِ غلّقَتِ الفراتَ وقد رأى = برهانَ ربٍّ لاحَ بابنِ المصطفى
فتوقّفَتْ كلُّ الحياةِ بكفِّهِ=لما رأتْهُ عَنِ الحياةِ توقّفا
لمّا أحسَّ ببَرْدِها وزلالِها=وبمكرِها، ارتابَ العزيزُ فأوْجفا
همَّتْ بهِ عشْقًا وهمَّ لشُرْبِها=لولا رأى البرهانَ راحَ لِيَرْشُفا
حتّى إذا ما أمسكتْ بكفوفِهِ=بالحالِ دافَعَها وصاحَ بها كفى
وهناكَ شطآنُ المدينةِ حدّثَتْ=والموجُ ردّدَ ما يُقالُ وأردَفا:
إنَّ المياهَ غدَتْ تراودُ كفَّهُ= ضَلّتْ فكيفَ لها بِهِ أنْ تُشغَفا؟!
ولقدْ أتاها مكرُهُنَّ فأرسَلْتْ=ولها أعدّتْ للمكيدةِ رَفرَفا
ودعتْهُ هيّا اطْلعْ عليها بالدّجى=بدرًا، فأكبرْنَ الذي ما وُصِّفا
وقطَعْنَ أيدٍ للكفيلِ لينحني=فدعا على كيْدِ الفراتِ لِيُصْرَفا
قالتْ فذلكَ مَن أُلامُ بعِشقِهِ=والليلُ يُظلمُ لو بهِ القمرُ اختفى
قسَمًا لَيَتْبعُهُ الصِّراطُ إذا مشى=حقُّ الصِّراطِ بدربِهِ أنْ يُحرَفا
قالتْ لئنْ لمْ يأتمِرْ بأوامري=بالموتِ قد حَكَمَ الزمانُ فأنْصَفا
فأشاحَ عنها زاهدًا، ووفاؤُهُ= يدعو معاذَ اللهِ أنْ أتَزلَّفا
مثوايَ أكرمَهُ الحسينُ بلطفِهِ=وأنا وربّيَ لستُ أتبعُ زُخْرُفا
فقضى القضاءُ بقتلِهِ وبذبحِهِ=والظلمُ بالغَ في العداءِ وأَسْرَفا
وعلى رماحِ الغدرِ لوّحَ رأسُهُ=حمَلوا على رأسِ الأسِنَّةِ مُصْحَفَا
هو مُصحفُ الكرّارِ باقٍ ذكرُهُ=مهما يُقطَّعُ لنْ تَراهُ مُحرَّفا
فلنحنُ أنزلناهُ قالَ إلهُنا=والحافظونَ فإنّهُ لن يُخسَفا
في قصّةِ العبّاسِ كانَتْ عِبرةٌ=والماءُ عكّرَهُ الوفاءُ فمَا صَفَا
شهِدَ الوجودُ مَعَ الفناءِ بنُبْلِهِ=إنْ كانَ رأسُ البَدْرِ قُدَّ مِنَ القفا
فهْيَ التي قد راوَدَتْهُ وماؤُها=فاستعصمَ العبّاسُ، حينَ تعفَّفا
لمّا رأى نحرَ الكفيلِ بسيفِهِمْ=قَدْ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ، وحُزَّ لِيَنْزُفا
قالَ الزّمانُ فإنّهُ مِنْ كيدِهِمْ=ففؤادُهُمْ بالفضلِ هَمَّ وما اشتفى!
لم يقطعوا رأسًا وشبَّهْنا لَهُمْ=فالبدرُ حلّقَ للسماءِ ورَفرفا
لمّا رأى شمسَ الحسينِ تلألأَتْ=تركَ الفراتَ، ونورَ سيِّدِهِ اقتفى!!