إنْ شـئتَ فـهمَ الـموتِ قبلَ وقوعِهِ فاسألْهُ عَنْ عطشِ الحسينِ وجُوعِهِ
واسـألْـهُ فــي سـكـراتِهِ كــمْ
مـرّةٍ أجـــزاؤهُ ذُبِــحَـتْ لـقـتـلِ
جـمـيـعهِ
هـو مـرةً .. يـسقي الـظّما
بدموعِهِ ويــمـوتُ مـــرّاتٍ بــدمـعِ
رضـيـعهِ
فـقـسِ الـمـسافةَ بـيـنَ أوّلِ
دمـعةٍ سـقطَتْ هـناكَ وبينَ طحنِ
ضلوعِهِ
الـمـوتُ فـلـسفةُ الـحـياةِ،
وســرُّهُ أنَّ الـخـلـودَ يُـقِـيـمُ بــيـنَ
ربــوعِـهِ
ولِـذَاكَ ما وقعَ الحسينُ على
الثّرى إلا لـيـنـكـشفَ الــمــدى
بـوقـوعِـهِ
فـسـقوطُهُ فـي الـطفِّ كـانَ
مـثبِّتًا لــلـديـنِ كـــلَّ أصــولِـهِ
وفــروعِـهِ
كـمْ وردةٍ فـي الـطفِّ قـبلَ قطافِها ذبـلـت؟ وعـمـرٍ جـفَّ قـبلَ
ربـيعِهِ؟
لـو لـم يـكونُوا يـدركونَ حـقيقةَ
ال أحـيـاءِ مــا وثــقَ الـمُـنَى بـرجـوعِهِ
الـمـوتُ فـلـسفةُ الـحياةِ،
ومـجدُها مــتـوقِّـفٌ أبــــدًا عــلــى
تـوقـيـعِهِ
فالماءُ ماتَ على الطفوفِ ولم يزلْ رَغْــمَ الـوجـودِ يـضـجُّ مِـنْ
تـشييعِهِ
والـعـابرونَ إلــى الـحـسينِ
مـلامحٌ مــعـجـونـة بــبـقـائِـهِ
وســطـوعِـهِ
الـعـمرُ مِـنْ دونِ الـحسينِ
مـسافةٌ لا تــنــتـهـي إلا إلـــــى
تـضـيـيـعِـهِ
فـهـو الـذي فـهِمَ الـحياةَ ولـم يَـكُنْ لـــلأرضِ أنْ تـحـيـا بـغـيـرِ
نِـجِـيـعِهِ
لـم يـكترِثْ بـالوقتِ حـينَ تـجرَّأَ
ال سـهـمُ الـمـثلَّثُ لانـتـزاعِ
خـشوعِهِ!
لــم يـكـترِثْ رَغْــمَ الـجراحِ
وثـقلِها فـالبئرُ يـسقي الـصخرَ مِنْ
ينبوعِهِ!
هـل كـانَ يـدركُ أنَّ ذاكَ السّهمَ
لن يـرتاحَ فـي الأحـشاءِ دونَ
ركـوعِهِ؟
هــل كــانَ يُـدْرِكُ أنَّ مـنحرَ
طـفلِهِ لا يـــرتـــوي بــأنـيـنِـهِ
ودمـــوعِــهِ
لـــلــهِ هــــذا الــقـلـبُ أيُّ
أبــــوةٍ عـانَتْ ولـم تـنزَعْهُ عَـنْ
مـشروعِهِ!
يَــقَـعُ ابــنُـهُ بــيـنَ الـجـنودِ
أمـامَـهُ ويـرى الـسيوفَ تـزيدُ في
تقطيعِهِ!
ويـحـارُ.. كـيـفَ إلـى الـخيامِ
يـعيدُهُ قِـطَـعًا، ولا يـقـوى عـلـى
تـوديـعِهِ!
لـلـهِ هــذا الـصـبرُ كـيفَ
تـحاوشتْ هُ الـدّاجـياتُ ولــم تُـطِحْ
بـطلوعِهِ؟
كـيفَ استطاعَ الضوءُ أنْ يجِدَ
المُنَى لـــولا الـحـسـينُ أحـاطَـهُ
بـبـديعِه؟
فـالـحزنُ حـتّى الـحزنُ كـانَ
مـتيَّمًا بـاسمِ الـحسينِ، يـنامُ بـينَ
شموعِهِ