الحسينُ صواعُ الخلدِ
سنة 2014
إنْ شئتَ فهمَ الموتِ قبلَ وقوعِهِ=فاسألْهُ عَنْ عطشِ الحسينِ وجُوعِهِ
واسألْهُ في سكراتِهِ كمْ مرّةٍ=أجزاؤهُ ذُبِحَتْ لقتلِ جميعهِ
هو مرةً .. يسقي الظّما بدموعِهِ=ويموتُ مرّاتٍ بدمعِ رضيعهِ
فقسِ المسافةَ بينَ أوّلِ دمعةٍ=سقطَتْ هناكَ وبينَ طحنِ ضلوعِهِ
الموتُ فلسفةُ الحياةِ، وسرُّهُ=أنَّ الخلودَ يُقِيمُ بينَ ربوعِهِ
ولِذَاكَ ما وقعَ الحسينُ على الثّرى=إلا لينكشفَ المدى بوقوعِهِ
فسقوطُهُ في الطفِّ كانَ مثبِّتًا=للدينِ كلَّ أصولِهِ وفروعِهِ
كمْ وردةٍ في الطفِّ قبلَ قطافِها=ذبلت؟ وعمرٍ جفَّ قبلَ ربيعِهِ؟
لو لم يكونُوا يدركونَ حقيقةَ ال=أحياءِ ما وثقَ المُنَى برجوعِهِ
الموتُ فلسفةُ الحياةِ، ومجدُها=متوقِّفٌ أبدًا على توقيعِهِ
فالماءُ ماتَ على الطفوفِ ولم يزلْ=رَغْمَ الوجودِ يضجُّ مِنْ تشييعِهِ
والعابرونَ إلى الحسينِ ملامحٌ=معجونة ببقائِهِ وسطوعِهِ
العمرُ مِنْ دونِ الحسينِ مسافةٌ=لا تنتهي إلا إلى تضييعِهِ
فهو الذي فهِمَ الحياةَ ولم يَكُنْ=للأرضِ أنْ تحيا بغيرِ نِجِيعِهِ
لم يكترِثْ بالوقتِ حينَ تجرَّأَ ال=سهمُ المثلَّثُ لانتزاعِ خشوعِهِ!
لم يكترِثْ رَغْمَ الجراحِ وثقلِها=فالبئرُ يسقي الصخرَ مِنْ ينبوعِهِ!
هل كانَ يدركُ أنَّ ذاكَ السّهمَ لن=يرتاحَ في الأحشاءِ دونَ ركوعِهِ؟
هل كانَ يُدْرِكُ أنَّ منحرَ طفلِهِ=لا يرتوي بأنينِهِ ودموعِهِ
للهِ هذا القلبُ أيُّ أبوةٍ=عانَتْ ولم تنزَعْهُ عَنْ مشروعِهِ!
يَقَعُ ابنُهُ بينَ الجنودِ أمامَهُ=ويرى السيوفَ تزيدُ في تقطيعِهِ!
ويحارُ.. كيفَ إلى الخيامِ يعيدُهُ=قِطَعًا، ولا يقوى على توديعِهِ!
للهِ هذا الصبرُ كيفَ تحاوشتْ=هُ الدّاجياتُ ولم تُطِحْ بطلوعِهِ؟
كيفَ استطاعَ الضوءُ أنْ يجِدَ المُنَى=لولا الحسينُ أحاطَهُ ببديعِه؟
فالحزنُ حتّى الحزنُ كانَ متيَّمًا=باسمِ الحسينِ، ينامُ بينَ شموعِهِ