قــالـتْ: أراكَ عـابـسـاً فـــي حـيْـرةٍ لــمْ
تُـعـهدِ أجـبـتُـها: بـــلْ تــائـهٌ ظــمـآنُ والـقـلـبُ
صَــدي
قــالــتْ: فــكـلُّ ظــمـأٍ يُـــروى بــكـأسٍ
بـــاردٍ فــقـلـتُ: لــكــنْ ظــمـئـي لــكـربـلاءَ
مـــورِدي
قـالـتْ: فـهـلْ تـشـتاقُها تـشـتاقُ مـدفـوناً
بـهـا؟ قــلـتُ: اشـتـيـاقَ والـــهٍ لـلـثـمِ تُـــربِ
الـمـرقَدِ
أبــغـي الــعـروجَ نـحـوَهـا أنـشُـقُ مِــن
عـبـيرِها أبــغــي رِثـــاءَ شـافِـعـي ومُـنـقِـذي
وسُـــؤددي
قــالــتْ: فــنِـعْـمَ مـقـصَـداً وصـــالُ آلِ
أحــمـدٍ قـلـتُ: بـلـى بـقـربِهِم أرجــو الـنـجاةَ فـي
غَـدي
قــالــتْ: إذاً فـلـنَـرتَـحِلْ أريــــكَ أرضَ
نــيـنـوى تــرى بــأُمِّ الـعـينِ فـيـها، قـلـتُ: ذاكَ
مَـقـصدي
عَـجـبـتُ مِـــن دعـوتِـهـا نَــظـرتُ فـــي
هـيـئتِها سـألـتُـه:ا مَــنْ أنــتِ حـتّـى قــد أثــرتِ
كَـمَـدي
قــالــتْ: أنـــا مـسـبـيةٌ شــهـدتُ يـــومَ
كــربَـلا يـــومَ الــرَّزايـا والــبَـلا شــهـدتُ ذَبـــحَ
سـيِّـدي
قــلـتُ: لــهـا –بـعـبـرةٍ مـخـنـوقةٍ أخــتَ
الـسِـبا نــارُ الـجـوى تـوقَّـدتْ هـلُمّي فـامضي
واسْـرُدي
مــــا إنْ وَصـلـنـا كَــربـلا نَــرفِـلُ فـــي أدمُـعِـنـا فـــي الأُفْــقِ لاحَــتْ قُـبَّـةٌ تَـوشَّـحَتْ
بـالـعسجَدِ
قــلـتُ: هُــنـا مَــصـارِعٌ مَـصـائِـبٌ حَـــرقُ
خِــيـا مٍ نِــســوَةٌ مَـثـكـولَـةٌ مِــــنْ بــيــتِ آلِ
أحــمــدِ
قـالـتْ: فَـلـو تَـراهُـمُ فــي لـيـلِ عـاشـورا
بَـدَوا كــأنـجُـمٍ تَـحَـلَّـقَـتْ مِـــنْ حَـــولِ بـــدرٍ
أوحـــدِ
قُـلتُ: صِـفي لـي عِـشقَهُم، قـالتْ: أنـا
سمَعتُهم دَويُّـــهُــمْ دَوِيُّ نَـــحــلٍ فَــــوقَ زَهــــرٍ
مُــــورِدِ
مُـسـلـمُ فـيـهم، جــونُ، والـحـرُّ كــذا،
يَـقـدِمُهُم شــيـخُ الــوَقـارِ والـبَـها أعـنِـي حـبـيبَ
الأســدِي
قُــلـتُ: ومــا دَويُّـهـم؟ خــوفٌ أصــابَ
قـلـبَهم؟ قـالـتْ: وهــل يَـعرِفُ خـوفاً قَـلبُ شـهمٍ
أصـيدِ؟
بَــل صــارَ تُــربُ كَـربـلا الـعِـشقِ لَـهُم
كَـمسجدٍ قــلـتُ: إذاً فَـلـيـلُهم قَـــدْ كـــانَ لــيـلَ
الـهُـجَّـدِ
قــالـتْ بــلـى وَصـوتُـهـم قـــد اعـتـلـى
مُـزلـزِلاً قُــــرِّي عُــيـونـاً زَيــنَــبٌ إنَّــــا فِــــدا
الــمُـهـدَّدِ
لـــو نُـقـتـلُ الــيـومَ ونُـــذرى هــكـذا فِـعْـلٌ
بِـنـا سـبـعونَ كـانَ الـموتُ أحـلى مِـن مـذاقِ
الـشَّهَدِ
قــلـتُ: وأيــنَ الـهـاشمُيّونَ صِـفـي مــا
صَـنـعوا قـالـتْ: سـيـوفَ الـحـقِّ كـانـوا وضـيـاءَ
الـفـرقَدِ
يَـحـمـونَ خـيـمـاتِ الـنِّـسـا وخــدرَ بـنـتِ
حـيـدرٍ الـثـغـرُ مِـنـهُـم بــاسِـمٌ والــنُّـورُ ســاطِـعٌ
بَــدِي
أنــصـارُ مـــولايَ كـــذا عَـهـدتُـهم أســـدُ
الــفَـلا مـــا مِـثـلُـهم كـــانَ، وكـــلا مُـثـلـهم لــم
أعـهَـدِ
ولـــو تــراهُـم ظُـهـرَ عـاشـوراءَ والـحـبُّ
سَـمَـا تَـــرى لُـيـوثـاً بَـــرَزَتْ تَــرجـو الـخـلـودَ
الأبَــدي
قُـلتُ: أهـجتِ الـحُزنَ يـا بِنتَ الهُدى قَلبي
اكتوى دَمــعـي جَــرى هـيَّـا اشـرحِـي وفَـصِّـلي
وَزوِّدِي
قـالـتْ: تـهـاوى الـصـحبُ مَـهـوى أنـجُم
قُـدسيةٍ عــابـسُ وابــنُ الـقـينِ غـابـا فــي نـهـارٍ
أســودِ
صَــلَّـوا صَـــلاةَ الـعِـشقِ فــي كَـعـبتِهِ
وأحـرَمُـوا فـعـانَقوا الـمـوتَ ولــم يُـعـطوا الـمـقادَ عَـنْ يَـدِ
لــــم يــبــقَ غَــيـرُ الآلِ فِـيـهِـم أكــبـرٌ
مُـشـمِّـرٌ خــاضَ غِـمـارَ الـحـربِ أُحـصـيكُم أنــا
بـمِـفرَدي
عــــادَ ونــيــرانُ الــظَّـمـى تَــوقَّــدَتْ
بِــجـوفِـهِ شَـــربـــةُ مــــــاءٍ أبَـــتـــي أردُّ ظــالِــمــا
رَدِي
قُــلـتُ: أ عـــادَ ظـافـراً؟ قـالـتْ: بـلـى
مُـبـتسِمٌ والـــوجــهُ مِــنــهُ زاهــــرٌ كـصـفـحـةِ
الــزُّمــرُّدِ
ثـــمَّ هَــوى مُـضـرَّجاً يُـبـحِرُ فــي فَـيـضِ
الـدِّمـا آهٍ عـلـى الـدُنـيا الـعَـفى يــا نَـجمَ لـيلي
الأسـعَدِ
كـــــلُّ الــخــيـامِ كُــلُّــهـا تُــجــهِّـزُ الأمُّ
ابــنَـهـا رَمــلـةُ والـشـبـلُ ابـنُـها قـاسِـمُ كـانَـا
مَـقـصَدِي
قـلـتُ: شـبـيهُ الـمُـصطفى عـلامـةٌ مِــن حَـسَـنٍ قـالـتْ: أجــل كــانَ كـمـا الأكـفـانِ ثـوباً
يَـرتَدِي
مــــولايَ هــــذي عُـــوذةٌ تُـرخِـصُـني
لِـنـصـرِكُم كــبَّـرَ فـــي الـمـيدانِ يُــردِي كُــلَّ طــاغٍ
نَـمـرَدِ
قـلـتُ: وذاكَ الـنـورُ جَـنـبَ الـعَلقَمي مـا
سِـرُّهُ؟ قــالـتْ: عَـظـيـمٌ سِـــرُّهُ والـسِّـرُ فــي
الـتَّـجَدُّدِ
فَـكـلـما تَــغـرُبُ شَـمـسُ الـكـونِ فــي
مَـغـرِبِها يَــبـزُغُ بـــدرٌ كــامِـلٌ مِـــنْ خَـلـفِ ذاكَ
الـمـرقَدِ
قــلــتُ: عـظـيـمٌ شــأنُـهُ؟ قــالـتْ: وذو
مـهـابَـةٍ وطـبـعـهُ كــمـا اســمـهُ عــبـاسُ شِــبـهُ
الأسَــدِ
قـــلــتُ: إذاً فــقــائِـدٌ تــهــابُـهُ كُـــــلُّ
الـــعِــدا قــالـتْ: وسـيـفٌ قـاطِـعٌ مـمُـتَشَقٌ مِــن
مِـغـمَدِ
كــفَّـاهُ غــدراً قُـطِّـعَتْ، لــهُ دُمـوعِـي
انـحـدَرَتْ ســهـمٌ أصـــابَ عـيـنَهُ، والـهـامُ مَـهـوى
الـعَـمَدِ
نـــادَى: سَـلامـاً يــا أخــي مِــن خـافـقٍ
مُـفَـطَّرٍ مِن محجرِي، مِن مَنحرِي، مِن مُهجَتي، مِن كَبِدِي
فــجـاءَ سِــبـطُ الـمُـصـطفى وضَــمَّـه
لــصـدرِهِ كــأنَّـهُ الأفْـــقُ احــتَـوى بَـــدراً حـديـثَ
الـمـولِدِ
أخــــرجَ سَــهــمَ عَــيـنِـهِ قَــبَّــلَ جُـــرحَ
هــامِـهِ صــاحَ حُـسـينٌ: يــا أخِــي ظَـهرِي ويـا
مُـعتَمَدِي
قـلتُ: أهـجتِ الـحُزنَ يـا بِنتَ الهُدى قلبي
اكتَوى دَمــعِـي جَــرى هـيَّـا اشـرَحِـي وفَـصِّـلِي
وزوِّدِي
قـالتْ: فَـنادَى الـسِّبطُ هـلْ مِـن نـاصرٍ يَنصرُني؟ لـبَّـى الـنِّـدا فـي الـرَّحْمِ مَـن لـبَّى وَحَـقِّ
الـصَّمَدِ
حــتــى كــــأنَّ صَــحـبـهُ أجــسـادُهُـم
تَـحـرَّكَـتْ "لـبـيكَ" صــاحَ نَـحـرُهُم: "لـبـيكَ سِـبـطَ
أحَـمدِ"
فــقــدَّمَـتْ جــــوادَه بــنــتُ الــهُــدى
قــائـلـةً: تُـــرى أ أخــتٌ يــا أخِــي بِــذاتِ قَـلْـبٍ
جَـلـمَدِ؟
قــالَ: وهَـل مِـثلي وصَـحبي صُـرَّعٌ فَـوقَ
الـثَّرى أخـــتُ اصــبِـري واصـطَـبِـري تَـجـمَّـلي تَـجـلَّدِي
قـلتُ: أهـجتِ الـحُزنَ يـا بِنتَ الهُدى قَلبي
اكتَوى دَمــعِـي جَــرى هـيَّـا اشـرَحـي وفـصِّـلِي
وَزَوِّدِي
قـالتْ فَـخاضَ الـسِّبطُ فـي وسـطِ العِدا
مُجلجِلاً أنــا ابــنُ داحـي الـبابِ وابـنُ الـمُصطفى
مُـحَمَّدِ
حــتـى أتــاهُ الـسـهمُ فــي لُـبَّـتِهِ سَـهـمُ
الــرَّدى هَــــوى صــريـعـاً فَــهَـوى عَــلـيُّ زيـــنُ
الـعُـبَّـدِ
تـهـافَـتَـتْ زيــنــبُ والأطــفـالُ لـيـلـى
والـنِّـسـا رأيــنَ شِـمـراً فَــوقَ صَــدرِ ابــنِ الـهُدى
الـمُؤيَّدِ
رأيــــنَ عــشــراً أعــوجـيـاتٍ تـــدوسُ
صـــدرَهُ ورأسُــــهُ فـــي ذابـــلٍ يُـخـجِـلُ نُـــورَ
الـفـرقَـدِ