بِعَيْنَيكَ سَماءٌ ثامِنة
سنة 2010
بِعَينَيكَ أَمْ في أَعْيُنِ اللَّحظةِ التَّعْبَى = تُصَلِّي دُموعُ اللَّيلِ نافِلَةَ القُربَى
وَيَستَيقِظُ الفَجرُ النَّدِيُّ مُعانِقاً = أَزاهيرَ أجسادٍ تَوَسَّدَتْ التُّرْبا
تُعَلِّقُ نَهراً في سَماواتِكَ التي = ضَمَمْتَ بِها الأحبابَ والأَهْلَ والصَّحْبا
تُرَتِّبُ مِن نَزْفِ الجِراحِ مَدِينةً = جَدائِلُها النُّورُ الذي زَخرَفَ الدَّربا
وتَمسَحُ أَجفانَ النُّجُومِ التي هَوَتْ = تَضُمُّ بُدُوراً أصبَحَت لِلقَنا نَهْبا
عَلَى شَفَتَيكَ الحُلْمُ كَوَّرَ قُبلَةً = تَصُبُّ اعتِذارَ الماءِ مِن عَيْنِها صَبَّا
تَجِيءُ لَكَ الأنهارُ مِن خَلْفِ شَوْقِها = وَماءُ الهَوَى المَمزوجُ بِالجَمرِ قَدْ شَبَّا
يُشاطِرُ نَبْضَاتِ القلُوبِ غَرَامَها = ويَجذِبُها نَحوَ اشتِعالاتِهِ جَذْبَا
فَسُبحانَ مَوْجَ العِشقِ في كُلِّ بُقْعَةٍ = حَناجِرُها صَوْتُ الإباءِ الذي لَبَّى
وألبَسَ رَمْلَ الكَونِ أبهَى عَباءَةٍ = فكانَ لأَغصانِ الفِدا مَرْتَعاً خِصْبَا
فيا مَن جِهاتُ الحُبِّ طائِعَةً أَتَتْ = إلَيكَ بِنَبْضٍ لَحنُهُ يَنضَحُ القَلبَا
تُطِلُّ بِضَوْءِ الحَقِّ إذ تَرْفَعُ السَّما = فَتَسْتَنهِضُ الأفلاكُ مِن ضَوْئِكَ الشُّهْبَا
تَفتَّحَت الأكمامُ في كُلِّ خُطوَةٍ = تُمَرِّرُها لِلغَيْمِ كَي تَمسَحَ الجَدْبا
فَتَخشَعُ أبصارُ النَّخيلِ وَتَنحني = وُرُودُ ارتِعاشٍ أحمَرٍ يَفْتِنُ العُشبَا
هُنا خُطُوَاتُ الأنبياءِ تَقاطَرَت = وَرَاحَتْ مَعَ العُشَّاقِ تَستَقرِئُ الغَيْبا
وفي لَحظةٍ رَفَّتْ عَصافيرُ دَمْعَةٍ = علَى وَجْنَةِ الطِّفلِ الذي أُودِعَ الجُبَّا
ولَمْ يَبتَلِعهُ الذِّئبُ لَكنَّ أنفُساً = إذا سَوَّلَتْ أَوهامَها استَعمَلَتْ ذِئبا
هُنا رافَقَ الشَّيخَ الكَظيمَ بُكاؤُهُ = وَمِنديلُهِ المَبلولُ قَد صادَقَ الهُدْبا
هُنا قَلبُ أمٍّ يجرَحُ الهَمُّ رُوحَها = إِلى نَخلَةٍ آوَتْ وَهَزَّت بِها سَغْبَى
ولَمَّا عَراها الخَوفُ بَعدَ مَخاضِها = لها أَطلقَ الرَّحمنُ مِنْ أَمنِهِ سِرْبَا
وأيُّوبُ حينَ استَعتَبَ الدَّهرُ قَلبَهُ = لَهُ مِن دُمُوعِ الصَّبرِ قَد أهرَقَ العُتبَى
وآدَمُ لَمَّا استَحْضَرَ الطَّفَّ نادِباً = تَهاطَلَتِ الدُّنيا تُشاطِرُهُ النَّدْبا
مَشاهِدُ بَوحِ الدَّمْعِ لمَّا تَناسَلَتْ = سَكَبْتَ علَى أوتارِها الشَّرْقَ والغَربَا
مَرافِئَ للألحانِ كانَتْ ولَمْ تَزَلْ = تُخَبِّئُ في أَعماقِها الأُفُقَ الرَّحبا
عَلَى كَتِفَيَّ الصُّبحُ يُجْهِشُ باكِياً = وَيتلُو مِنَ الأشعارِ ما يُشبِهُ الحُبَّا
تنَفَّسَنِي مِن كربلاءَ هَوَاؤُها = وعِطرُ أحاديثِ النَّدَى في دَمِي انصَبَّا
ومِن صُورَةِ العَبَّاسِ كَوَّنتُ لَوْحَتي = وَإيثارُهُ المَعهودُ كانَ لَها رَبَّا
كَأَنَّ خَيالَ النَّهرِ تَحتَ رُمُوشِها = يَسُحُّ دُمُوعاً تُترِعُ المَوقِفَ الصَّعبَا
حَمائِمُ يَومِ الطَّفِّ حَطَّتْ بِشُرفَتِي = فَأَلقَيْتُ مِن قَلبي لها المَاءَ والحَبَّا
أنَا يا أَبِيَّ الضَّيْمِ زَوْرَقُ قِصَّةٍ = بِها سافَرَتْ كُلُّ النُّفوسِ التي تَأْبَى
حياةً عَلَى أضلاعِها الظُّلْمُ رَابِضٌ = فَتَبَّ اغتِرابُ الرُّوحِ في عَيْشِها تَبَّا
مَعي في ظلامِ اللَّيلِ مِشكاةُ زَينبٍ = وألفُ نَبِيٍّ وَحْيُهُ ثَورَةٌ غَضْبَى
أَلَيسَتْ دِماءُ الطَّفِّ نَبْضَ مَحابِري = وإيقاعَ قَلبٍ هائِمٍ يُدْمِنُ القُرْبَا
بَلَى إنَّ نَزْفَ الجُرحِ أَبلَغُ سُورةٍ = إِذا ضاقَ صَدْرُ الشِّعرِ خَفَّفَتِ الكَرْبَا
تَفيضُ خَيالاً يَمنَحُ الرُّوحَ دِفْأَها = ويَغرِسُ في أنحاءِ أَوجَاعِها الطِّبَّا
بِأورِدَتي يَنْمُو الحَنِينُ شَوَاطئاً = وَأمواجُها عَن تُربَتي تَغسِلُ الذَّنبَا
وَفِي سَلَّتي عُمْرٌ نَذَرتُ فُصُولَه = لِمِيقاتِ يَومٍ دامِعٍ يَأسِرُ اللُّبا
فَكَم "عاشِرٍ" في الصَّدرِ أَرْخَى جَناحَهُ = وَلامَسَ فِي نَبْضِ الجَوَى صَوتَكَ العَذبَا
وَكم عَبرَةٍ أَجرَت شَآبِيبَ لَهْفَةٍ = إلَى جَنَّةٍ مِنْ مَائِها القَلْبُ قَدْ عَبَّا
مَنَحْتَ إلَى الجَنَّاتِ زَخَّاتِ شَهْدِها = نَسَجْتَ لَهَا بِالضَّوءِ مِنْ كَربَلا ثَوْبَا
ومَبدَؤُكَ الحُرُّ الذي اخْضَرَّ عُودُهُ = مَتَى دَارَتِ الأمجادُ كَانَ لَهَا قُطْبَا
بَعَثتَ إِلَى الأحرارِ في كُلِّ مَكْمَنٍ = سَلامَ نَسِيمٍ مِن ثُرَيَّاكَ قَدْ هَبَّا
شَمَمْتُكَ إِحساساً بِأعماقِهَا نَمَا = وَأنضَجَ في غَيْماتِ مَوَّالِها صَوْبا
أرَى كُلَّ يَومٍ فِيكَ مَعنىً يَشُدُّني = ويَسقِي عُرُوقَ الرُّوحِ مِن كَأْسِهِ نَخْبَا
وَلِي فِيكَ أنْ أَحْيَى خُلُوداً مُعَتَّقاً = وَنَفْحَ عَبِيرٍ خالَطَ الهائِمَ الصَّبَّا
وأزمِنَةً لِلآنَ ما شَاخَ عُودُها = ولَم يَشتَعِلْ رَأسُ اختِلاجاتِها شَيْبَا
لَها نَسمةٌ خَجْلَى تُعاقِرُ لَحْنَها = وتَبْنِي بِهِ أعْشَاشَ تَرنِيمَةٍ تَصْبا
نَفَخْتَ بِصَلْصَالِ القَصيدَةِ رُوحَها = وَنُطْفَةُ ضَوْءِ الشِّعرِ أسكَنْتَها الصُّلْبَا
مُحَيَّاكَ يَتلُو النَّورَ والدَّمعُ هاطِلٌ = كَأنِّي بِهِ عَن حالِ مَن سافَرُوا نَبَّا
يَتَامَاكَ يَنْدَاحُ الحَنينُ بِظِلِّها = ويَغرَقُ في أنفاسِها حِينَما تُسبَى
تُخَبِّئُ في أَحْدَاقِها حُمْرَةَ السَّما = تُلَوِّحُ للرَّكْبِ الذي فارَقَ الرَّكبَا
وَأيُّ اشتِهاءاتِ البُكاءِ بَدَتْ لَها = حَنانَ ضَميرٍ مُرهَفٍ طالَما رَبَّى
صِغارَ دُمُوعٍ أرضَعَتْها عُيُونُها = علَى أنجُمٍ قُربَ الفُراتِ قَضَت نَحْبَا
فيا هَل أتَى حِينٌ من الحُزْنِ لَم يَكُنْ = بِهِ يَنصِبُ البَدرُ العَزاءَ لَهُم نَصْبَا
ويَستَلُّ مِن شَجْوِ المَسَاءَاتِ صَوتَهُ = كَما يَنتَضِي مِنْ ضَوْئِهِ سَيفَهُ العَضْبَا
عَلَى وَتَرِ الأشجانِ يَسْحَبُ قَوْسَهُ = ويَزرَعُ في ألحانِهِ غُصنَهُا الرَّطْبَا
بِصُحْبَتِهِ تَهمِي الكَواكِبُ حَسرَةً = وَتَنزِفُ مِثلَ الجَمرِ لَوْ جَمْرُهُ أَكبَى
ألا يَا نَبِياً فَسَّرَ الحُلْمَ جُرْحُهُ = ونَبَّأَ رَبَّ الدَّارِ مَاذا بِها خَبَّا
ويا حامِلاً ذِكرَى قَمِيصٍ مُخَضَّبٍ = تَرَى الحُقْبَ في مِعراجِها يَتْبَعُ الحُقْبَا
دِماؤُكَ مُذْ سَالَت تَضَوَّعَ مِسْكُها = بِحُرِيَّةٍ قَدْ أَعلَنَتْ نَفسَهَا حِزْبَا
بِسَحْنَتِها قَدْ أذَّنَ العَدْلُ مُشْرِقاً = وَذابَ بِها الأحرارُ يَا سَيِّدي ذَوْبَا
أتَظْمَأُ والإحْسَاسُ يَنْثَالُ طامِياً = ومِنْهُ الضَّمِيرُ الظَّامِئُ اسْتَعَذَبَ الشُّرْبَا
مُحَمَّلَةً بِالحُبِّ رُوحُكَ أَحْرَمَتْ = ونَحْوَ ضِياءِ اللهِ قَدْ هَرْوَلَتْ وَثْبَا
أَجِيئُك والبُلدانُ تَسْرِي بِمَوْجَتي = ونارِي حَنِينٌ في دَمِ الكَوْنِ قَدْ دَبَّا
سَلامي كَما الأمطارِ يَعبُرُ ساقِياً = يُهَيَّئُ للرَّيْحَانِ في حَقْلِهِ الصَّهْبَا
وَأُمِّي سَماءٌ أَثخَنَتْهَا دُمُوعُها = ومَا نَكَبَتْ عَن دَرْبِها مَرَّةً نَكْبَا
تَدَفَّقْتُ بَحْراً والفِداءُ سَوَاحِلِي = فَيا لَيْتَني قُطِّعْتُ دُونَكُمُ إِرْبَا
رَبَوْتُ وحَاءُ الحُبِّ تَلْتَفُّ في دَمِي = وَما زِلْتُ في أَحضَانِ أحْلامِها أَرْبَى
وَثَارَ صَهِيلُ الحَرْفِ بَينَ أضَالِعي = إِلَى لُغَةٍ بالسَّوطِ قَد أُوْسِعَتْ ضَرْبَا
ومَدَّتْ لِيَ الصَّحراءُ كَفَّ وَلائِها = تُعَبِّئُ في صَيْحاتِها الرَّمْلَ والكُثْبَا
ومُذْ لامَسَتْ عَيْني دُمُوعَ سُكَيْنةٍ = عَليها بُكاءُ الَّلْيلِ بالحَسْرَةِ انكَبَّا
تَيَقَّنْتُ أَنَّ الحُزْنَ يَفتَحُ بابَهُ = لِقَلبٍ جَرِيحٍ بَعْدُ لَمْ يَرتُقِ الثُّقبَا
وَيَترُكُ مِلحَ الدَّمعِ في قاعِهِ الذي = بِهِ لَملَمَ الأشلاءَ والنَّوْحَ والسَّكْبَا
أعَدَّتْ لِيَ الأطوادُ مُتَّكأً هُنا = فَذَوَّبْتُ مِلْءَ الدَّمعِ جُلمودَها الصُّلبَا
دُمُوعِي غَفَتْ بَيْضَاءَ فَوْقَ دَفاتِرِي = تَماماً كَكَفِّي حِينَ أَسلِكُها الجَيْبا
إذا مَا أنَا استَنَسَبْتُ للشَّمسِ أَسطُرِي = رَجَعْتُ لِعَيْنٍ شَرَّفَتْ أدْمُعِي نَسْبَا
بِعَيْنَيْكَ طِفْلُ الغَيْثِ يَرقُدُ وادِعاً = وَيَمنَحُ مِنْ أحلامِهِ للإِبَا شَعبَا
ويَرْوِي إلَى الأَجيالِ عَنْكَ حِكايةً = مَصَابِيحُها تُزْجِي لِقَلبِ الفَضا السُّحْبَا
وإنْ حَلَّ خَطْبٌ أرَّقَ الزَّهْرَ وَقْعُهُ = مَنَحْتَ لهَا بِالحُبِّ ما يَكشِفُ الخَطْبَا
وفي زَمَنٍ تَعْوِي ذِئابُ حُرُوبِهِ = وَدَدْتَ بِحَقِّ النَّحرِ أَنْ تُطفِئَ الحَرْبَا
وَأَنْ تُورِدَ الإنسانَ عَذْبَ أَمانِهِ = وتَمنَعَ عَنْ شُطآنِهِ الخَوفَ والرُّعبَا
بَعَيْنَيْكَ يَرْقَى يا حُسَينُ يَقينُنَا = سَماءً بِحُزْنٍ ثامِنٍ تَشرَبُ الحُجْبَا
وتَصنَعُ فُلْكَاً طَرَّزَتها قُلُوبُنا = وتُبحِرُ بِاسمِ اللهِ شَوْقاً إِلَى العُقْبَى