نارٌ على بابِ البتولِ ضِرامُها
مرتضى الشراري العاملي
نارٌ على بابِ البتولِ ضِرامُها=هي ذاتُها في كربلا تتضرّمُ
حطبُ السقيفةِ ذاتُه قد شبَّ في=يوم الطفوفِ، ولم يزلْ يتعاظمُ
وكأنما الأيدي هي الأيدي ومَن=قدحَ اللظى إذّاكَ عاد يتمِّمُ
بعدَ السقيفةِ لم يعدْ لنفاقِهم=سقفٌ، ولا للسُمِّ منهم موسمُ
قد هوّدوا دينَ الإلهِ، ونصّروا=ثُمْ إنهم قاسُوا الإلهَ وجسّموا
أمسَوا كأحبارِ اليهودِ، فحلّلوا=بعضَ الحرامِ، وبعضَ حلٍّ حرّموا
وعَدَوْا على دارِ البتولِ بنارِهم=والنارُ تعجبُ، والضحى يتألّمُ!
عصروا الطهارةَ خلفَ بابِ عفافِها=فتهشّمَ الضلعُ الرؤوفُ الأقومُ
والضلعُ مكسورٌ لفقْدِ المصطفى=ويعودُ يكسرُه الحقودُ المجرمُ !
والمصطفى للتوِّ غابَ وإنّه=ما زال طيبُه في الدروبِ يحوِّمُ
وجنينُ طهرٍ أسقطوهُ، لأنهم=هم ساقطونَ وقاسطونَ وظُلَّمُ
والمرتضى ليثُ الوغى لكنّه=بالصبرِ يُؤمَرُ فالنوايا تُعلَمُ
قادوه قسرًا، والبتولُ تزلزلتْ=تَبِعتْ وإذ وجهٌ لفاطمَ يُلطمُ !!
والسوطُ يهوي فوقَها مِن قنفذٍ=وبمقبضٍ للسيفِ يضربُ ظالمُ !
سُرعانَ ما لحقتْ أباها فاطمٌ=مظلومةٌ للمصطفى تتظلّمُ
إذّاكَ كان السبطُ سيدُ كربلا=وأخوه والحوراءُ لم يتيتّموا
لاذوا بأمّهمُ، كذا بأبيهمُ=والنارُ حقدٌ باللظى يتكلّمُ
نارٌ تغذّى بالضغائنِ، بيتُها=بين الضلوعِ ولم تكنْ تتكتّمُ
حمراءُ تفترسُ العدالةَ والهدى=بيضاءُ صاحبُها يحجُّ ويُحرِمُ !
مرَّ الزمانُ، و طال سوطُ المعتدي=ولظاهُ صارتْ في الرعاعِ تُكرَّمُ !
تَخِذوه ربًّا بالهوى، ما صرَّحوا=لكنْ لسانُ الحالِ عنهم يُعلِمُ
مُذّاكَ دينٌ غيرُ دينِ المصطفى=قد شاعَ، والدينُ القويمُ يُقاوَمُ
جملٌ تمرّدَ والضلالةُ حولَه=تحميه والجهلُ العتيقُ يخيِّمُ
واصطفَّ في صفينَ جُلُّ رِعاعِهم=في صفِّ مَن فيه الرجالُ تخاصَموا
وعلى شطوطِ النهروانِ تكدّستْ=جثثُ الضلالةِ مع جباهٍ تُوسَمُ !
وأتى بسيفٍ ناقعٍ للمُرتضى=نغلٌ ولم يلجُمْ ضلالَه مُلجِمُ
أهوى على رأسِ الصلاةِ وقد جرى=منها وضوءًا ثانيا ذاكَ الدمُ
والسمُّ يشغَفُ بالهُداةِ وإنما=هو من تمامِ سمُّوهِم أنْ سُمِّموا
يسري بداخِلهم فيخجلُ إذْ يرى=محضَ الطهارةِ من ردًى لا يَسْلمُ
والمجتبى اجتمعت عليه سمومُهم=وسهامُهم في نعشِه تتزاحمُ
قد نالَه ما نالَ قبلًا جدَّهُ=فسَلُوا اللدودَ فربما يتكلّمُ
أما الحسينُ، فلا كيومِه في الدُّنا=يومٌ، ولا كحديثِه نطقَ الفمُ
عجِزَ البيانُ عن المصابِ يقولُه=فالثغرُ يحكي والدموعُ تُتَمِّمُ
وانظرْ جفونَ بني الرسولِ تقرّحتْ=نضُبتْ مدامعُها فسالَ بها الدمُ
إذّاكَ تعرفُ كربلاءَ وهولَها=إذّاكَ تعرفُ ما طواهُ محرَّمُ
وامتدَّ ظلمُ الظالمينَ ولم يزلْ=بدُجى الضلالةِ في الورى يتضخَّمُ
يقتاتُ من جهلٍ أصمَّ وغفلةٍ=ولربما هو ناسكٌ ومُعمَّمُ !!
سيظلُّ هذا الظلمُ ينفُثُ سُمَّه=في الخافقينِ، وحرفُهُ مُتورِّمُ
حتى الظهورِ لغائبٍ هو حاضرٌ=في كلِّ ثانيةٍ يئِنُّ ويألَمُ
نشتاقُه جيلًا فجيلًا كاللظى=هرِمَ الزمانُ وشوقُنا لا يهرَمُ
سيُشِعُّ حتمًا، لا مِراءَ بضوئِهِ=هو كالقيامةِ والحسابِ مُحتَّمُ
ويدكُّ صرْحَ الظلمِ لن يبقى له=ركنٌ ولا يبقى لكُفرٍ مَعْلمُ
إذّاكَ تغدو الأرضُ جنّةَ راغدٍ=بالعدلِ، يحكمُها الصراطُ الأقومُ