ذبحوك فانتحبت عليك سيوفهم (كربلائية 1434 ه)
مرتضى الشراري العاملي
قلماً رأيتُكَ يا هلالَ محرَّمِ=قلماً يسجّلُ حزنَ كلِّ الأنجُمِ
ويلوّنُ السُحبَ العظيمةَ بالأسى = ليكونَ كلُّ الغيثِ دمعَ تألُّمِ
ولطالما سجّلتَ دمعةَ ذارفٍ = ولطالما دوّنتَ لطمةَ لاطِمِ
ولطالما لما ظهرتَ لأعينٍ = سكبتْ ذخيرةَ دمعِها المتزاحِمِ
فنقشتَ دمعاً في عيوني واعياً = وأذبتَ تاريخَ الفجيعةِ في دمي
أجّجتَ ناراً في الضلوعِ ولم تكن = خمدتْ، وخلّدتَ الأنينَ على فمي
وشرعتَ ترقمُ كلَّ جفنٍ ساكبٍ = ورقمتَ أُخرى حينَ إذْ لمْ تَرقُمِ
سألوا الدموعَ: متى النفادُ؟ فأومأتْ = نحو البحارِ، وبعدُ لم تتكلّمِ
أحرى بأعينِنا الحياءُ، فقد هَمَتْ = دمعاً لمنْ أحيا الشريعةَ بالدمِ
الروحُ لو فاضتْ بفيضِ دموعِنا = يبقى قليلاً في المُصابِ الأعظمِ
يا كربلاءُ، بكِ الرسولُ تنزّلتْ = "اقرأْ" عليهِ مجدّداً، فلْتعلمي
في الغارِ أنزلها الملاكُ، وإنّها = نزلتْ دماءً وسْطَ غارِ مُحرَّمِ
"مِنّي حسينٌ" قالها خيرُ الورى = وكذا "أنا منه" بقولٍ مُحكَمِ
لولا الحسينُ لما استمرَّ على فمٍ = ذكرٌ لأحمدَ، أو غدا من مسلِمِ
لا بل لما ذُكرَ الإلهُ موحَّداً = إلّا بشركٍ أو كلامِ مجسِّمِ
نظرتْ جراحُ العالمينَ وإذْ رأتْ = جُرْحَ الطفوفِ تقلّصتْ بتقزُّمِ
هي دوحةٌ وَحْيُ السماءِ جذورُها = وبها الغصونُ معلَّمٌ لمعلِّمِ
ذريّةٌ ورثتْ هدىً هي نبعُه = وهي التي اجتمعتْ بوسطِ مُخيَّمِ
بعدَ الذي زحفتْ وتعلمُ دربَها = ومصيرَها والناسُ لمّا تعلمِ
لتردَّ للأفِقِ المعتَّمِ شمسَه = وتعيدَ للمحرابِ دينَ الخاتَمِ
وتعيدَ روحاً للعدالةِ بعدما = قد أُعدِمتْ، واللاتُ لمّا تُعدَمِ
كي ينقذوا قلبَ الصلاةِ وسرَّها = وكذا الزكاةَ و روحَ صوْمِ الصائمِ
وإلى العقولِ لكي يردّوا رشدَها=وإلى القلوبِ الصخرِ بعضَ ترحُّمِ
جاؤوا لبعثِ الناسِ من ملحودةٍ = حُفِرتْ بفأسِ البطنِ مع فأسِ الفمِ
فتَحلَّلَ الإسلامُ من إِحرامِهِ = ومضى لينسجَ ثوبَ أقدسِ مُحرِمِ
زَحَفَ الحسينُ ولو أرادَ لسُيِّرتْ = كلُّ الجبالِ بركبِ هذا الهاشمي
أو لوْ أرادَ لأرعدتْ ولأزبدتْ = كلُّ الحياةِ لمحْقِ جيشِ المجرِمِ
لكنْ رأى أن الدماءَ ونحرَه = أجدى سلاحٍ للزمانِ القادمِ
وأرادَ يُبكينا فننجوَ بالبُكا = همْ رحمةٌ مُنِحتْ لنا مِن راحمِ
فلِذا سنبكي ثم نبكي ثمّ إنْ = نفِدتْ مدامعُنا سنبكي بالدمِ
للهِ كم عَطِشوا وكم قد جُوِّعوا = كيما نكونَ بجَنّةٍ وتنعُّمِ
سلْ سيفَ شمرٍ يا زمانُ عن الذي = لاقاه إذْ أهوى لنحرِ الضَّيْغمِ
عجباً لسيفٍ يذبحُ الدينَ الهُدى = ويعودُ يُغمَدُ في قِرابِ الظالمِ
هذي هي الدنيا، عجبتُ لطالبٍ = فيها السلامةَ، والهدى لم يسلَمِ
ظمِئ الهداةُ وقربَهم نهرٌ جرى = يُرتادُ من بُهُمٍ غوتْ وبهائِمِ
ظمِئ الظما بثغورِهم، وتضرّمتْ = ظمأً صدورُ الحقِّ أيَّ تضرُّمِ
أوّاهُ يا نسلَ الذبيحِ وكم سقى = آباءَهم ذاك الذبيحُ بزمزمِ !
كم أطعمَ المعترَّ منهم والذي = هو معدَمٌ. أكذا جزاءُ المُطعِمِ؟!
يا ليته التعطيشُ حسْبُ وإنّما = حزُّ الرؤوسِ وحملُها للغاشمِ
ذاكَ الذي جعلَ الخمورَ وضوءَه = والقردَ يقفزُ فوق عرشِ الحاكمِ
وقد استحلّ من المحارمِ فوق ما = إبليسُ زَيّنَ مُذْ أبى للآدمي
ذاكَ السليلُ لدوحةٍ ملعونةٍ = هي ظالمٌ ورثَ الغوى من ظالمِ
مجتثَّةٌ إذْ لا قرارَ لأصلِها = كمْ من ضلوعٍ هشّمتْ وجماجِمِ
بابُ الجحيمِ فمن أتاه فقد هوى = نحو الجحيمِ وما له من راحمِ
لهفي على المصباحِ ينشرُ ضوءَه = لنجاتهم وهمُ بجُبٍّ مظلمِ
فتنكّبوا عن ضوئِه وصراطِه = فالنارُ في شوقٍ لهم متعاظمِ
يا ابنَ الصراطِ، أخا الصراطِ، وأنتَ هو = ماذا لمن عاداكَ غيرُ جهنّمِ
ذبحوكَ فانتحبتْ عليكَ سيوفُهم = وقِسيُّهم مع نَبلِها والأسهمِ
وخيولُهم وسروجُهم وأَعنِّةٌ = لعنتْهمُ لعناً بغيرِ تلعثُمِ
طحنوا ضلوعَك بالسنابكِ إنّه = حِقدٌ طغا متلاطمٌ لم يُلجَمِ
رفعوا الرؤوسَ على القنا، ذا قدرُها = إذْ لا تُوطَّأُ تحتَ قامةِ غاشِمِ
لكنّهم رفعوا الرؤوسَ تشفّياً = هيهاتَ يُشفى ذو الفؤادِ المُعتِمِ
حرقوا الخيامَ كأنَ نارَ جهنّمٍ = سكنتْ قلوباً قبلَ نارِ جهنّمِ!
فالنّارُ والخوفُ المروِّعُ والصدى = عمّتْ على أهلينَ خيرِ مُعمَّمِ
فَرّوا إلى البيداءِ واكتشَفوا الذي = سهِرَ الحسينَ له بليلِ مُحرَّمِ
سلبوا النساءَ كفى بذلك شاهداً = أنّ النذالةَ والضلالَ كتوأمِ
سلبوا الضحايا الطاهرينَ لباسَهم = قطعوا بَنانَ الوارِثِ المتختِّمِ
آهٍ وأيُّ الآهِ تُشفي أضلُعاً = صُهِرتْ بطولِ تأوّهٍ و تألُّمِ
تُسبَى نساءُ الوحيِ، والوحيُ القَضى = سبيَ النساءِ لكافرٍ لا مُسلِمِ!
وتنوحُ ثكلى لا مثيلَ لنوحِها = حتى نُواحٌ في منابعِ زمزمِ
سبْيٌ سبى الأفراحَ عن آل الهدى = فغدتْ قلوبُ الآلِ محضَ مآتمِ
ويُساقُ بالأغلالِ سجّادُ الهدى = عجَباً تُغَلُّ غِلالُ دوحةِ هاشمِ!
ماذا تُعدِّدُ أحرفٌ عطشانةٌ = عنْ عترةٍ قد عُطِّشتْ في العلقمي ؟!
عن سبطِ طهَ حين حزّوا جيدَه = فغدتْ له جيداً رِماحُ الظالمِ !
عن طفلةٍ لمّا تراءى نحرُهُ = نُحرِتْ أسىً فوق المخضَّبِ بالدمِ
بعدَ الذي ذبحوكَ يا ابنَ المصطفى = فإلى وبالٍ دربُهم وتشرذمِ
وإلى هوانٍ عيشُهم وتخبُّطٍ = وتناحرٍ وتزلزلٍ وهزائمِ
يا فاطمُ إنّ الدموعَ عيونُنا = والحزنَ أَضلعُ صدرِنا المتضرّمِ
نحيا ويبقى السِّبطُ حُبَّ قلوبِنا = ولَدَى الردى يبقى حبيبَ الأعظُمِ