الذكرى الخالدة
كاظم مكي حسن
الذكرى الخالدة
كاظم مكّي حسن
في ركبك المجد أنّى سرت والهممُ=وفي حماك أقام الفضلُ والكرمُ
ولم تزل لك في الأجيال دائرةً=ذكرى يردَّدها من ذا الزمان فمُ
يا ناصر الحقَّ لمّا قلّ ناصرُه=وحاميَ الحُكْم لمّا استهتر الحَكمُ
وراعي العدل لمّا بات مغترباً=فكان فيك له أمنٌ ومعتصمُ
بعثت للدين والدنيا صلاحهما=وفي صلاحهما الخيراتُ والنعمُ
كنت الزعيم لأحرار شعارهمُ=عيشُ الكرامة في الدنيا أو العدمُ
رأوك أشجع من يدعو وأخلص من=يهدي وأرحم من للحقَّ ينتقمُ
ونهضة لك ضمَّت كلَّ مكرمة= بيضاء كان بناها للخلود دمُ
يمضي الزمان عليها وهي خالدةٌ=فلا زوالٌ ولا شيبٌ ولا هرمُ
جديدة وكفاها روعة وعُلا=وعزَّة أنت فيها المفرد العلمُ
لم يثنِ عزمَك عنها أنها رهقٌ=وشدَّة واغتراب كله ألمُ
ولم ترُعْك رزاياها الّتي عظمت=في الطفَِّ هولاً ولم تقعد بك الأزمُ
فغاية البطل المقدام تحمله=على الشدائد يلقاها ويبتسمُ
فلا يقرُّ له جنب على ضِعة=ولا تسير به في ذلَّة قدمُ
فتحت بالصبر والإيمان ما عجزت=عن فتحه بقواها هذه الاُممُ
وشِدت بالحزم والإقدام مملكة=تراجع الجور عنها وهو منهزمُ
فلا يزول لها حكم وقد بُنيت=على دماك ولا يُطوى لها علمُ
زالت ممالك مَن ساموا الورى عنتاً=وخرَّ سلطان من جاروا ومن ظلموا
وحطَّم العسف تيجاناً به رُفعت=وأهلك البغي أرباباً به حكموا
فذاك ذكرهمُ بالعار مقترنٌ=وذا كيانهمُ بالجهل منهدمُ
وظلَّ ذكرك نوراً للورى وهدىً=يُمحى به الظلم أو تُجلى به الظلمُ
يجري مع الدهر جيلاً بعد سالفِهِ=لا العرب تنساه في يوم ولا العجمُ
يوحي إلى الناس أنْ يَحيوا بلا ضعة=أو أن يموتوا وفي آنافهم شممُ
يوحي إلى الناس أن العيش منقصةٌ=وذِلَّةٌ إن تولّى أمرهم فدِمُ
ويلهمُ الناهضين العزم إن وثبوا=إلى الجهاد وخاضوا الحرب واقتحموا
أعظم بذكراك يابن المصطفى أثراً=يزيده جِدة في العالم القدمُ
ذكرى بها ازدهرت دنيا الهدى وزهتْ=نوراً بها سنن العلياء والنظمُ
ذكرى المروءة ذكرى الباذلين لها=أرواحهم ليعزُّوها وما ندموا
يا ثائراً قد تحدّى كلَّ نائبةٍ=ولم يُرعْ حيث موج الموت يلتطمُ
نهضت والناسُ فوضى في ديارهمُ=وشرُّهم فيهمُ مستحكم غممُ
في كلّ ناحية للبغي متَّسعٌ=وللهوى والدنايا مرتع وخمُ
وفوق كلَّ صعيد ظالم أشِر=ورأس كلَّ قبيل معتد أثمُ
فها هنا وثن تعنوا الوجوه له=وها هنا زمر يسعى بها صنمُ
عمَّ الفساد وساد القائمون به=واستفحل الشرُّ حتّى ديست الذممُ
فالدين مغترِب والحقُّ منتبَذٌ=والعدل محتقر والحكم مهتضمُ
والناس من شدَّة الإرهاق قد ألفوا=ذلَّ الخضوع ولاذوا فيه واعتصموا
يقودهم للمخازي كلُّ طاغيةٍ=عن الهداية أعمى ملؤه صممُ
قد أسلموه زِماماً منهمُ ومضوا=وراءه للشقا طرّاً فما سلموا
لا يُصلحُ الناسَ غِرٌّ لا رشاد له=وليس يُرضيه إلا الكأس والنغمُ
يُمسي ويُصبح دنياه مفاسده=ودينه أن يهان الدين والحرمُ
تالله لولا ضلال الناس ما خضعوا=لظالمين أذلوهم وما رحموا
ما كان يرعاهم ذئبٌ ويوردهمْ=موارد الموت لولا أنهم غنمُ
كفى بحكم يزيد ذلَّة وغوىً=وخسة إنَّه بالعار متَّسمُ
أخزى العروبة والإسلام وانطمست=فيه المروءة والإيثار والشيمُ
فالظلم من شأنه والبغي عادته=وليس يفعل إلاّ كل ما يصمُ
وعنده الحكم لهو مثل ميسرةٍ=ودينه فرص للفسق تغتنمُ
من معشر ما رعوا حقّاً ولا شرفاً=في آل طه ولم تعطفهمُ رحمُ
قومٌ على الشرَّ قد شبّت صغارهمُ=أو قيل من شرُّ كلَّ الناس قيل همُ
وقيل هذا إمام المسلمين ومَن=مقامه مِن مقام المصطفى أممُ
خليفةٌ وأمير المؤمنين وكم=به على المؤمنين انصبَّت الحممُ
ومذ تفاقم فيه الشرُّ متّسعاً=ودبَّ في الدين مِن آثامه سقمُ
وأصبح الناس يرجون الخلاص على=يدٍ لها خُلق الصمصام والقلمُ
هبَّ الحسين إلى الإصلاح في نفرٍ=لمّا دعاهم لنصر الحق ما وجموا
أتوا خفافاً ولم يقعد بهم جزعٌ=أو رهبة وعلى وِرد الردى ازدحموا
من كلَّ أروع طعم الموت في فمه=لدى الجهاد لذيذ سائغ شبمُ
حفّوا به والرزايا في طريقهمُ=فما استكانوا ولا هانوا ولا سئموا
يلقونها وعليهم من شجاعتهم=نور وفي قلب كلًّ منهمُ ضرمُ
قد أحسنوا الذود عن دين وعن شرفٍ=وعن مبادئ هُنَّ المجد والعظمُ
حتى ثووا لم يمدّوا للطغاة يداً=ولم يجفَّ لهم فوق التراب دمُ
* * *
كاظم مكّي حسن البصرة