العقيدة الخالدة
قيصر معتوق الغساني
العقيدة الخالدة
الدكتور قيصر معتوق
كُفّي عن الدمع بنت الوحي واكتحلي=وألبسي الجيدَ سمر الحلي والحللِ
وطوَّفي في زوايا الخلد سيدةً=تراشق الحور بالأهداب والمقلِ
وأولمي في رياض الخلد داعيةً=أهل الجنان وآل البيت واحتفلي
وخفَّفي عنك واجلي الغمَّ مشرقةً=فلست ثكلى ففيم الأخذ بالثكلِ
فالعين ثكلى على ميْت تفارقه=ولا على من هو الأنوار في الطفلِ
ويندب المرء مَن غابت معالمه=لا من يحلّ صدور الخلق في غفلِ
فأخرجي من ذرا التأريخ منطمراً=يحدَّث الخلد عن أحداثك الاُولِ
وأطلعي في صدى الأجيال مفخرةً=تجول بالعصر بين الأمس والأزلِ
واستخلصي عبرةً في يثربَ استترت=بين الحطيم وبئر الماء والجبلِ
وبيّني السرَّ فيما يثربُ انفردت=تدرُّ بالمنَّ والألبان والعسلِ
وأوضحي مقصداً للحرب يحسبها=مسّاً من الجنَّ أو ضرباً من الخبلِ
وفرَّقي بين ذئب قاتلٍ حَمَلاً=وقتلِ ذئب سطا للفتك بالحملِ
واستطلعي موجة الأفكار من اُمم=والبين ينعى بكوراً خيرة الرسلِ
فاحني عليها وقد أبقت لميّتها=أبا تراب جثيّاً بين مغتسلِ
والعدل يشهد والوجدان عن ثقةٍ=أنّ الكرامة بين المصطفى وعلي
لكنّها في ضلال السوء صاغرة=آلت إلى الشام في ضرب من الحيلِ
فاستحكم الظلم واشتدت عوامله=وأطبق العيش بالأبواب والسُّبلِ
وخيَّم الفسق في حكم دعائمُه=تقوم بالوعد والتسويف والدجلِ
دبَّ الفساد من الأجسام منتقلاً=إلى المبادئ والأفكار والمثلِ
وأبطل الهزء بالآيات حكمتها=حتّى استعاض بكأس الخمر والغزلِ
وانبثَّ في العرب من بدو ومن حضرٍ=روح التذمر والإهمال والمللِ
فأحوج الأمر والفوضى إلى رجلٍ=يقضي على الشرَّ والأشياع والنحلِ
وينقذ الاُمَّة المنكودَ طالعُها=ويطلق الحرّ من منفىً ومعتقلِ
وفتَّش الحقَّ عمَّن نحو صاحبه=يسدِّد الضربة القصوى بلا خطلِ
مَن غيرُ فاطمة مَن أنجبت رجلاً=يقوم في الساعة السوداء في الثقلِ
فهو الحسين حفيد الوحي مَن وَجدتْ=فيه العقيدة كلَّ القصد والأملِ
وهو الحفيد لجدَّ العرب قاطبة=وهو الخليفة في حقٍَّ بلا جدلِ
ألقت عليه وشاح الوحي فاطمة=حتّى يعين الفتى في خطبه الجللِ
وسار طوعاً وشطر الشام قبلته=ينساب في البيد من واد إلى قبلِ
ما داس أرضاً بل الإيمان أركبه=إلى الجهاد عنيف غير محتملِ
لم يسأل البيد عمّا في مخابئها=ممّا ستوقعه الأقدار بالبطلِ
فكان يعلم ما توحي رسالته=فحيث تبدأ يبدو منتهى الأجلِ
من السلاح له في الصدر معتقدٌ=وفي ذراعيه ما في الزند من عضلِ
فأقبل الشرُّ في جيش يعزّزه=ليقهر الخير توّاقاً على عجلِ
ما ارتدَّ لمّا رأى البهتان يقصده=وارتدَّ يصمد للتيّار في جذلِ
وطوَّق البؤس آمالاً معلَّقة=بعبقريًّ شديد حازمٍ عزلِ
فاستلزم الحال والوجدان تضحية=وضاقت الحيلة الدهياء بالرجلِ
إنّ العقيدة إن يسلمْ هو اندثرت=وتزدهي إن يمت في وطأة الصقلِ
فصاغ في الحال آل البيت قنبلة=تدكُّ دكّاً أساس الغدر والدخلِ
وصار لُغماً بصرح المكر منفجراً=يطوَّح الصرح بالطغيان والزللِ
شقَّت شظاياه صدر الكون نافذة=تصلي الضمائر بالأخطار والشعلِ
لولا ضحيَّة حملان مسالمة=لا يفهم الناس ما للذئب من عملِ
ضحّى الحسين بنفس عزَّ مطلبها=لينسف الظلم بالبرهان والمثلِ
والمرء يقضي لكي تحيا عقائدُه=والأخذ بالظلم يُفني أعظم الدولِ
الدكتور قيصر معتوق البصرة