أبو الشهداء
كاظم مكّي حسن
علم الهدى ومعلَّم الأحرارِ=كم في جهادك من عُلا وفَخارِ
تمضي الدهور وتنقضي أحداثها=وحديث ذكرك دائم التكرارِ
أبقيت ما بقي الزمان مآثراً=للمكرمات روائع الآثارِ
هي خير ما يبقى الحياة عزيزة=وأجلُّ ما فيها من الأسرارِ
هي دعوة للحقَّ لم ينفكَّ في=ليل يرفُّ لواؤها ونهارِ
أعظم بنهضتك الَّتي لم تلتئم=إلاّ على فيض الدماء الجاريِ
سارت مسير الشمس تبعث في الورى=روحَ الكرامة والشعاع الساري
ما حدت فيها عن ثباتك رهبةً=من خارجين على الهدى أشرارِ
دنياك دنيا الخالدين ولم تكن=للخالدين سوى رفيع منارِ
والدين فيك خليقة جبلت على=شيم الاُباة وعزة الأبرارِ
فكأنما خلقت صفاتك للورى=شهباً تشعُّ بأسطع الأنوارِ
هي في الحياة عجائب لم تستقم=إلاّ لدى شمم من الأحرارِ
فخرَ الزمان بها وخلَّد ذكرها=وأقامها للمجد خير شعارِ
وبنى بها حصن المحامد شامخاً=يزهو بكل خميلة معطارِ
ما قام قبلك يابن بنت محمدٍ=داعٍ تحدّى أعنف الأقدارِ
قهرت عزيمتك الخطوب ولم تكن=وغدت بلا حدًّ ولا مقدارِ
وغدوت معجزة الجهاد ولم تدع=فيه لذي هممٍ مجال فخارِ
يا باذل النفس الكريمة للعلا=ثمناً لقد أتعبت كلَّ مُجارِ
عفت الحياة على الهوان ولم تضع=جنباً على ذلٍّ بها وصغارِ
ومضيت في ركب الفضيلة للردى=حتّى التقيت به غريب الدارِ
ولقد سلكت إليه كلَّ مفازةٍ=زخرت بألوانٍ من الأخطارِ
في فتية مثل الليوث شجاعةً=ومن البهاء يُرون كالأقمارِ
أنصار إيمان تجاوز صبرهم=يوم الجهاد مواقف الأنصارِ
يتسابقون إلى المنون كأنها=هي خير ما التمسوا من الأوطارِ
زهدوا بدنياهم وجادوا للعلا=والصالحات بأطيب الأعمارِ
وقضوا وقد مُلئوا هدىً وحماسة=دون الحسين وشرعة المختارِ
وجرت دماؤهمُ فكانت أنجماً=تسري بآفاق العُلا ودراري
حمل الهوان خصومهم وتسربلوا=بالذلَّ وانغمسوا بكلَّ شنارِ
راموا نعيماً لا يزول فما رأوا=لهمُ مصيراً غير حرِّ النارِ
وتجرّعوا غصص الحياة بذلّة=وعليهمُ دارت رحى الأكدارِ
زرعوا الرذيلة في أديم حياتهم=بغياً فلم يجنوا سوى الأوضارِ
لا غرو إن قُتلوا بدائهمُ فما=عقبى الهوى والبغي غير دمارِ
والجور لا يضفي على أتباعه=إلاّ ثياب مذلَّة وبوارِ
والظالمون وإن تطاول عهدهم=فإلى الخراب مصيرهم والعارِ
والحكم مجلبة المصائب والشقا=إن كان تحت مطامع الأغرارِ
يا ثائراً للحقَّ ينشد عزَّةً=ما أنت إلا السيّد الثوارِ
أحبطت ما عمل الطغاة بنهضةٍ=جبّارة قامت على جبّارِ
وهدمت ما شادوا عمىً وضلالة=وهتكت ما ضربوا من الأستارِ
قد كان عزمك في النضال أشدَّ من=جيشٍ على هاماتهم جرّارِ
لم يثن صبرك أنَّ صحبك صُرَّعوا=وَبنيك طعم أسنة وشفارِ
ورأيت طفلك سابحاً بدمائه=والسهم في أوداجه متوارِ
وعلمت أنك لا محالة تارك=أهليك بعدك في أسىً وإسارِ
أرْضاك ذلك في سبيل عقيدة=تأبى على الإذلال أيّ قرارِ
وبذلت نفسك كي تصون كرامةً=من أن تذلَّ لمارقين شرارِ
أنّى لمثلك أن يعيش وكفُّه=في كفَّ وغدٍ سافلٍ غدّارِ
أنّى لمثلك أن يبايع فاسقاً=ألِف المجون وعاش خلف عقارِ
فغدوت في هذي الحياة وحيدها=بالصبر والإقدام والإيثارِ
بطلَ العقيدة والإباء وفارس ال=شرف الرفيع وصفوة الأطهارِ
حزت الفضائل كلَّها من عزَّةٍ=وحميَّة وشجاعة ونجارِ
ورعيت فيها الحقَّ غير مزحزحٍ=عنها لدنيا الشرِّ والأوغارِ
يكفيك عزّاً أنّ يومك لم يزل=حرب الطغاة وقاهر الفجّارِ
تمضي الدهور وتنقضي أحداثها=وحديث ذكرك دائم التكرارِ
* * *
كاظم مكّي حسن