من أعماق التاريخ
السيد محمد جمال الهاشمي
من أعماق التاريخ
السيد محمد جمال الهاشمي
على ذكرك التأريخ يصحو ويسكرُ=وفي ظلّك الأجيال تُطوى وتُنشرُ
وباسمك تستوحي السماء عواطفاً=تحاول أن تسمو إليك فتقصرُ
فما أنت إلاّ النور سيرك ظاهرٌ=وسرُّك في دنيا ظهورك مضمرُ
وما أنت إلاّ الروح كنهك غامضٌ=وفيضك مثل الشمس بل هو أظهرُ
نهضت فهبَّ الحقُّ والخلد خلفَه=يهلَّلُ ذا شكراً وذاك يكبَّرُ
وقال الإبا تحيا العروبة إنها=سماءٌ بها الأمجاد تزهو وتزهرُ
نهضت بوجه البغي وهو بزهوهِ=مدلٌّ على الأيام ينهى ويأمرُ
فماهي إلاّ جولة وتقهقرتْ=كتائبُه في خزيها تتعثّرُ
وما الفجر إلاّ ثورةٌ فلكيةٌ=بها الكون من سجن الدجى يتحرَّرُ
ولولا صراعُ البذر والأرض لم يقمْ=من اليابس المنخوب ريانُ أخضرُ
مضى ابنُ أبي سفيان للقبر واثقاً=بأن الذي أبقاه هيهات يُقبرُ
فهذي بلادُ المسلمين بعهده=تشيد وفي آثاره الغر تفخرُ
وهذا يزيد والنفوس تخافه=وترجوه فهو البحر يرجى ويحذرُ
وتبلغ أحلام القرون اُميَّة=ويعرف منها الدهر ما كان ينكرُ
ولم يخش بأس الهاشميِّين بعدما=قضى الصلح فيهم أن يسادوا ويقهروا
نعم ربما طافت عليه وساوسٌ=فتذعره باليأس واليأس يذعرُ
ففي يثرب (لو ساعد الدهر) عصبةً=ترى أنها بالأمر أولى وأجدرُ
لها في نفوسِ المسلمين جلالةٌ=تهاب وشأنٌ في البلاد مقدّرُ
ويا ربما يقوى على كيد بعضها=فيدحره والكيد بالكيد يُدحرُ
فيزعم أنّ (ابن الزبير) مراوغٌ=بفطرته حتّى على الدين يمكرُ
وخطوة عبد الله وهي قصيرةٌ=يخاف عليها بالمزالق تعثرُ
ولكن بماذا يسترُ الشمس إن بدت=وما كان ضوءُ الشمس بالكيد يُسترُ
فهذا حسينٌ والعناصر باسمه=إذا ما جرى ذكرُ الخلافة تجهرُ
يؤهّله للعرش مجدٌ مؤثل=يؤسّسه طه ويعليه حيدرُ
وفضل إليه الفجر ينهب نوره=ودين به الإيمان يزكو ويطهرُ
وروح هي الآماد حدّاً وإنّها=لأعظم منها في الجلال وأكبرُ
أيمكن أن يدنو يزيد لمجده=وتاريخه من بؤرة العهر أقذرُ
وهب أنه بالجبر حاول بيعةً=من الناس كيف ابن البتولة يُجبرُ
وحيّره الأمر الرهيب وطالما=بموقفه أندادُه قد تحيَّروا
وغامر في فرض النظام ولم يكن=إذا ما وعى صوت الحجى يتهوّرُ
وقام يزيد ساخراً بسلوكه=على كلِّ ما سن الشيوخ وقرّروا
تنمَّر حتّى حطَّم القيد داعياً=لحرَّية فيها الهوى يتنمَّرُ
وأطلق دنياه من الدين ساخراً=بقوم بهم اُسطورة الدين تسخرُ
فما شأن بيت الله وهو بنيَّة=مقاصره منها ألذ وأنضرُ
وهل كان غير الجهل قائد اُمَّة=إلى (حجة) راحت تخبُّ وتنفرُ
سينسفه لو ساعد الدهر عابثاً=بأحلام قوم حوله قد تجمهروا
ويهتك أستار العقائد إنها=ضلال بأبراد الهدى تتسترُ
وراح يناجي الكأس بالسرَّ قائلاً=لمثلك مَن بالسرَّ جاهر يعذرُ
وودَّعه مذ صاح داعي السما به=إلى الله يامغرور فالله أكبرُ
وعاد إليه ناقماً من شريعةٍ=بها الصوم معروف بها الخمر منكرُ
فهاجمها بالشعر والشعر لوحة=عليها تعابير النفوس تُصوَّرُ
صحا ساعة من سكره فاسترابه=مقامٌ على دنياه أمسى يسيطرُ
وأضحكه أن يغتدي قائدُ الورى=إلى الدين عقل بالشرائع يكفرُ
ولكنَّه شيء جرى فليقم به=كما يقتضي ناموسه ويقدَّرُ
سيصبر حتّى ساعة النصر والفتى=إذا رام نصراً في الجهاد سيصبرُ
فطالع أسرار البلاد فلم يجد=سوى نفر من حكمه قد تأخَّروا
وما كان لولا السبط يهتمُّ فيهمُ=لأنّ مقاييس الهوى تتطوَّرُ
ولكنه روح تسامى وجوهرٌ=تجرَّد بالأعراض لا يتغيَّرُ
لذاك قضى تفكيرُه أن يزيله=وإنْ عابه قومٌ وعاداه معشرُ
فقرر أن يغتاله بعصابةٍ=ضمائرُها بالمال تُشرى وتؤجرُ
إلى البيت سار ابنُ البتولة ناقماً=على حالةٍ منها الشريعة تضجرُ
وما كان يبغي الحجَّ في عامه الذي=يغصُّ بآلاف الحجيج ويزخرُ
ولكنَّها الروح التي ثار حقدها=على الوضع فاهتاجت به تتذمرُ
فهاجر قبل الحج عنها بليلةٍ=بها النجم غافٍ والكوارث تسهرُ
وساءله عن سيره البعض فانثنى=يجيب بأنّ السير أمر مقدَّرُ
وفي قوله سرٌّ يضيق بشرحه=بياني ويعيا الشعر لو كان يشعرُ
وكان احتجاجٌ صامت وتأهّبٌ=لثورة فكر باللظى يتفجرُ
وفي كربلا حيث البلاء مخيمٌ=بأجوائه راح الحسين يعسكرُ
وكان قتالاً لاتزال دماؤه=تسيل دموعاً في القرون وتمطرُ
فقل للَّذي يعزي إلى ابن سميةٍ=مصارع أبطال مدى الدهر تذكرُ
أعد نظراً في الحادثات فإنها=رموز بها الأسرار تخفى وتظهرُ
أكان ابن ميسون بريئاً وباسمه=يهمهم شمر سيفه ويزمجرُ
أيقوى عبيد الله نغلُ سميةٍ=على الفتك بابن الطاهرات ويجسرُ
وتعلى على الأرماح أرؤسُ فتيةٍ=يشعُّ بها الليل البهيم ويقمرُ
وتُسبى بناتُ الوحي وهي حواسرٌ=تُسبُّ بأفواه اللئام وتزجرُ
ويؤسر زينُ العابدين مقيَّداً=ومثلُ ابن سبط المصطفى كيف يؤسرُ
ويهدى سبايا الطفَّ للشام ذلةً=على عُجُفٍ إن قُدّمت تتأخَّرُ
ويحضرها في مجلس الخمر هاتفاً=يزيدُ على نخب انتصاريَ أسكرُ
فيضرب ثغرَ ابن البتول وثغرُه=يدمدمُ بالكفر الصريح ويهذرُ
نوائب يعيا العدُّ عن حصرها وهل=تحدُّ رمال البيد عدّاً وتحصرُ
محمّد جمال الهاشمي النجف