رأى العز بالموت فاختاره
الشيخ محمّد علي اليعقوبي
تناسى ببابل أوطارهُ=فتىً أرضح الشيب أعذارهُ
أمن بعد ما جاوز الأربعين=يطاوع باللهو أمّارهُ
إذا ما الشباب انطوى سفره=فخلَّ الهوى واطوِ أسفارهُ
فما أنا من بعدها ذو هوىً=يقاسي من الحبِّ أطوارهُ
يناجي نجوم الدجى ساهراً=وكان ينادم أقمارهُ
إذا ما صفا عيشه برهةً=أناخ له الدهر أكدارهُ
فدع ذكريات الصبا إنني=ذكرت الحسين وأنصارهُ
قضوا ظمأ حول ماء الفرات=فلا فجَّر الله أنهارهُ
فلله يوم لسان الزمان=يردَّد للحشر أخبارهُ
أطلَّ على الكون في نكبةٍ=بها طبّق النَّوحُ أقطارهُ
إذا رام نسيانه العاملون=أهاج المحرَّمُ تذكارهُ
تردَّت ثياب العلا هاشم=واُميُّ اكتست في الوغى عارهُ(1)
عشيَّة قد نهض ابنُ الطليق=من المصطفى طالباً ثارهُ
أيملك شرُّ عبيد الأنام=خيارَ الأنام وأحرارهُ
فأدرك في قتل أبنائه=وسبْي ذراريه أوتارهُ
بنفسيَ ثاوٍ بحرِّ الهجير=ثلاثاً سوى الوحش ما زارهُ
ومذ خيَّروه الردى والهوان=رأى العز بالموت فاختارهُ
تلفَّع طمر الثنا والدماء=إذ ابتزَّت القوم أطمارهُ
وصدر نشا فوق صدر النبي=به أودع الله أسرارهُ
غدا لخيول العدى حلْبة=تُعفي السنابك آثارهُ
وبيت تذبُّ الظبا دونه=وتمنع سمر القنا جارهُ
تسامى بمن فيه حتّى غدت=جميعُ الملائك زوّارهُ
فغودر بالطفَّ نهب العداة=وقد هتكوا منه أستارهُ
وفرَّت كرائمه خيفة=فرار القطا عاف أوكارهُ
تلفُّ الضلوع على أكبدٍ=بها شبّ زند الأسى نارهُ
وسيقت إلى الشام نحو اللئام=تعاني من السير أخطارهُ
وليس لديها سوى ناحلٍ=به أنشب السقم أظفارهُ
تعاين بالرمح رأس الحسين=فتذري من الدمع مدرارهُ
إذا ضلَّ بالليل حادي الظعون=تتبّع في السير أنوارهُ
محمّد عليًّ اليعقوبيُّ النجف