كيف ترقى رقيّك الأنبياء؟! - في ذكرى المولد النبوي الشريف طاهر جاسم التميمي
بسم الله الرحمن الرحيم
في ذكرى المولد النبوي الشريف
[ كيف ترقى رقيّكَ الأنبياءُ؟! - ياسماءٌ ما طاولتها سماءُ]
من قصيدة بعنوان " أم القرى " للبوصيري (636بيتاً)
طاهر جاسم التميمي ( رحمه الله)
تأريخها- ناحية الر اشدية
14/ 2/ 1411هج 4 / 9 / 1990 م
أي عطرٍ ترشُهُ الأفياءُ = ونماء تفيضُهُ الأنداءُ
أيُّ سحرٍ هذا الذي ظلَّ سحراً = يتجلّى .. وماسواهُ .. خواءُ
تلكمُ الأرضُ أينعت مقلتاها = بندى الصبحِ فاستربَّ الرواءُ
ورمالُ الديار أورقَ فيها = برعمُ الحبِ وآستطالَ الرجاءُ
وموادٍ من اللظى كيف صارتْ = رحمةً ترتجى .. فعمَّ الرخاءُ
وبقاعٌ قد أمحلتْ كيف صارتْ = خضرةً سندساً .. فزالَ العفاءُ (التراب)
أيُّ أرضٍ تحمّلتْ ساعة ال = وضعِ وليداً قد آلتقته السماءُ
فهي إذ تبتدي آبتدتكَ احتواءً = أو إذا تنتهي فداكَ آبتداءُ
كلُّ وادٍ من غيرِ زرعٍ وجدنا = غير أم القرى طواهُ الفناءُ
وسوى مكة الربوعِ رأينا = مقفراتٍ فحالها كأداءُ
حينما أسفرتْ بمولدِ طه = فالنبوآتُ غرسُها .. الإنتماءُ
عرَّشَ الزرعُ والربوعُ أفاضتْ = وشموسُ السماءِ .. والأضواءُ
أورقتْ سنبلَ الحياةِ ثماراً = بدعاءِ الخليلِ .. نعمَ الدعاءُ
وأقالت من العثارِ جموعاً = ضامها البهتُ حينَ ضنَّ الكلاءُ
وأنارت للمدلجينَ مناراً = هادياً حيثما السراطُ .. آستواءُ
فإذا الكون عبقريَّ التجليّ = قد توَّشى وآزدانِ فيه السناءُ
يتغنى بأحمدٍ والليالي = مقمراتٌ نجومهنَّ الولاءُ
وعلى الأفق من ملائكِ ربي = باركوا المصطفى فشعَّ الفضاءُ
وسنامُ السماءِ يغتمرُ ال = كونَ ربيعاً تلفَّهُ الأشذاءُ
ومياهُ الغدرانِ تغتسلُ = الأرضَ نماء فطابَ فيها .. النماءُ
وشعاعُ الشموسِ يبعثُ دفئاً = في جسومٍ قد شفّها الإنزواءُ
فتراخت أجفانُ كل وليدٍ = جاء ريثاً فاستوثقَ الإقتداءُ
نعموا باليقين إما ترامتْ = بشرى طه تذيعها الأجواءُ
وآستقاموا على المحجَّةِ درعاً = حيثُ شاء الإلهُ حكماً فشاءوا
كيفما المشركون أحزبوا أمراً = بئس مايأملونَ ثمّ أساءوا
وتهاووا إلى الحضيضِ وناءوا = يقضمون الضريعَ شوكاً فقاءوا
[ كيف ترقى رقيّكَ الأنبياءُ] = يانبيَّ الهدى وأنتَ الثناءُ؟
كيف والخاتمُ النبيُّ على = خلقٍ عظيمٍ .. ووجههُ وضّاءُ؟
لم تلد قبلهُ النساءُ وحاشا = بعده تنجبُ الكمالَ النساءُ
هو ذاكَ البريء من كلِّ عيبٍ = ونجيٌّ .. فعلمهُ .. الأسماءُ
( أحمدٌ) أو (محمدٌ) من صفاتٍ = (للحميدِ) المجيدِ (الفٌ وباءُ)
منذُ بدء الحياةِ كانَ نبياً = حينها ( آدمٌ) ترابٌ وماءُ
وعلى العرشِ اسمه قد تناهى = حيثُ ميثاقهُ الغليظِ آصطفاءُ
وعلى جنبهِ النبوّةِ كانت = عانقتها الإمامة .. العصماءُ
يورقُ الحمدَ فوقَ كلِّ لسانٍ = وشفاه رواؤهنَّ النداءُ
فسماواتُ فكرهِ ( الفُ باء) = ثمّ ( إقرأ) تلاوةٌ وآرتواءُ
فاستقامت له العلومُ وفاضتْ = من حواشيهِ حكمةٌ وآجتلاءُ
رنة الحقِّ حيثُ (جبريلُ) وافى = فاغتنى الغارُ وآستضاء الفناءُ
وتوالى وبيتهُ دارُ حمدٍ = رحمةٌ ماؤها الحيا والهواءُ
كلّما زارهُ (الأمينُ) فألقى = من ثقيلِ الكلامِ فيه آبتلاءُ
نشرَ (المصطفى) حديثاً عظيماً = آيهُ العدلُ والتقى والإخاءُ
خبراً أصلهُ السماءُ لصيقاً = بالمبادي وفرعُهنَّ الكساءُ
أهلُ بيتٍ مطهرٍ دونَ رجسٍ = زانهُ الدين عصمةً لا الثراءُ
فهنا قربهُ (خديجةُ) تتلو = و(عليٌّ) يعيدُ .. و (الزهراءُ)
ويناغي تلاوةً وهي فيضٌ = ولداهُ (السبطانِ) والأصفياءُ
حيثُ (جبريلُ) يسجدُ للهِ = يحيي مايبلغ .. الأولياءُ
شأنهُ ماأقامَ وحياً ورأياً = كلّما بلّغ النبا الأنبياءُ
فصلاةُ موصولةٌ كلُّ ما = فيها خشوعٌ ورغبةٌ وآلتجاءُ
أمَّ كلَّ الوجودِ (أحمدُ) ينبي = اعبدوا الله وحدهُ لن تُساءوا
إنما الدين أن تقوموا جميعاً = جسداً روحهُ الهدى والفداءُ
اضربوا الشرك مقبلينَ جحوداً = وآستقيموا ليسقطَ الإفتراءُ
لن توّلوا الطغاةَ دبراً وحاشا = حيثما الدين عزةٌ وآفتداء
أيها (المصطفى) وحسبك مجدٌ = [ ياسماءٌ ماطاولتها سماءُ]
جئتَ والناسُ مغرقون بفوضى = لاغطاءٌ يقيهمو أو وطاءُ
جئتَ والظلمُ مستبدٌ كنودٌ = ملتقاهُ النفاقُ والخُيلاءُ
فإذا أغلبُ الوجودِ آزدراءُ = نعمةٌ تحكم ُ الحيا وآستياءُ
كلّها لعنةٌ ومسُّ جنونٍ = واستلاب الحقوقِ والأحتواءُ
فإذا (الوأدُ) منتهى ماعرفنا = قسوةً زادها الخنا والجفاءُ
وجميعُ الأنامِ محضُ عبيدٍ = عاضلتهم عصابةٌ نكراءُ
(تاجرت) بالمآلِ والمال ظلماً = ليس في الحال كلّها آستثناءُ
فاستباحت أعراضَ قومٍ أهينوا = (بقروضٍ) فما وفاها الأداءُ
و(الربا) ساد فأحتوى كل شيءٍ = دونما واعزٍ فغابَ الحياءُ
فتياتٌ يبغين أثمانَ دفعٍ = لديونٍ عن أهلهنَّ فناءوا
وعلى أوجه البناتِ هزالٌ = والمآقي دموعها خرساءُ
بعنَ أجسادهنَّ غرماً وحيفاً = كي يرابي ويربحَ الأثرياءُ
ويزيدَ التعاسة الحقدُ عاراً = وينمّي ما أرجفَ الأغنياءُ
ويحها جاهليةٌ جهلاءُ = مالها في الوجودِ إلا الغباءُ
وغباءٌ في الجاهليةِ معنى = دونه مايرجّحُ .. الأذكياءُ
انه الحيلة الدهاء تلاقا = فطغى الخبثُ خسةٍ والرياءُ
فإذا أعسر الفقيرُ مديناً = غالبوا العرضَ مغنماً كيفَ شاءوا
كلّ فضلٍ قد أرخصوهُ فجوراً = وآستهانوا فضجَّ فقرٌ وداءُ
بينما أحكموا الحياة َببخسٍ = فغلاءٌ قد أفحشوا ما أفاءوا
لقمة الخبزِ والرغيفُ قفاراً = باتَ كالنجمِ لم يلدهُ المساءُ
وتفشّى في السوق غشٌّ وكذبٌ = أحكمَ الزيف وآستغلَّ الغلاءُ
(حكرةٌ) مالها نظيرٌ (وتد = ليسُ)دونَ أمرهِ ... .. الإلتواءُ
وفسادٌ أورثَ الحياة نكالاً = غابة نبتها اللظى والعناءُ
ومداها العذب يحصدُ دنيا = كلُّ ما فيها قد دجا .. لايضاءُ
ولدَ المصطفى فطابَ اللقاءُ = وتسامى مع اللقاءِ البناءُ
وتعالت منائرُ الحقِّ فخراً = تتجلّى وقد تنامى .. العطاءُ
بيدرته مطاعم الرزقِ حِلاً = نعمة اللهِ ما اعتراها انتهاءُ
إنه الرزقُ طيبات غذتها = مكرماتُ السماءِ وهي آشتهاءُ
جاءنا الغيثُ والمناحلُ رقّت = مونقاتٍ أمرى نماها الصفاءُ
فأرتوى الرملُ من مساقط نورٍ = رعفت بالجمالِ فطابَ البقاءُ
واستلذّت منابتُ العيشِ حسناً = مثلما طابَ للجميعِ .. البقاءُ
واستوى الخيرُ والنعيمُ آنثيالاً = زمزماً والسحابَ فالكلُّ جاءوا
والكؤوس الدهاق ترشحُ خصباً = (كعبةُ) اللهِ والثرى البطحاءُ
وقناديلُ عشقنا عبقرياً = قد أنارت فوّلتِ .. الظلماءُ
فطوينا الضلوعَ نمرعُ حباً = زادُهُ الوجدُ والمنى والوفاءُ
هو حبٌ لخالقِ الخلقِ = و(طه)الرسول منهلٌ معطاءُ
إنما الحبُّ وحدة لا آفتراقٌ = مثلما البيعةُ الهدى والنجاءُ
لايراها إلا الملائكُ طراً = ورعاها من آمنوا الأمناءُ
كلّهم آيةٌ وليسَ سواهم = باركتهم من السما الأفياءُ
يانبيّ الإسلام كيفَ تراني = أنطق الحبَّ وهو عندي آنتشاءُ
فوقَ نفسي بل فاقَ كلّ شعوري = وآمتلاني فلّفني .. الإكتفاءُ
فوقَ ما كان قد تخيّلَ عقلي = وتندّى اللسانُ .. والحوباءُ
فوق ماكنت قد تصوّرت يوماً = مستجيباً ففيَّ ريٌّ .. شِفاءُ
كلما جئتُ يافديتك روحي = أتملا يغشي العيون َ البهاءُ
حيثُ يرتدُّ حاسراً أو حسيراً = طرفي المجتلي وفيهِ آزدهاءُ
حسرةٌ تأكل الفؤادَ لأني = لم أعش عصرَ من يريدُ الوفاءُ
حسبي الكون من بهائك نورٌ = كلُّ ما فيه سيدي لئلاءُ
هو من نور ربِّ السمواتِ = والأرضِ تجلّت بومضهِ الأسماءُ
فتساوى به النهارُ مضيئاً = والليالي الغواطش الليلاءُ
فأنجلى الفكرُ والمجادلة الحقُّ = وحسنى العظاتُ والإيحاءُ
لبني آدمِ آستووا وآستقاموا = ماقضى العدلُ وآستقلَّ اللواءُ
إنهُ الدينُ سلسلٌ وآرتشافٌ = نعمةٌ ترتجى .. فكلٌّ سواءُ
فجميعٌ على السراطِ سبيلاً = أغنياءٌ وأخوة .. فقراءُ
فكرة سيدي نداؤك دوماً = إنَّ بالشفرةِ آستقام الولاءُ
حيثما أمعنَ المجانفُ ظلماً = فإذا الدينُ إثرهُ أنضاءُ
فتوفّاهُ شهوة وولوع = لاحقوق هناك أو الآءُ
إنما يحفظ العقيدة ربٌ = فهو أولى وأمرهُ مايشاءُ
فيعيد الإسلامَ بعد آغترابٍ = لنفوسٍ قد كظها .. الإنثناءُ
يوم يأتي الإمامُ مهديُّ = أمتنا البرُّ سبيلهُ العلياءُ
والمسيحُ العظيم يكسرُ صلباناً = لشركٍ فتحسن الأشياءُ
فإذا الغلبة الصلاح = مع التقوى جميعها .. آستحياءُ
يقتل الداء في الخنازير ذبحاً = وهي صرعى .. بكفّهِ أشلاءُ
كيف هدَّ الكليمُ عجلاً خواراً = عبدَ السامريْ فحُمَّ القضاءُ
و عليُّ إذا تقحّمَ وكراً = فيه إبليس فتنة عمياءُ
ليقوم اليقينُ والفتنةُ = تهوي دماراً وتنهضَ الكبرياءُ
ويعودَ الأذانُ يصدحُ بالحقِّ = بياناً ما التاثهُ الأمراءُ
وتعود الصلاة للناسِ = صلاتٍ قد خانها اللؤماءُ
بعد صفين والحياة انطواءُ = جاسَ فيها الملوك والزعماءُ
أخرسوا الحقَّ واستباحوا المبادي = حيثُ خانَ العقيدةَ العلماءُ
فإذا الوعظ للسلاطين كذبٌ = ساغهُ الزيف فأفترى الشعراءُ
وأباحوا للظالمين حدوداً = حرّمَ الله وآعتدى الخطباءُ
غلبوا الدين بالنفاقِ رياءً = وأضلوا الجميعَ فيما أساءوا
فأنطوى العهدُ لايحلُّ وثاقاً = من ذمام وأدغلَ الطلقاءُ
ونسى الناسُ دينهم وتناسوا = شرعة اللهِ مادعا الجبناءُ
ويحهم فالهلاك جوعاً وعرياً = يغلظ الخبز شأنهُ والرداءُ
جوّعوا المؤمنين حتى يلينوا = ويموت الأباةُ والعظماءُ
ويعيش الرعاع في كلّ ركنٍ = ويقود السياسةِ الغوغاءُ
إنما الجوع كافرٌ والبرايا = إذ طوّقتهم مجاعةٌ أجواءُ
يعبدون الأصنامَ حتى آستعيدتْ = لعنةٌ جاهليةٌ .. رعناءُ
مثلما أفلسَ الجدود وصلّوا = لضلالٍ فأنكرَ الحنفاءُ
يقتفون الفساد فأنساقَ بعضٌ = يبعث الوأد كلّهم .. خطّاءُ
أينَ يا (احمد) المكرّمُ دين = وحياة صنعتَ وحياً تُضاءُ؟
أينَ دنيا رسمتها والمعاني = عبقريات دونهنَّ .. ذُكاءُ؟
عبثَ العابثون والكفر ريحٌ = صرصرٌ كعاصفٍ نكباءُ
وأهاجوا الجناة يستمرئون = البهت ظلاماً سمومهم هوجاءُ
ماجنوا الدهر والحوادث تنبي = بالذي مرَّ واقتفى السفهاءُ
ذبحوا الدين في المحاريب = قرآناً تلوّى يغتالهُ الدهماءُ
شوّهوه وكاد يحرفه لولا = الله تعالى وشرعة غرّاءُ
نفرٌ كابرَ من الغلظاء = وطريدٌ وقومه .. اللقطاءُ
وزنيمٌ من كلِّ فجٍ وصوبٍ = وعِتّلٌ تغلّهُ البغضاءُ
وبليدٌ من موبقين سكارى = رمسوا الحق دينهُ الأهواءُ
ووريثٌ من الخيانة جِلفٌ = قد أكنت فؤاده الشحناءُ
هكذا التفَّ معتدٍ وأثيمٌ = وتنادى من البعيد الغثاءُ
وآستشاطت حرائقٌ ودمارٌ = لم تنلها السحائب الوطفاءُ
تمسحُ الوهجَ من قلوبٍ وتمحو = كل خيرٍ حتى يعمَّ الشقاءُ
وتهين الجمال والحب = كي ينشر القبحُ والرؤى السوداءُ
ويموت الذكاءُ والمنطق = الحق وتمرى المقاصدُ البلهاءُ
كلّنا ينسلُ الخيانة إرثاً = وتلوث حياتنا الأصداءُ
ويفوق الجميع رأيٌ عقيمٌ = ما تمادى فتسقط الآراءُ
وتعالت أخلاطُ قومٍ رعاعٌ = جمعتهم عقيدةٌ .. شوهاءُ
ورقتهم برقية أشتاتاً = من الزيفِ قبائلٌ خلطاءُ
مالهم مبدأ ولا نهج فعلٍ = ماتداجي المساعيَ اللخناءُ
كل ما يحكم الأمور آعتداء = وتسوق المهالك اللأواءُ
فأعطني العذرَ سيدي وأقلني = من عثار قد زاده الإعتداءُ
واعفني اللهم غفرانك = إذ أبكي فهل يفيد البكاءُ؟
كلّ مافي الوجود ظلم وإثمٌ = وخطايا ودهية ٌ دهياءُ
موبقات من كلّ شكلٍ ولونٍ = والمنايا على المدى صحراءُ
قحطٌ به أجدبت أمنياتي = فالمنى لايزينها آستخذاءُ
ولعلي في كلّ قولي ضعيفٌ = فالذي يورق الحيا الضعفاءُ
تخذت روحيَ المباديء حسناً = شأني والله مارعى الشرفاءُ
وحملت الهموم لا المال كنزاً = هو والذل ؟؟؟؟ البخلاءُ
وحطمت القيود أزرع ورداً = صدّني الظلم والتواني العداءُ
أين منا الأوائلُ النجباءُ = والغيارى والصفوة الكبراءُ؟
أين اولئك الأباة ونحن = شلو جسم ٍ ينوشهُ الأعداءُ؟
كيدهم يصفع الوجود وتطفي = نوره الدفء حملة شعواءُ
وحروب مازال يعصرنا الغدر = جسيماً والضربة النجلاءُ
هيمنَ المدعون وآرتدَّ قومي = والحمى قد أباحهُ الغرباءُ
ودفنا كرامة مذ نكصنا = كيف تهوي وتدفن الجوزاءُ
وآختزنّا من الجروحِ صديداً = رحضتها من الدموعِ الدماءُ
ونزلنا إلى الحضيضِ متاعاً = جاء يلهو بسوقه الدخلاءُ
وغرقنا في هوّة وآرتمسنا = بالبوار استفزّهُ الخبثاءُ
نغرف الموت من رجيع الحنايا = لا الأماني تروزنا الأرزاءُ
ما رأينا سوى الخطيئة درباً = والخطايا يقودها الأبناءُ
فإذا كلُّ عمرنا أخطاءُ = وإذا كلّ عيشنا برحاءُ
وإذا كل دهرنا أفناءُ = وخطوب ماعاد فيها عزاءُ
وإذا مابنى الشهداءُ = محض آل تحيلهُ الأنواءُ
كيف نبني وألف هادم فينا = نتشظّى وكفّنا جذّاءُ
كيف عدنا إلى الوراء آنكساراً = غبَّ ما سادَ أمرنا العقلاءُ
كيف والمجتمع الطهر = عظيماً قد حققَ الرحماءُ
يتدنّى في موحلٍ مستديمٍ = من عيوبٍ تزيدها الأعباءُ
ليس فيه سياسة سمحاءُ = لا ولا فيه مستقلٌ قضاءُ
ليس فيه مؤدبٌ وأديبُ = وكريمٌ قد أنجبَ الفضلاءُ
ليسَ فيه مروءة وآنتماءُ = ما انتمى ثائرٌ وجلَّ الجلاءُ
ليسَ فينا مقاتلٌ يدرء = الظلم ويبني كما بنى الشهداءُ
كلُّنا سيدي وأنتَ شهيدٌ = في غيابٍ من الهدى شركاءُ
وهو شركٌ بالله = والغدرُ عملنا فأينَ منا الجزاءُ
غير نارٍ وقودها = سيدي الناس أو الحجارة السوداءُ
إيه يا (احمد) النبي غلبنا = يوم ولّت مباديء زهراءُ
حين غابَ اليقين وآستهدفتنا = أمة الشرك واللعنة الحمراءُ
ندعي سيدي بما ليسَ فينا = إنما الهذر لاسواه إدعاءُ
نحن شعبٌ يقوده الشعراء = نحن شعبٌ يقتادهُ الأدباءُ
نحنُ شعب هل بيننا علماءُ؟ = كيف هذا وحالنا آسترخاءُ؟
إنما أمرنا لحكم غبيٍّ = ذلّنا الفرد وآعتدى الخفراءُ
إنما الحكم للدعي يرانا = حشرات يدوسها .. الحقراءُ
حيثُ ساست أمورنا حمقاءُ = من دواعٍ وماتَ فينا البراءُ
ومشينا قطعانَ ماشية تعنو = وتلهو بشأنها الأدواءُ
سامنا الخسف وآستبدَّ = بنا الظلم وأوى قروعنا الغلواءُ
فنبتنا مثل الطحالبِ = لاجذرٌ يقي وهل يقينا الثواءُ
[ ذلّ من يغبط الفقير بعيشٍ = ربَّ عيشٍ أخف منهُ] البلاءُ
ولحسب الجميع يستر = عوراتهم من العيون رياءُ
مابهم محسن ولا كانَ فيهم = مؤمنٌ مما يعزُّ السخاءُ
مابهم غير كاذب أو دعيّ = كلّ دنياهما الخنا والزناءُ
نسفوا الدين وآستعاروا المبادي = من دخيلٍ فبئسَ هذا اللحاءُ
وأماتوا جذورنا يصنع التأريخ = منها مفاخراً تستضاءُ
وأذلّوا رقابنا يهرسها = المجرمُ آعتدى والحذاءُ
فإذا حالنا يمرِّغها الطين = حقيراً ويستبيها الرشاءُ
أمحلَ العمر وآستبدَّ الجفاءُ = وتغابت عقولنا الذكاءُ
وتردّت بنا المعاذي حتى = ملّت الأرض وآحتوانا المراءُ
جدلاً عابثاً ورأياً خلوفاً = وآفتراءات كلّهنَّ آحتذاءُ
عمّقت مابنا المهانة حساً = وشعوراً تشدّنا الفحشاءُ
منكرات ماحدّ للعهر فينا = وآنكسارات زادها الأدعياءُ
فمرسنا العذاب يأكل فينا = ما تبقّى وتفصح الأنباءُ
وغشانا الظلام يطمس سملاً = لامساغ بنبعنا أو نقاءُ
إنه سيدي العذاب = من الأدنى وما تجازي السماءُ
كيف والهول ساعة الحشرِ = سنلقى فتحرق الأحشاءُ
كيف والنار خالدين أسارى = نصطليها فتشهد الأعضاءُ
كلُّنا خرسٌ أصمٌ وأعمى = نتغشّى والمفسدون سواءُ
مالنا خطوة وكأسٌ = من الكوثرِ عذباً وحولنا الرقباءُ
قد هدانا الكتاب ثمَّ آرتددنا = ودعوتَ الجميع لكن أساءوا
فإذا نحن يافديتكَ نفسي = لكَ والآل كُلُّهم خصماءُ