ما انفكّت الناسُ في أديانِها قِدَدا = كلٌّ يرى علةً فيها لما اعتَقَدا
وما احتجاجُ الورى بالعقلِ نافعُهم = ما دام منهم فؤادٌ بالهوى فُئِدا
ممّا أضرَّ بهذا الخلقِ أنَّهمُ = قد ألَّهوا العقلَ بَيْنا هُم عبيدُ جِدا
فضاعَ ما بينَ إفراطِ السُّراةِ به = وبين تَفريطِهم عُمْرُ العَوامِ سُدى
لا يَعصِمُ العقلَ تقديسُ العُقولِ له = حقائقُ اليوم تَنفيها العلومُ غَدا
وإنَّ رُزءَ الذي يدري جَهالَتَه = يهون عَمّن يخالُ الجَهلَ فيه هُدى
وقد أغذَّ الجَوى إشفاقُ عاذلةٍ = تخالُ عَجزَ تعابيرِ الفتى جَلَدا
تقولُ لمَّا رأت همِّي مُعاتِبَةً = أيُصلِحُ الهَمُّ من دنياك ما فَسَدا
وما درت أنَّ هَمَّ الحرِّ تَعذِرَةٌ = إذا أرادَ صلاحًا ثُمَّ ما وَجَدا
إن كان قد راعَها سُقمٌ عَرى بَدَني = فَراحَةُ الروحِ في إتعابِها الجَسَدا
وأينَ يُكظَمُ فيه الغيظُ مَن مَجُلَت = يداه بالسيفِ تلويحًا لِطَيْفِ عِدا
فقُل لمن عيَّروني حينَ لم يَجِدوا = عليَّ عَيْبًا بما لَو أنصفوا حُمِدا
حسبي أراكُم عُراةً في ثيابِكُمُ = إذا تَعيبونَ مني في الكَفافِ رِدا
وما عليَّ مَلامٌ أن يُخاصِمَني = من لا تراه الموالي في الورى أحَدا
يُشَنِّعُ المرءَ تزيينُ السفيهِ له = وغايةُ المدحِ أن يهجوكَ مَن حَسَدا
وكيفَ يَأمَنُ حَيٌّ كَيْدَ شانِئِهِ = وليسَ يَسلَمُ مِن شانيهِ مَن لُحِدا
أما رأيتَ بسامرّاءَ كيفَ شَفَت = نواصِبُ الآلِ منها الغيظَ والكَمَدا
غداةَ هَدّوا بِدعوى الشِّركِ قُبةَ من = لولاهُمُ ما علا وقتَ الصلاةِ نِدا
العسكريين أعمى اللهُ ناظِرَةً = عليهما قد أقرت عينَ مَن جَحَدا
دع عنكَ من علَّقوا أوزارَهُم بِعُرى = شَراذِمٍ ما لها في الناعقينَ صَدى
ما صدَّعَ الدارَ إلا مَن سواعِدُهُ = قد سَمَّرَت في بقيعِ الغَرْقَدِ الوَتَدا
مَعالِمٌ قَوَّضَت فينا مَرابِعُها = أضالِعًا لو صَلاها العودُ لاتَّقَدا
عَقدتُ فيها لساني مُذ حَلَلْتُ بها = وَحَلَّ جفني لها بالرمشِ ما عُقِدا
بكيتُها لا لِرَسْمٍ زالَ أو طَلَلٍ = فلستُ ممَّن على أحجارِها وَفَدا
لكنْ بكيتُ بها دونَ الورى فِتَنًا = تُذكي بِهَدْمِ بيوتِ اللهِ ما خَمَدا
مُستذكِرًا في فَناءِ الدارِ غيرةَ مَن = لا تَجرؤُ الطيرُ حَوْمًا إن حِماه بَدا
الجهبذُ الجهضمُ الجهجاهُ إن شَدَهَتْ = بومُ الكتائبِ ما بالهامِ قد صَخَدا
واري الزنادِ أبا الفضلِ الذي ائتَزَرَتْ = بنو أُمَيَّةَ بالأكفانِ مُذ مُهِدا
والأَريَحِيُّ الذي يَقظانُ راحَتِهِ = يُسدي الجميلَ وَلَوْلا ذاكَ ما رَقَدا
فَذٌّ إذا ما نَوَى أمرًا يكاُد بِأَن = يُمضيهِ من قبلِ أن يُثني عَلَيْهِ يَدا
ما سَربَلَت ليلةٌ أشلاءَ غارَتِهِ = إلا تَنَفَّسَ صُبحُ الغارَةِ الصُّعَدا
يزدادُ بأسًا إذا ازدادَ الوغى صَخَبًا = والبحرُ لولا عَتِيُّ الريحِ ما زَبَدا
تخالُ صارِمَهُ من هَوْلِ صَيحَتِهِ = برقًا سَرى وَمْضُهُ في عارِضٍ رَعَدا
مِن أهلِ بيتٍ بلا جرحٍ حَديثُهُمُ = يُعزى إلى المصطفى مَتنًا ومُستَنَدا
فيهم ومنهم وعنهم هَدْيُ سُنَّتِهِ = ودونَ قائِمِهِم حُكمُ الكتابِ غَدا
توارثوا العلمَ عن أشياخهم تَبَعًا = كما توارثَ من عاداهم الحَسَدا
قومٌ إذا نُدِبوا لم يَدرِ نادِبُهم = أَفُرِّقَ العَزمُ إن هَبُّوا أم اتَّحَدا
فَكُلُّهُم بالوغى فَردٌ إذا احتَشَدوا = وكلُّ فردٍ بهم جيشٌ قد احتَشَدا
ساروا إلى الطَّفِّ معدودٌ عَديدُهُمُ = وطالما قلَّ أتباعُ الهُدى عَدَدا
فقَصروا العمرَ في هَدْيِ الأنامِ ولم = يَكُنْ لِيَحْيَى الهُدى إلا بِكَبشِ فِدا
في مَعشَرٍ كالجبالِ الراسياتِ سِوى = أنَّ المنايا بها قَد سَلَّكَتْ جُدُدا
تيمَّموا بِصعيدِ الأرضِ حين رَأَوْا = وَقَدْ ظَمى الدينُ أنَّ الماءَ قد فُقِدا
في مَوقِفٍ قد تمنَّت كلُّ ثاكِلَةٍ = لو أن مَولودَها من قبلِهِ وُئِدا
تَوارَت الجنُّ عن آكامِهِ جَزَعًا = ومَاجَت الإنسُ في غيطانِهِ حَرَدا
يومٌ تعطَّلت الأفلاكُ فيه ولم = تَزَلْ إلى يومِنا أجرامُهُ شُرَدا
استنجَدَ الفضلُ بالعباسِ فيه وما = على سِوى قربةِ للماءِ قد جُحِدا
فَثَوَّرَ النقعَ في مُهرٍ قوائِمُهُ = عَدوًا تُحَجِّمُ بالآفاقِ ما اطَّرَدا
كأنه البدرُ فيما اظلَمَّ من قَتَمٍ = بصارمٍ كشِهابٍ دون ما رَصَدا
حتى إذا لم يَجِد جودا يجودُ به = رمى الكفوفَ وما رَوَّى بها كَبِدا
وليس كُلُّ قليلٍ شَحَّ باذِلُهُ = وليس كل كثيرٍ في العطاءِ نَدى
لم أَنسَ إن أَنسَ نَعيَ السبطِ مقتلَهُ = غداةَ نكَّسَ وسطَ الخيمةِ العَمَدا
مُحدَوْدِبَ الظهرِ يُخفي الكبرياءُ به = ملامِحَ الكسرِ في حولٍ له نَفِدا
وما عسى المرءُ أن يقضي بِحيلَتِهِ = إذا بِهِ مالَ عند المَيلِ ما رَفَدا
هذا، وإن كنت طَوَّعتُ الحديدَ على = رثائِهِم بَيْدَ أني أغبِطُ الشُّهَدا
لكنَّ لهفي على اللاتي بِأَعْيُنِها = غَرَّ القذى قَتَدًا لما شَكَت رَمَدا
إذ طَوَّقَ الجيدَ منها حَبلُ ثاكِلِها = وإنما قد طَوى في جيدِه مَسَدا
فيا نَقيبًا تحرَّى بالأهلَّةِ من = شهرِ المحرمِ عُرجونًا له وُلِدا
أما إلى كربلا بالخلقِ ثمَّتَ من = حَمِيَّةً دَمُهُ في رأسِه جَمُدا
يطوي لها كل فَجٍّ لا على ضُمَرٍ = لكن على خاطِرٍ يطوي بِهِ البَلَدا
حتى يقولَ لمن قد زَمَّ في خَفَرٍ = خِدرَ الفواطِمِ إجلالًا لما عُهِدا
ما بال نسوَتِكُم حسرى تجوبُ بها = هُزلُ النياقِ بِقَيْدِ الأسرِ كلَّ مَدى
حيرى يُعَنِّفُها بالسَّوطِ بعدَكَ من = بالأمسِ دون حُدودِ الله قد جُلِدا
لعلَّ مُصطَرِخًا نَهيًا يصيحُ بِهِ = أنْ كبَّرَ اليومَ للثاراتِ مَن وُعِدا
فيملؤُ الأرض قِسطًا بعدما مُلِأَت = جَوْرًا وينقص أطرافًا لها لُبَدا
في فِتيةٍ كم أُمَنِّي النفسَ بينَهُمُ = لِآخِرِ العهدِ مني مَقتَلًا خَلُدا
فإن حتفَ الفتى في العزِّ مَوْلِدُهُ = وإن خوفَ الردى في الذل مِنكَ رَدى