أمُّ البَنين
بُكاءُ العَينِ من كَرَمِ الخِصالِ=و حُزنُ القلبِ من خيرِ الفِعالِ
و بَعضُ المرءِ ماءٌ في السَّجايا=و بَعضُ طِباعِهِ صِرفُ الرِّمالِ
و أمرُ تداوُلِ الأيامِ فينا=يُغَيِّرُ أصْلَ بَيضاءِ الزُّلالِ
و إنَّ العَقلَ لا يُجدي إذا ما=أماتَ العِلمُ عاطِفةَ الرِّجالِ
كذاكَ البدرُ مَشحوبُ الثَّنايا=إذا غابَت عنِ الأفقِ اللَّياليِ
تُعاتِبُك الصُّروفُ وربَّ عَتبٍ=عَليْكَ أشدُّ مِن وَقعِ النِّصالِ
و تطلُبُكَ المَنونُ و أنت منها=كَمَن رام العِناق مِن الظِّلالِ
و تبدو ضاحِكاً حتى ضَننّا=بأنَّك من جَميعِ الحُزنِ خالِ
كمِثلِ الشَّمسِ ضاحِكَةَ المُحيا=تَراءَتْ وهي دوماً في اشتِعالِ
و مَن ذاق الهوى كَتَبَت عليه=مقاتِلُهُ المماتَ بلا قِتالِ
بِنَفسي أيَّ كارِثةٍ أبالي=و أي مَخوفَةٍ أزْرَت بِحالي
و أيُّ ديارِ مَن أهوى طلولٌ=عليها واكِفاً أضحى مُذالي
و قَفتُ بها و ما وقَفَت دُموعي=أُسائِلُها فيُشجيها سُؤالي
دِيارٌ قد خَلَت من كلِّ ذِمرٍ=يُذَمَّمُ يومَ إهراقِ النَّوالِ
عَليهِ من خَيالِ المَجدِ ثَوْبٌ=فلَستَ تراه إلا في الخَيالِ
فَريدُ الجدِّ يومَ الجدِّ طِرفٌ=تَحدَّرَ في الكمالِ مِن الكمالِ
تَفرَّدَ في الخِصالِ فلا شَريكٌ=يُشارِكُهُ و ليس بذي مثالِ
و مَن مِثلُ الحُسَينِ مِنَ البَرايا=إذا عُدَّ الأواخِرُ و الأوالِ
و مَن مِثلُ الحُسينِ بَكَتهُ عَينٌ=كعَينِ اللهِ دامِيةَ الجلالِ
بِعَقلي من أخلَّ ثُباتَ عَقلي=و شطَّ به عن القلبِ احتمالي
و لَم أكُ قَبلَ يومِ الطَّفِّ أدري=بِأنَّ الصَّخرَ من دَمعِ الجِبالِ
و لَم أُبدِ قُبَيلَ العَشرِ حُزني=بِدامِيةِ الرَّوِيَّةِ و النِّضالِ
أيا ابنَ الخَيرِ من فِهرٍ سَحابٌ=لِحاظي و الرَّواعِدُ مِن مَقالي
فإنْ بَكَتِ الأنامُ عليك دَمعاً=فإنّي ذارِفٌ دَمعَ النِّبالِ
و إن ذَكِروا عزاك ذكرتُ فيهم=شجا أمِّ البنينِ ولستُ سالي
و لو أنَّ الأنامَ جفَتكَ طُراًّ=كفاك نحيبُها مِن كلِّ غالِ
فَدَتك بأربَعٍ كالمُزنِ جوداً=و أمثالِ الصَّواعِقِ في النِّزالِ
تَخالُ بِهِم عَلِياًّ يومَ أُحْدٍ=و حَمزةَ يومَ تقصيفِ العوالي
غَطارِفُ هاشِمٍ و حِمى لُوَيٍّ=ونجدَةُ غالِبٍ عِندَ السُّؤالِ
بِهم فَخَر التُّرابُ على الثُّريا=وكلُّ ملاصِقِ العَلياءِ عالِ
فذاك إذا اعتَزى للأُمِّ فَضْلٌ=و فضلُ النَّجمِ مِن فَضلِ الهلالِ
بَكَتهُم أدمُعاً و بَكتكَ روحاً=تردَّدُ بينَ تيارِ المجالِ
و قالت لا أظلَّ اللهُ عُمري=وأنتَ بغيرِ بارِدةِ الظِّلالِ
و لا ضلَّت عن العَبَراتِ عَيني=و أنت قَتيلُ أبناءِ الضلالِ
و لا ذُقتُ الزُّلالَ و أنت مُلقىً=على الرمضاءِ مَحرومَ الزُّلالِ
أذلنا فيك أنفاساً عليها=من العبراتِ جارِيةُ الدَّلالِ
و رُمنا أن نموت فما أمتنا=سِوى حُلوِ القَرابةِ و الوِصالِ
سأبكيك الحياةَ و بعد موتي=ولو أُلحِدتُ في كَنَفِ الرِمالِ
فِداك أبا الطفوفِ نَفيسُ نَفسي=و أولادي و حامِيتي ومالي
هَواك بِمُهجَتي و سوادِ عَيني=وكلِّ جوارحي فلك امتِثالي
عَلَيكَ الله صلى ما تَناهت=بِقَلبِ الحُزنِ عصماءُ السِّجالِ
محمد عبد الرضا الحرزي