قد خططنا للمعالي مضجعا
ديوان السيد حيدر الحلي
قد خططنا للمعالي مضجعا=ودفنا الدينَ والدنيا معا
وعقدنا للمساعي مأتماً=ونعينا الفخر فيه أجمعا
آه ماذا وارت الأرضُ التي=رمقُ العالم فيها اوُدعا
وارت الشخصَ الذي في حمله=نحنُ والأملاك سرنا شرعا
صاحب النعش الذي قد رُفعت=بركاتُ الأرض لمّا رفعا
ملكٌ حياً وميتاً قد أبى=قدرُه إلا الرواقَ الأرفعا
إنْ تسلني كيف من ذاك الحمى=فيه زاحمن العرينَ المسبعا
فبه أدنى إليه شبله=أسدَ الله وحيّاً ودعا
فأسلناها على إنسانها=حدقاً وهي تسمّى أدمعا
وبللنا تربة القبر الذي=دفنوا فيه التقى والورعا
وعقرناها حشاً فوق حشاً=يتساقطن عليه قطعا
ونضحناها ولكن مهجاً=صنع الوجدُ بها ما صنعا
فعلى ماذا نشدُّ الأضلعا=كذبَ القائلُ قلبي رجعا
وحللنا عقده الصبر أسى ً=وعلى الوجد شددنا الأضلعا
ورجعنا لا رجعنا وبنا=رمقٌ ممسكه ما رجعا
يا ابن ودّى إنَّ عندي فورة ً=تملأ الجنبين كيف اتسعا
فإلى مكة لي إنَّ بها=منتدى الحيِّ المعزّى أجمعا
ابتدرها واعتمد بطحاءها=إنها كانت لفهرٍ مجمعا
قف بها وانعَ قريشاً كلَّها=فقريشُ اليوم قد ماتوا معا
وتعمَّد شيبة َ الحمد وخذ=نفثة ً تحطمُ منها الأضلعا
قلْ له: إن متَّ قدماً وجعاً=فمت الآن بنعيٍ جزعا
صدعت بيضتكم قارعة ٌ=كبدُ الوحي عليها انصدعا
زال درعُ الهاشميين الذي=بردائيْ حسبيه ادَّرعا
وانطوى عزُّ نزار كلَّها=بمصابٍ سامها أن تخضعا
ما فقدتُ اليوم إلاّ جبلاً=نحوه يلجأ من قد روّعا
كان أرسى زمناً لكن على=مهج الأعداء ثم اقتلعا
شهرت أيدي المنايا سيفها=فاستعاذ الدهرُ منها فزعا
وحمى عن أنفه في كفّه=فإذا الأقطعُ يحمى الأجدعا
قرعت سمعَ الهدى واعية ٌ=أبداً في مثلها ما قُرعا
لو رأت ما غاب عينٌ لرأت=عيننا جبريلَ يُدمي الإصبعا
قائلاً: حسبُك ملْ عن هاشمٍ=وعلى الفيحاء عرّج مسرعا
إنها منعقدُ النادي الذي=قد حوى ذاك الجناب الأمنعا
قف بها وقفة عانٍ ممسكا=كبداً طاحت بكفٍ قطعا
وأنخ راحلة الوجد وقل:=لستِ يا أربعُ تلك الأربعا
إنما كنت على الدهر حمى ً=لم تجدْ فيك الليالي مطمعا
بعليم فيك قد أحيا الهدى=ومليكٍ قد مات البدعا
فالعمى والجورُ عنك افترقا=والجدا والعدل فيك اجتمعا
بأبِ الرشد إذا ضلَّ الورى=وأخي الجلّى إذا الداعي دعا
قد لعمري راعك الخطبُ بمن=كان في الخطب الكميَّ الأروعا
جدَّ ناعيه فقلنا هازلٌ ليس=يدري كنه مَن كان نعى
هاكِ يا أفعى اليالي كبدي=طارت الأحشاء منها جزعا
قد بكى الغيثُ أخاه قبلكم=فعمادُ المجد منك أو دعا
رحل «الصادقُ» منكم «جعفرٌ»=وبه الإسلامُ قسراً فُجعا
فإلى أين وهل من مذهبٍ=كابدوها غلة ً لن تنقعا؟
يا "أبا موسى" أضح لي=سامعاً وبرغمى اليوم أن لا تسمعا
بل كفاني لوعة ً أنّى أرى=منك أخلى الموتُ هذا الموضعا
أوما عندك في نادي العُلى=لم تزل تحلو القوافي موقعا؟
أين ذاك الوجهُ ما حيَّيته؟=بطريف المدح إلا التمعا
أين ذاك الكفُّ تندي كرماً؟=كلما جفَّ الحيا أو منعا
=فانهشي منها بنابيك معا
مات من يثنيك يا نضناضة ً=ترشحين الموت سمَّاً منقعا
واقشعري أيها الأرضُ بنا=فغمامُ الجود عنا انقشعا
وطرافَ المجد قوِّض زائلاً=
عثر الدهرُ فقولا لا لعاً=فخذا باللوم منه أو دعا
فلقد جاء بها قاصمة ً=خلعت صلبَ العلى فانخلعا
انتهت كلُ الرزايا عندها=فتعدّى العذلُ والعذر معا
أدرى أيّ صفاتٍ قرعا أم=درى أيّ قناة ٍ صدعا؟
فاستحالت مقلة ُ الدين قذاً=طبنه "المهديُّ" حتى هجعا
إنما "المهديُّ" فينا آية ٌ=بهر الخالقَ فيما ابتدعا
لم يزعزع حلمه الخطبُ الذي=لو به يقرع رضوى زعزعا
ملكَ الأجفانَ لكن قلبُه والجوى=خلف الضلوع اصطرعا
أيها الحاملُ أعباء العُلى=ناهضاً في ثقلها مضطلعا
مقتدى الأمَّة أنتم ولهم=بكم دينُ التأسّي شرعاً
يتداوى برقي أحلامكم=مَن بأفعى رزئه قد لُسعا
قد نشأتم في بيوتٍ لكم=أذن الله بها أن ترفعا
لا أرى الفيحاءَ إلا غابة ً=سبعٌ يخلفُ فيها سبعا
إن مضى عنها "أبو موسى"=فها "بأبي الهادي" إليها رجعا
من سراجٍ في سراجٍ=بدلٌ انطفى ذاك وهذا سطعا
ماجدٌ يبسط كفاً لم تزلْ=لمن ارتاد الندى منتجعا
ذو عُلى ً ما نالها العقلُ=ولا طائرُ الوهم عليها وقعا
سيّدٌ قال له المجدُ ارتفع=حيث لا تلقى السهى مرتفعا
وحّد القول له لكنَّه="بأبي القاسم" ثنّى متبعا
فجرى في إثره مرتفعا=يركب الجوزاءَ ظهراً طيّعا
وسنا المجد الذي في وجهه=ذاك في وجه الحسين التمعا
سادتي عفواً دهتني صدمة ٌ=أفحمت منّي الخطيبَ المصقعا
لم أخل ينعى لساني جعفراً=وبودِّي قبل ذا لو قطعا