حتام يا قلب هذا الوجد يضطرم = أخِلقةٌ فيك أم عاداتك الوجم
أم أن كل لبيب حزنه أبدٌ = فليس يفنى إلى أن يحدث العدمُ
أم أنه العقل مجهولٌ إذا قصرت = عنه العقول وحاطت ربه البهم
أم ذلك الطبع غلابٌ لمن ألفت = عيناه كل محبٍ شفّه السقمُ
أتهمت يا قلب رشداً لا يعي أرباً = فلست أدري علامَ أنت مصطلم
إن كنت لاغرضاً للغيد أو عرضاً = للبيْن أو نزِقاً قد هاجه نغم
ولست طالب دنيا أن تهم ولا = تخشى بخوض الردى أن تورث النعم
فما تقلّب طرفي في السماء وما = هذا المشيب وما شبت بي اللمم
وما التعلل في وصل الحياة وإن= جفاك موتٌ بها لم يجفك الهرم
برية الله عني شجو شاجرة = ما انفك لاهبها في الصدر يحتدم
أبث عن غايتي فيها شكاة فتاً = تقطعت دونه الأسباب والعصم
أقام عن همه في المجد همته = في كل هولٍ جرى عن سَلكه كرم
وضم نفساً طوت في جانبيه على = حداثة العهد ما قد أضمر القدم
إن نام ناظرها ما نام خاطرها = وإن أسف الورى عفّت بها الشيم
فيا محُث الخطى عن كل ذي ترة = ينعى الأحبة ما بانوا وما صرموا
أبلغ بنظمك نثري هدر شقشقة = بل حسبك النثر فيها وهي تنتظم
مرثية عرضت قح الدموع بها = ما أرتد طرفٌ لها إلا وسال دمُ
على الذين مضوا لله حين دعا = وخلفوا الدهر أحزاناً لمن قدموا
على الذين بهم شطّت رواحلهم = إلى الطفوف يؤم الموت عيسهم
من كل منتسب للرمح مدرع = بالبأس مرتجل للموت يلتثم
صيدٌ تُضَعضع عن أقدام راجلهم = بيدٌ تقر على أرجائها الأمم
ساد الورى شرفاً بالله خادمهم = وشاخ منهم بنا من ليس يحتلم
ساروا وتحسبهم موتى تهيم على = عين الحياة لوِرد الموت حين ظموا
في كل أروع إن جد الضراب بدى = جذلان في حتفه قد جاء يبتسم
تخال صارمه يوم النزال عصى = موسى تسيب بأحبالٍ وتلتقم
نيفٌ بواحدهم ضاق الفضاء على = جيش تضيق به الغيطان والأكم
كأنهم شهبٌ حول الحمى قذفت = فيها الشياطين دون السبط تنرجم
لله من ثابت بين الضلوع لهم = قرّت به أنفسٌ ثارت بها الهمم
في موقفٍ عنه طاشت كل جارحةً = وارتاعت الجن وارتابت به البهم
قضى الوقوف به صبراً يمحصهم = فمحصوا الصبر لمّا فيه قد هجموا
فوارسٌ لا ترى في العيش غايتها = ولا مقاصدها في الموت تنعدم
إن مات عن قتلهم طين تجسدهم = حيناً فما ماتت الأعراف والقيم
قد أعرجوا الروح خلداً عند بارئها = وفي الثرى خلفوا الأجساد ترتكم
أبكيهم الدهر ما هل المحرم في = عامي وكل شهوري بعدهم حرم
محادداً لا أمل النوح قد ألفت = عيني عليهم دموعي وهي تنسجم
ومجزعاً حيهم ندباً كما جزعت = في الطف صرعاهم العسلان والرخم
وحاسراً كل عمري مثلا هتكت = في السبي بعدهم النسوان والحرم
تلك التي حمّلت كرمى مخدرةً = من ثم سيقت توافى وهي تنشتم
ثكلى تلوى على وقع السياط ضناً = حرى تلظى على أطفالها الخيم
تقلها عجفٌ في كل شاطحة = لكل نادٍ به الأشهاد تزدحم
إني لأعجب في أمر الورى نقِماً = أما استشاطت على دين لهم نقم
تبدى بنات رسول الله في خربٍ = وفي القصور تصان القن والخدم
أم كيف من لم يفق من كرع خمرته = يغدوا عليهم أميراً دونه الحشم
أما تلوا في كتاب الله مورده = أن لا ينال عهود الله من ظلموا
أفي يزيد ثقاة الدين في ثقة = وفي الحسين ولاة الحق قد وهموا
تالله ما فتئوا في الجاهلية لا = قد آمنوا في الهدى يوماً ولا أحتكموا
ولا تزال وإن صلت جوارحهم = ترعى سرائرهم أن يعبد الصنم
تخال دون بني المختار وهو غداً = وتر الشفاعة فينا شفع وترهم
فلا هم قد رعوا في الدين ذمته = ولا بهم صلحت عن فطرة ذمم
يبيت كل دعيٍ بينهم ملكاً = وخلف كل شقي قدم أءتمموا
وسبط آل الهدى فيهم يعز له = الأمان وهو ببيت الله معتصم
كأنما أستقرأ الأحداث واقعة = لابن الزبير بأن لن يسلم الحرم
فحل ما حل تعظيماً لحرمته = وسار ما سار تشييداً لما هدموا
يسوق في العيد ركباً للحتوف كما = يسوق للهدي بدن العيد من رجموا
بنظرةٍ أحرمت للطف تلبية = من الحجاز على عهدٍ له برموا
حتى إذا وضعت في الروع ما حملت = أمٌ تنكر من في نصره زعم
وخلّفوه بشط النهر منفرداً = إزاء جيش كمد اليم يلتطم
يصول فيهم غريباً عزّ ناصره = كأنه السبع قد حاطت به القثم
مشعوب لبٍ بسهم لو رميت به = الأبراج في فلك قرّت به الجُرُم
تكاد تلظى لورد الماء مهجته = والماء يرتاع في لجّاته البهم
فلست تدري أهم عميٌ غداة رقى = فيهم خطيباً أم استشرى بهم صمم
لله أي جبين للنبي دمى = وأي قلب لهم في كربلاء رموا
وأي أضلع صدر منه حين قضى = بحافر الخيل تفرى ثم تلتحم
أينحر الشمر رأس السبط منتعلاً = وطالما لثمت من دونه القدم
أم هل يبيت ثلاثاً في العراء بلا = غسل ولا كفن لم تحوه الرجم
ياطاوي البيد عن هم يروّحه = بمتن هوجاء أحنى حرفها السأم
ترعى بإدلاجها رسم السراة ولا = ترعى لمدلجها في السير ما رسموا
قف حيث أنت وصح في كل بادية = يا طالب الثأر إن الدهر ينصرم
يا طالب الثأر ماذا بعد هل بقيت = دلائل عن أوان الوعد أو حكم
حتام يابن الهدى والرض قد ملئت = جوراً بداعي القضى في الصبر تحتكم
ما حال من فيك منّى نفسه سلماً = إذا بات يمنيه فيك الموت لا السلم
بقية الله ما في القلب باقية = تبقي على صبر من يذوي به الهدم
إن كنت تصبر ما تدري فإن لنا = من ألف عام قلوباً فيك تختصم
عجل فداك أبي فالدين قد هدمت = أركانه وأستبيحت دونك الحُرَم
عجل علينا فقد ضل الهداة كما = ضل العصاة وجار الذئب والغنم
عجل بصالحنا من قبل طالحنا = وأبدأ بمن عدلوا من قبل من ظلموا
فالكل جان وإن لم يأت فاحشة = سيان في الجرم من أموا ومن أمموا
وإننا معشرٌ نحيا على مهج = لو ضمها ميت هاجت به الرمم
نبيت حيث الندى والضيف جار بنا = وحيث حطت رحال الحرب نحتزم
تكاد تطوي بنا الآمال أزمنة = لنصب يوم به المرفوع ينجزم
بقية الله هذا شأن من يده = تتوق للسيف فأستجدى بها القلم
يخال أبياته سالي الهوى كلماً = ويعلم الصب حقاً أنها كلم
على إنتهاضك فينا سيدي حرضاً = أبني بها البيت حولاً ثم أنهدم
لعلني واقفٌ يوم أبثكها = وأنت مرتفعٌ في كفك العلم