بكتك العاديات على الدهور (مرثية أمير المؤمنين عليه السلام 2) مرتضى الشراري العاملي
بكتكَ العادياتُ على الدهورِ
سأبكي مثل شلاّلٍ غزيرِ=سأبكي قِبلتي وصدى ضميري
سأبكي سيّدي المولى عليّاً=مدى عمري إلى اليومِ الأخيرِ
ولو أنّ الدموعَ تصيرُ بحرا=فليسَ على إمامي بالكثيرِ ً
وذاكَ اليومَ لو ما انفضَّ زهرٌ=و لا عَبقتْ رياحينُ الزهورِ
ولا هبَّ النسيمُ على البوادي=ولا سُمعتْ تغاريدُ الطيورِ
فلا تعجبْ ، أتعجبُ من ظلامٍ=يحلُّ بغيبةِ الضوءِ الوفيرِ
ألا يا عينُ لا تبكي بدمعٍ=ولكنْ بالدماءِ على الأميرِ
وإنّي لن أخطَّ الشعرَ حتّى=أرى دمعاً بوجْناتِ السطورِ
ولولا الطفُّ أجرى في الأماقي=سيولاً من دموعٍ مع هديرِ
لما شهدتْ عيون الحقّ رُزءاً=كيومِ غيابِ بدركَ يا أميري
و يومُ الطفِّ يومك يا أميري=شهدتَ مصيرَهُ قبلَ المصير
شهدتَ مآسي الأطهار حتّى=غدا فردُ المصيبةِ كالعشيرِ
تجّرعتَ المصائبَ والبلايا=صبرتَ ،وليسَ مثلُكَ مِن صبورِ
أئمتُنا المنايا قد توالتْ=عليكم بالصدور و بالنحورِ
وبالهاماتِ والأحشاءِ سُمّاً=وبالحزنِ المطوّلِ والمريرِ
عجبتُ لهم وقد شهدوا غديراً=وهم أجرَوا دماءَكَ كالغديرِ !
فيا للّهِ كم ضربوا قلوباً=بضربةِ هامةِ العَلَمِ المنيرِ
وياللّه كم حشدوا ظلاماً=بقتلِ منارةِ العِلْمِ الغزيرِ
دنا منكَ الشقيُّ وفيهِ حِقدٌ=وفيهِ جرتْ براكينُ الشرورِ
بغدرٍ نالَ منكَ ولو تجلّى=يواجهُ ذا الفقارِ بلا ستورِ
يواجهُ مَن أبارَ الكفرَ بوراً=ليُعليَ شِرْعةَ المولى القديرِ
لرُوِّيتِ النواحي من دماهُ=وخرَّ بخزيِهِ نحو السعيرِ
فكمْ مِن فارسٍ روّتْ دماهُ=ترابَ الحربِ من سيفٍ مبيرِ
ولو عمرو بنُ وُدٍّ قام فينا=لحدّثنا عن الحَدَثِ المُثيرِ
ولو عرَفَ الذي أهوى بسيفٍ=على رأس سما فوقَ البدورِ
بأنّ السيفَ لولا كانَ عبداً=لأمرٍ خطّهُ قلمُ الخبيرِ
لقبّلَ رأسَ مولانا عليٍّ=وصار هناك تاجاً من حريرِ
بكتكَ الحربُ والسيفُ المثنّى=بكتكَ العادياتُ على الدهورِ
بكاكَ الحقُّ ظلُّكَ والفداءُ=وجفنُ العدلِ والزهدِ الغفيرِ
ستبكيكَ الدهور أيا إمامي=ورُزؤكَ سيّدي فوق الدهورِ
وتبكيكَ الفضائلُ ما تجلّتْ=كمسكٍ أو تهادت كالعبيرِ
ببيتِ اللهِ جئتَ إلى الحياةِ=وفيه رحلتَ عنها للمصيرِ
ومثلُكَ هل يليقُ به افتخاراً=سوى البيتِ المقدّسِ يا أميري
وبالسَحَرِ المقدّسِ سالَ عِرْقٌ=كما سالَ الشعاعُ على الأثيرِ
فهزَّ الكونَ عرضاً ثمّ طولاً=وحوّلهُ إلى قلبٍ كسيرِ
وأركانُ الهدايةِ قد تهاوتْ=بموتِكَ سيّدي وضحى السرورِ
وبحرُ العلم جفَّ عن البرايا=وغابَ عن المدى نجمُ الحبورِ
وكادت كلّ أزهار الروابي=يفارقُ حِضنَها عبَقُ العطورِ
إمامي المرتضى ، لو أنّ شمساً=هوَتْ من قبّةِ الكون الكبيرِ
لهانَ سقوطها في جنبِ بعدٍ=لكم عن عالمٍ منكم نضيرِ
مضتْ حِقَبٌ على رُزْءٍ تبدّى=كمثلِ النصلِ في صدرِ الشعورِ
ويبقى مهما قد طالَ الزمانُ=كنارٍ في حشاشاتِ الصدورِ
فيا بدرٌ تردّى عند فجرٍ=وظلّ بهاؤُه ملءَ العصورِ
بمرقدِكَ الشريفِ تطوفُ روحي=إذا بدني تأخّرَ في المسيرِ
وتلثمُ مشهداً للعينِ نورٌ=و نورٌ للفؤادِ وأيُّ نورِ