تركت حشاك و سلوانها
ديوان السيد حيدر الحلي
تركتُ حَشاكَ وسلوانَها=فخلِّ حشايَ وأحزانَها
أغض الشبيبة عني إليك=فقضِّ بزهوك ريعانها
ودعني اصارع همي وبت=ضريع مُدامك نَشوانها
قد استوطن الهمُّ قلبي فعفتُ=لك الغانياتِ وأوطانها
عدوت ملاعب ذات الأراك=فلست ألاعب غزلانها
وعفتُ غدائر بيض الخدود=فما أنشِقُ الدهر ريحانها
افق لست أول من لامني=على وصل نفسي تحنانها
فكم لي قبلك لوامة=تشاغلت مطرحاً شانها
تريني بالعذل غشفاقها=وفيه تلوّنُ ألوانَها
تُناشدني الصبر لكن تُريدُ=أن أعرف اللهو عرفانها
وما هي مني حتى تخاف=عليَّ الهمومَ وأشجانها
وما في ضلوعي لها مهجة ٌ=عليها تحاذرُ نيرانها
ولا بَين جفنيَّ عينٌ لها=من الكحل أغسل اجفانها
ولو ضمنت أضلعي قلبها=سلوت النوائب سلوانها
ولو وجدت بعض ما قد وجدتُ=لبلّت من الدمع أردانها
خَلا أنها مذ رأتني غدوتُ=لهيفَ الحشاشة حرّانها
فقالت أجدّك من ذي حشاً=جوى الحزنِ لازمَ ايطانها
لمن حُرقُ الوجد تذكي وراء=حنايا ضلوعك نيرانها
وتشجيك كل هتوف العشي=تردّد في الدوح ألحانَها
تسلَّ وبالله لما اغتنمت=من جدّة اللهو إبّانها
فقلت سلوتُ إذاً مُهجتي=إذا أنا حاولت سلوانها
كفاني ضناً أن ترى في الحسين=شفت آلُ مروان أضغانها
فأغضبت الله في قتله=وأرضت بذلك شيطانها
عشيّة َ أنهضها بَغيُها=فجاءته تركب طغيانها
بجمع من الأرض سد الفروج=وغطّى النجودَ وغيطانها
وطا الوحشَ إذ لم يجد مهرباً=ولازمت الطيرُ أوكانها
وحفّت بمن حيثُ يلقى الجموع=يثني بماضيه وحدانها
وسامته يركبُ إحدى اثنتين=وقد صرّت الحربُ أسنانها
فأمّا يُرى مذعناً أو تموت=نفس أبي العز إذعانها
فقال لها اعتصمي بالأباء=فنفسُ الأبيّ وما زانَها
إذا لم تجد غير لبس الهوان=فبالموت تنزعُ جُثمانها
رأى القتل صبراً شعار الكرام=وفخراً يزين لها شأنها
فشمَّر للحرب في مَعركٍ=به عرك الموتُ فِرسانها
وأضرمها لعنان السماء=حمراءَ تلفحُ أعنانها
ركينٌ وللأرض تحت الكماة=رجيف يزلزل ثهلانها
أقرُّ على الأرض من ظهرها=إذا ململ الرعب اقرانها
تزيد الطلاقة ُ في وجهه=إذا غيَّر الخوفُ ألوانها
ولمّا قضى للعُلى حقَّها=وشيد بالسيف بنيانها
ترجّل للموت عن سابقٍ=له أخلت الخيلُ ميدانها
ثوى زائدَ البِشر في صرعة ٍ=له حبّب العزُّ لُقيانها
كأَنَّ المنيّة كانت لديه=فتاة ٌ تواصل خِلصانها
جلتها له البيض في موقف=به أثكل السمر خرصانها
فبات بها تحت ليلِ الكفاح=طروب النقيبة جذلانها
وأصبح مشتجراً للرماح=تحلي الدما منه مرانها
عفيراً متى عاينته الكماة=يختطف الرعب ألوانها
فما أجلت الحرب عن مثلها=صريعاً يجبّن شُجعانها
تريب المحيا تظن السماء=بأنَّ على الأرض كيوانها
غريباً ارى ياغريب الطفوف=توسُّدَ خديك كثبانها
وقتلك صبراً بأيدٍ أبوك=ثناها وكسر أوثانها
اتقضي فداك حشا العالمين=خميص الحشاشة ضمأنها
ألستَ زعيمَ بني غالبٍ=ومِطعامَ فهر ومطعانها
فلِم أغفلت بك أوتارَها=وليست تعاجل امكانها
وهذي الأسنة والبارقات=اكالت يد المطل هجرانها
وتلك المطهمة المقربات=تجر على الأرض ارسانها
أجبناً عن الحرب يامن غدوا=على أوّل الدهر أخدانها
اترضى أراقمكم ان تعد=بنو الوزغ اليوم أقرانها
وتنصب اعناقها مثلها=بحيث تطاول ثعبانها
يميناً لئن سوفت قطعها=فلا وصل السيف أيمانها
وإن هي نامت على وِترها=فلا خالطَ النومُ أجفانها
تنامُ وبالطفِّ علياؤها=أُمية تنقضُ أركانها
وتلك على الأرض من أُخدمت=وربِّ السماوات سكّانها
ثلاثاً قد انتبذت بالعراء=لها تنسج الريح اكفانها
مصابٌ أطاشَ عقولَ الأنام=جميعاً وحير اذهانها
عليكم بني الوحي صلى الأله=ماهزت الريح افنانها