لذي سلم والبان
السيد أبو بكر بن شهاب الحضرمي
لذي سلم والبان لولاك لم أهوى = ولا ازددت من سلع وجيرانه شجوى
ولولاك ما انهلت على الخد أدمعي = لتذكار ما الروحاء تحويه من أحوى
فأنت الحبيب الواجب الحب والذي = سريرة قلبي دائماً عنه لا تطوى
وأنت الذي لم أصب إلا لحسنه = ولم يَلْهُ عن ذكراه سري ولو سهوا
وحيث اتخذت القلب مثوى ومنزلا = ففتشه وانظر سيدي صحة الدعوى
أورى إذا شببت يا ظبي حاجر = بزينب أو سلمى وأنت الذي تنوى
وإني وإن نلت المنى منك نازحا = على البعد عن مغناك مولاي لا أقوى
أبى الحب إلا أن أذوب صبابة = وغصن شبابي كاد للبين أن يذوى
تحملت أثقالاً بها أطّ كاهلي = من الشوق لا يقوى على حملها رضوى
وبي بين أحناء الضلوع لواعج = تغادر في الأحشاء جمر الغضا حشوا
إلى مَ احتمالي بالنوى مضض الهوى = وحتى مَ أفلاذي بنا الجوى تشوى
ثكلت حياتي أن أقمت ولم أقُد = مطية عزمي نحو منزل من أهوى
خليلي من فهر أجيبا مناديا = إلى الفوز يدعو لا للبنى ولا علوى
وكونا لدى الترحال والحط رفقة = لنضو اشتياق يمتطي للسرى نضوا
فيا حبذا إزماعنا السير ترتمي = بنا اليعملات السهل والشقة الشجوا
بأرقالها نرمي الفجاج ونقطع الهضاب = ونطوي في سرانا بها الدوا
ونهوى بها والشوق يحدو قلوبنا = مجدين حتى نبلغ الغاية القصوى
وما الغاية القصوى سوى المنزل الذي = لحصبائه العيوق يغبط والعوا
رحاب بها القرآن والوحي نازل = وجبريل في أرجائها ينشر الألوا
بلاد بها خير البرية ضارب = سرادقة واختارها الدار والمثوى
مدينة خير المرسلين وخاتم النبيين = والهادي إلى الأقوم الأقوى
حبيب إله العرش مأمونه الذي = بغرته في الجدب تستمطر الأنوا
نبي براه الله من نور وجهه = وأوجد منه الكون جل الذي سوّى
وابرزه من خير بيت أرومة = وأطهره ذاتاً وأشرفه عزوا
لآباء مجد ينتمي ولأمّهات = عزنجيبات إلى أمّنا حوّا
وبانت لدى ميلاده ورضاعه = براهين آي لا ترد لها دعوى
ومنذ نشأ لم يصب قط ولم يزغ = ولم يأت محظوراً ولم يحضر اللهوا
إلى أن أتاه الوحي بالبعثة التي = برحمتها عم الحضارة والبدوا
فأضحت به الأكوان تزهو وتزدهي = ولا بدع أن تاهت سروراً ولا غروا
وأسرى به الرحمن من بطن مكة = إلى القدس يختال البراق به زهوا
فقدمه الرسل الكرام وهل ترى = لبكر العلا غير ابن آمنة كفوا
وزج به والروح يخدمه إلى = طباق السما والحجب من دونه تطوى
إلى الملأ الأعلى إلى الحضرة التي = بها ربه ناجاه يا لك من نجوى
فأولاه ما أولاه فضلاً ومنّة = وأشهده بالعين ما جل أن يروى
وفي النزلة الأخرى تجلى إلهه = لدى سدرة من دونهما جنة المأوى
فما كان أزهى ليلة قد سرى بها = وعاد ولما تبد من فجرها الأضوا
فأكرم بمن أضحى بمكة داعيا = وأمسى إلى عرش المهيمن مدعوا
أتى وظلام الشرك مرخ سدوله = وبالناس عن نهج الرشاد عمى أروى
فما زال يدعوهم بحكمة ربه = إلى اليمن والإيمان والبر والتقوى
وأصبح يتلو سيد الكتب بينهم = فيا لك من تال ويا لك متلوا
فأعجز ارباب البيان بديعه = وأخرسهم رغماً وألغى به اللغوا
تنبئهم عن كل علم سطوره = وتخبرهم بالغيب من آيه الفحوى
فصدقه أهل السوابق والأولى = أتيح لهم أن يشربوا كاسه صفوا
وكذّبه قوم عن الحق قد عموا = وصموا بإعجاب النفوس بالطغوى
فسفه أحلام المشائخ منهم = وآذوه لما عاب دينهم الألوى
فهاجر من بطحاء مكة سارياً = وباتت عيون القوم عن نوره عشوا
فما راعهم إلا الصباح وأن رأوا = على رأس كل منهم الترب محثوا
وأم مع الصديق أكالة القرى = تلين له الشجوى وتطوي له الفجوا
فشرف إذ وافى منازل طيبة = وسكانها والترب والماء والجوا
وَألقى عصا التسيار إذ أحسنوا له = وللمؤمنين الأوس والخزرج المأوى
وفيها فشا الإسلام وإنبجست بها = عيون الهدى والحق وانزاحت الأسوا
وناصره الأنصار فيها وآمنوا = به وارعووا عن جهلهم أحسن الرعوى
وقاتل من لم يدخل الدين طائعا = وشن على أعدائه الغارة العشوا
وفرق شمل المشركين بعزمه = ثبات فما اسطاعوا لتمزيقه رفوا
وقاد إليهم جحفلاً بعد جحفل = ووالى عليهم في ديارهم الغزوا
يصبحهم من صحبه بفوارس = يرون مذاق الموت إن جالدوا حلوا
يخوضون لج الهول علماً بأن من = نجا من حتوف الحرب تقتله الأدوا
مآثر تروي عن حنين وخيبر =وعن أحد والفتح والعدوة القصوى
ولم لا وهم في نصر من سبح الحصى =بكفيه والأشجار جاءت له حبوا
وكلمه ضب الفلاة وسلمت=عليه ولانت تحت أخمصه الصفوا
وحنّ إليه الجذع شوقاً وإننا=من الجذع أولى أن نحن وأن نجوى
فأي فؤاد لم يهم في وداده=وأية نفس لا تزال به نشوى
ولما شكى العافون ما حل عندما=بأنيابها عضّتهم ألسنة السنوا
دعا فاستهل الغيث سبعاً بصيب=مريع سقى سفل المنابت والعلوا
فأينعت الأثمار فيها وأخرجت=غثاء من المرعى لأنعامهم أحوى
وعم العباد الخصب وأنجاب عنهم=بدعوته البأساء والقحط واللأُوا
أتى ناسخاً دين اليهود وشرعه = النصارى وأحيا بالحنيفة الفتوى
فما لغلاة السبت أبدوا جحوده = عناداً وفي التوراة أنباؤه تروى
وما للنصارى أنكروا بعثة الذي =بأخباره الانجيل قد جاء مملوا
فبعداً لكم أهل الكتابين إنكم = ضللتم على علم وآثرتم الأهوا
ولا بدع أن يرضى العمي بالهدى = من أرتضى الفوم والقثاء بالمن والسلوى
ومن يبتغ التثليث ديناً فلن ترى = له أُذناً للحق واعية خذوا
ولو أنهم دانوا بدين محمد = وملته لاستوجبوا العز والبأوا
ألا يا رسول الله يا من بنوره = وطلعته يستدفع السوء والبلوى
ويا خير من شدّت إليه الرحال من = عميق فجاج الأرض تلتمس الجدوى
إليك اعتذاري عن تأخّر رحلتي = إلى سوحك المملوء عمّن جنى عفوا
على أن خمر الشوق خامرني فلم = يدع في عرقا لا يحن ولا عضوا
وإني لتعروني لذكراك هزة = كما أخذت سلمان من ذكرك العروا
وما غير سوء الحظ عنك يعوقني = ولكنني أحسنت في جودك الرجوا
وها أنا قد وافيت للروضة التي = بها نير الإيمان ما انفكَّ مجلوا
وقفت بذلي زائراً ومسلّما = عليك سلام الخاضع الرابع الشكوى
صلاة وتسليم على روحك التي = إليها جميع الفخر أصبح معزوّا
عليك سلام الله يا من بجاهه = ينال من الآمال ما كان مرجوا
عليك سلام الله يا من توجّهت = إلى سوحه الركبان تطوي الفلا عدوا
عليك سلام الله يا سيّداً سرت = بهيكله العضباء ترفل والقصوا
سلام على القبر الذي قد حللته = فأضحى بأنوار الجلالة مكسوا
إليك ابن عبد الله وافيت مثقلاً= بأوزار عمر مر معظمه لهوا
غفلت عن الأخرى وأهملت أمرها = وطاوعت غي النفس في زمن الغلوا
ومنك رسول الله أرجو شفاعة = تغادر مسود الصحائِف ممحوا
ولي في عريض الجاه آمال فائز = بما رامه من فيض فضلك مبدوا
ومن سِرِّك ابذر في فؤادي ذرة = لأرجع بالعلم اللدُنِّي محبوا
على عتبات الفضل أنزلت حاجتي = وتالله لا يمسي نزيلك مجفوا
وقد صح لي منك انتماء ونسبة = إليك لسان الطعن من دونها يكوى
وأنت الذي تأوي النزيل وتكرم السليل = وترعى الجار والصهر والحموا
وقد مسّني من أهل بيتي وبلدتي = أذى وكثير منهم أكثروا العدوا
فكن منصفي بالصبر ضاق نطاقه = وخذلي بحقي يا ابن ساكنة الأبوا
وقابل بألطاف القبول مديحة = مبرأة عن وصمة اللحن والإِقوا
بمدحك تزهو لا برونق لفظها = وترجو على الأتراب أن تدرك الشأوا
تؤمل أن يسقي محررها غدا = من الكوثر المورود كأساً بها يروى
وصلى عليك الله ما أنهل صيب= من المزن فاخضلت بجناته الجنوى
صلاة كما ترضى معطرة الشذا = تفوح بها في الكون رائحة الغلوى
ويسري إلى أرواح آلك سرها = وصحبك والأتباع في السر والنجوى