إلام دمعك لا يرقا
ديوان الدمستاني الصغير - الشيخ أحمد الدمستاني
إلامَ أخا الأحزانِ دمعُكَ لا يَرقَا=تَنُوحُ بِعالي الصَّوتِ ما نَاحَتِ الوَرقَا
و تَذكُرُ أياماً مَضَينَ و فِتيَةً=تَخَطَّفَهُم رَيبُ الزَّمانِ فما أبقَى
و تَصعَقُ مَسلُوبَ القَرارِ مُوَلَّهاً=مَروعاً إذا ما شِمتَ مِن بارِقٍ بَرقَا
و تَدعو بِأطلالٍ خَلَينَ و أربُعٍ=عَفَينَ فَلَم تَملِك جَواباً و لا نُطقَا
و ما الحُزنُ لِلأطفالِ إلا سَفَاهَةً=تَدَاوَلَها في الأعصُرِ السَّفلَةُ الحَمقَى
نَعَم قَلَّ إتلافُ النُّفوسِ إلا سَفاهَةً=لأجلِهِم باريهِم خَلَقَ الخَلقَا
بَني المُصطفى خَير الوَرَى عِصمَةِ المَلا=بُناةِ العُلى مَحضُ الوَلاءِ لَهُم حَقَّا
أدِلَّاءِ نَهجِ الحَقِّ حُفَّاظِ دينِهِ=و مَن أوضَحوا لِلسَّالِكينَ لَهُ الطُّرقَا
أحِبَّتِهِ الأدنَينَ حُجَّتِهِ على=جَميعِ الورى سُحقاً لِظالِمِهِم سُحقَا
تَعَاقَدَتِ الأرجاسُ من كل كافِرٍ=بما أنزَلَ الرَّحمانُ لا يَعرِفُ الحَقَّا
على ظُلمِ آلِ المُصطفى الطٌّهرِ بَعدما=أذاقوهُ مِن ضُرِّ البَليَّاتِ ما شَقَّا
و أما أميرُ المُؤمِنينَ وَصيٌّهُ=فَقَد غَصَبوا مِنهُ إمارَتَهُ (..)
و قادُوهُ (..) مُلتَبّاً=و راموا لِبَيتِ المُصطفى الهَتكَ و الحَرقَا
و آذَوهُ حتى قَد أراقوا دِماءَهُ=بسَيفِ المُراديِّ ابنِ مُلجِمٍ الأشقَى
و بَضعَتُهُ الزهراءُ حازوا تُراثَها=و دَقُّوا بِضَربِ السَّوطِ جُثَّتَها دَقَّا
و سَمُّوا ابنَها الزَّاكي حتَّى قضى و قَد=أحالَ كَثيرُ السُّمِّ جُثَّتَهُ زَرقَا
و أعظَمُ خَطبٍ هَدَّ مَوقِعُهُ الهُدى=و شُقَّت قُلُوبُ المُؤمِنينَ لَهُ شَقَّا
مُصيبَةُ مَولانا الحُسَينِ بِكَربلا=فإنَّ لَظَى أحزانِها شَمَلَ الخَلقَا
أمثِلُهُ فَرداً على الجَمعِ هائِلاً=كَصَولَةِ لَيثٍ حينَ سَربَ القَطا يَلقَى
فَكَم بَتَّ بالبَتَّارِ مِن عُمرِ مارِدٍ=و كَم بَطَلٍ بالرُّمحِ فَوقَ الثَّرى ألقَى
متى التَمَعَت في البُعدِ صَفحَةُ سَيفِهِ=بِوَجهِ هِزَبرٍ خَرَّ خَوفَ الرَّدى مُلقَى
فَلَو شاءَ قَتلَ الجَمعِ أجمَعَ بَل و مَن=على الأرضِ مِن كُلِّ الخَلائِقِ ما شَقَا
و لا غَروَ فالأكوانُ طَوعُ يَمينِهِ=مَقاليدُها طُرّاً بِقَبضَتِهِ تُلقَى
و لكِنَّ باريِهِ الرَّؤُوفَ الرَّحيمَ قَد=دَعاهُ إلى لُقياهُ فاغتَنَمَ المَلقَى
فَلَبَّاهُ مُرتاحاً إلى نَيلِ قُربِهِ=فَخَرَّ بِسَهمٍ خارِقٍ قَلبَهُ خَرقَا
على الأرضِ مَصروعاً عَنِ السَّرجِ هاوياً=و أنوارُهُ تَعلو على القُبَّةِ الزَّرقَا
فجاءَ لَهُ الشِّمرُ الضِّبابيُّ راقِياً=على صَدرِهِ السَّامي فَيا لَكَ مِن مَرقَى
فَقَالَ لَهُ مَن أنتَ يا شَرَّ مُعتَدٍ=أَأَنتَ خَبيرٌ أيَّ صَدرٍ لَهُ تَرقَى
أَلَستُ أنا سِبطَ النَّبيِّ و والِدِي=عَلِيٌّ وَلِيُّ اللهِ و العُروَةُ الوُثقَى
و بِنتُ رَسولِ اللهِ أُمِّي و حُبُّها=غَدا في غَدٍ مِن حَرِّ نارِ اللَّظى عُتَقَا
فقالَ لَهُ الرِّجسُ المُزَنَّمُ إنَّني=لأعلَمُ حَقاً كُلَّماً قُلتَهُ صِدقَا
و لكِنَّي أرجو بِقَتلِكَ حُظوَةً=أفوزُ بِها عِندَ الأميرِ و لَو أشقَى
فقالَ لَهث يا شِمرُ ما تَرتَجيهِ مِن=يَزيدَ حَقيرٌ سَوفَ يَفنَى و لا يَبقَى
و ما عِندَنَا باقٍ جَليلٌ ثَوابُهُ=رِضَى اللهِ يا شِمرُ فَهَل تَعرِفِ الفَرقَا
و إن كُنتَ يا مَلعونٌ لا بُدَّ قاتِلِي=فَإنِّي سألقَى اللهَ يا حَبَّذا المَلقَى
و ألقى رسولَ اللهِ جَدِّي و والِدي=بِجَنَّةِ عَدنٍ قَد أُعِدَت لنا رِزقَا
و تُحشَرُ يا مَلعونُ أنتَ بِهَبهَبٍ=مع ابنِ زيادِ الرِّجسِ و الأخسَرِ الأشقَى
فَمَا ازدادَ قَلبُ الرِّجسِ إلا قَسَاوَةً=و جَرَّدَ مَصقولاً لَهُ يُشبِهُ البَرقَا
يَرومُ بِهِ أمراً مَهولاً فَلَهجَتي=لِشِدَتِهِ لا تَستَطيعُ بِهِ النُّطقَا
فَلَيتَ رَسولَ اللهِ يَشهَدُهُ لُقىً=و جُثَّتُهُ في فَيضِ أوداجِهِ غَرقَى
و يَشهَدُ مِن فَوقِ السِّنانِ كَريمَهُ=كَشَمسِ الضُّحى أنوارُهُ تَملأُ الأُفقَا
و يَشهَدُ زَينَ العابِدِينَ مُكَبَّلاً=يُكابِدُ مِن ضُرِّ البَليَّاتِ ما شَقَّا
و يَشهَدُ رَبَّاتَ الخُدُورِ حواسِراً=تُقاسي الرَّزايا ما لَها أحَدٌ رَقَّا
متى نَظَرَت مِن خَلفِها أو أمامِها=تَرَى ما بِهِ تَنشَقُّ أكبادَها شَقَّا
ترى رأسَ مَولاها الحُسَينِ أمامَها=و جُثمانَهُ من خَلفِها بالعَرا مُلقَى
بِلا جَدَثٍ و الحَرُّ يَصهَرُهُ و ما=لَهُ غَيرَ نَسجِ الرِّيحِ مِن كَفَنٍ يُلقَى
إذا غَلَبَت أحزانُها و كُرُوبُها=عَلَيها و كادَ الوَجدُ يَخنِقُها خَنقَا
دَعَت بِرَسولِ اللهِ لَيتَكَ حاضِراً=فَتَنظُرَ ما مِن كَيدِ أعدائِنا نَلقَى
رَمَتنَا اللَّيالي العادِياتِ بِأَسهُمٍ=مِنَ البَغيِ ما تَنفَكُّ تَرشُقُنا رَشقَا
و سِبطُكَ يا جَدَّا و مَن قَد فَدَيتُهُ=بِنَجلِكَ إبراهيمُ إيثارَ أن يَبقَى
سَقَوهُ بِكأسِ المَوتِ ذَبحاً مِنَ القَفَا=على ظَمَإٍ و الماءُ مُندَفِقٌ دَفقَا
و خَلُّوهُ مَطروحاً على الأرضِ عارِياً=و دَقُّوا بِرَكضِ الخَيلِ جُثمانَهُ دَقَّا
و شالوا على الرُّمحِ الطَّويلِ كَريمَهُ=و طافَ بِهِ أعداؤُهُ الغَربَ و الشَّرقَا
و ها نَحنُ يا جَدَّاهُ في الأسرِ حُسَّراً=و عَينُ العِدا بالبَغضِ تَرمِقُنا رَمقَا
إذا ما تَوَجَعنا مِن الحُزنِ أوجَعوا=جَوانِبَنا ضَرباً يُمَزِّقُنا مَزقَا
و هذا عَليُّ بنُ الحُسَينُ مُقَيَّدٌ=يُقَنَّعُ بالأسواطِ حَيثُ لنا رَقَّا
نُساقُ على أقتابِ بُدنٍ هَدِيَّةً=لِوَغدِ بَني سُفيانَ سُحقاً لَهُ سُحقَا
إلَيكُم وُلاةَ الأمرِ مِنِّي هَدِيَّةً=يَهيمُ بِها قَلبُ المُحِبِّ لَكُم عِشقَا
يُرَجِّي لها مَولاكُمُ القَنُّ أحمَدٌ=قَبولاً فَيَحظى بِالنَّعيمِ الَّذي يَبقَى
عُرُوضاً لِقَولِ الماجِدِ النَّدبِ والِدي=(بُغاةَ العُلى إنَّ العُلَى صَعبَةُ المَرقَى)
سَنَسعَدُ فيكُم بالمَحَبَّةِ في غَدٍ=و مُبغِضُكُم مِن غَيرِ شَكٍّ بِكُم يَشقَى
عَلَيكُم سَلامُ اللهِ ما طارَ طائِرٌ=و ما رَقَّ مَحزونٌ و ما صَدَحَتْ وَرقَا