أسمعت لكن ما دعوت سميعا
ديوان الدمستاني الصغير - الشيخ أحمد الدمستاني
أسمَعتَ لكن ما دَعَوتَ سَميعَا=و أمَرتَ لكِن ما أمَرتَ مُطيعَا
و دَعَوتَ لِلسِّلوانِ صَباً قَطَّعَت=مُضَضُ المَصائِبِ قَلبَهُ تَقطيعَا
و أذابَ مُهجَتَهُ الجَوَى فَتَصَدَعَت=و تَحَدَّرَت مِن مُلَتيهِ دُمُوعَا
دَع عَذلَهُ فالعَذلُ لَيسَ يُفيدُهُ=إلَّا غَراماً مُغرِياً و وُلُوعَا
لو ذُقتَ مِن صابِ المُصابِ عَذَرتَ مَن=أمسى يُجَرَّعُ كأسَهُ تَجريعَا
أو كُنتَ مَفجوعاً بِفَقدِ أحِبَّةٍ=ما لُمتَ صَباً فاقِداً مَفجوعا
هذا و ما أشجاهُ جِيرانُ الغَضَا=أو بارِقٌ مِنهُ استَقَلَ لُمُوعَا
كَلَّا و لا وادي العَقيقِ مَتَى رأى=مِنهُ مَنَازِلَ أقفَرَت و رُبُوعَا
لكِنَّما أشجاهُ أفظَعُ حادِثٍ=سَمَعَ الوَرَى مِمَّا يُعَدُّ فَظيعَا
و بَكَت بَهُ حُزناً مَلائِكَةُ السَّمَا=و كَذَا السَّما هَطَلَت عَلَيهِ نَجيعَا
حَيثُ الحُسَينُ ابنُ البَتولَةِ قَد غَدَا=في كَربلاءَ على الصَّعيدِ صَريعَا
جُثمانُهُ فَوقَ الصَّعيدِ و رأسُهُ=يَعلو مِنَ السُّمرِ اللِّدانِ رَفيَعا
في فِتيَةٍ جادوا بِأَنفَسِ ما بِهِ=جادَ امرَأٌ في العالَمين جَميعَا
طَهُرَت بَوَاطِنُهُم و أشرَقَ سِرُّهُم=و صَفَا فَكَانَ حِجابُهُ مَرفَوعَا
حتَّى رأوا رأيَ العِيانِ جَميعَ ما=ذَخَرَ الإلهُ لِمَن أتاهُ مُطيعَا
فَتَشَوَّقوا لِلمَوتِ و ارتاحوا لَهُ=تَحتَ الصَّوارِمِ رَغبَةً و وُلُوعَا
أفدي الحُسَينَ عَقيبَهُم لَمَّا أتى=خِيَمَ النِّساءِ يُكَرِّرُ التَّوديعَا
إنِّي مُوَدِّعُكُم وَدَاعَ مُفارِقٍ=لا يَرتَجي بَعدَ الفِراقِ رُجُوعَا
و اللهُ كافِلُكُنَّ و هوَ خَليفَتي=و كَفَى بِهِ كَهفاً لَكُنَّ مَنيعَا
فاصبِرنَ في البَلوى فإنَّ اللهَ لا=يَرضى مُصاباً في المُصابِ جَزوعَا
فإذا رأيتُم جُثَّتي مَخضوبَةً=بِدَمي و رأسي في القَنَا مَرفوعَا
فاحذَرنَ أن تَعيَ العِدا مِنكُنَّ=إعوالاً و إن كانَ المُصابُ فَظيعَا
و اجهَدنَ في إخفاءِ ما نِلتُنَّ مِن=ألَمٍ و إن كانَ الفُؤادُ وَجيعَا
و سَعى إلى حَربِ العِدا فَتَعَلَّقَت=فيهِ أكفُفُّ الطَّاهِراتِ جَميعَا
و سَقَطنَ فَوقَ رِكابِهِ يَلثِمنَهُ=لَثمَ الغَرامِ تَضَرُّعاً و خُشوعَا
و يَقُلنَ يا خَلَفَ النَّبيِّ و حَيدَرٍ=أتَرَاكَ مِن فَوقِ التُّرابِ صَريعَا
و نَعيشُ بَعدَكَ إنَّ ذاكَ لَمُعجِبٌ=لا كانَ مَرثياً و لا مَسموعَا
أفديهِ إذ يَلقى الأعادي حامِلاً=عَضُباً كَمُتَّقِدِ الشَّهابِ لَموعَا
ما أبصَرَتهُ عَينُ قَرمٍ باسِلٍ=إلا تَصَدَّى لِلفِرارِ هَلوعَا
ما زالَ في كَرِّ النِّزالِ مُجاهِداً=حَتَّى أبادَ مِنَ الطُّغاةِ جُمُوعَا
حتَّى أُصيبَ بِطَعنَةٍ في صَدرِهِ=فانحَطَّ عَن ظَهرِ الجَوادِ صَريعَا
أفديهِ مَطروحاً على وَجهِ الثَّرى=حاكَت عَلَيهِ العاصِفاتُ دُرُوعَا
لا غَروَ إن بَكَتِ السَّماءُ لِرِزئِهِ=و الأرضُ في طُولِ الزَّمانِ نَجيعَا
لَهفي عَلَيهِ و هَل يُفيدُ تَلَهُّفٌ=لَمَّا غَدَا مِنهُ الكَريمُ قَطيعَا
عَزَّ الفِداءُ و مَن عَسَى يُفدى بِهِ=مِثلُ الحُسَينِ مِنَ الأنامِ جَميعَا
إذ كانَ لَم يُقبَل سِواهُ فِدىً كَإِ=سمَاعيلَ إذ وافى مُنَىً مَضجُوعَا
لَهفي لِنِسوَتِهِ أُسارَى بَعدَهُ=ثَكلَى تَصِبُّ عُيُونُهُنَّ دُمُوعَا
رُكِّبنَ مِن فوقِ الجِمالِ بِلا وَطَاً=تَتَجَاوَبُ التِّزفارَ و التَّرجيعَا
تَخفي التَّنَحُّبَ عِفَّةً و الحُزنُ قَد=يُبدي الَّذي في قَلبِها مَودُوعَا
فَتَظَلُّ تَدمِجُ شَهقَةً في زَفرَةٍ=كادَت تُقَطِّعُ قَلبَهَا تَقطيعَا
تَدعو النَّبيَّ مُحَمَّداً و تَقولُ يا=جَدَّا عَسَاكَ لِما نَقولُ سَميعَا
أو ناظِراً فَتَرَى و تَسمَعُ ما جَرَى=في كَربَلا مِمَّا يَجِلُّ وُقُوعَا
جارَ الزَّمانُ و زادَ في عُدوانِهِ=ما لَم يَكُن فيما مَضَى مَسموعَا
و أطالَ باعَ بني العُلُوجِ فَأَظهَروا=ما كانَ عُنصُرُهُم بِهِ مَطبُوعَا
كَبَني أبي سُفيانَ صَبَّ اللهُ في=ساحاتِهِم سُحَبَ العَذابِ سَريعَا
قَتَلوا حُسَيناً سِبطَكَ السَّامي الَّذي=ما زالَ حِصناً لِلأنامِ مَنيعَا
و كَذَا أَعِزَّةَ هاشِمٍ و حُماتَهَا=حتَّى صَبياً في المِهادِ رَضيعَا
و سَبَوا بَنَاتِكَ كَالإماءِ و أوضَعوا=مِن قَدرِها ما لَم يَكُن مَوضُوعَا
هذا حِمانا يُستَبَاحُ و طالَما=أمسَى بِنا الجَارُ الوَضيعُ رَفيعَا
لا يَطمَعُ الوُفَّادِ في مِعادِنا=و عَدُوُّنا لا يَحذَرُ التَّقريعَا
فَعَلَى أُمَيَّةَ لَعنَةٌ و على الَّذي=قد كانَ فيما يأمُرونَ مُطيعَا
يا سادَةً بَزَغَت شُمُوسُ جلالِهِم=في الكَونِ حتَّى أورَثَتهُ سُطُوعَا
شاهَدتُ نُورَ جَمالِكُم فَعَشِقتُهُ=طَبعاً و زادَني الوِدادُ وُلُوعَا
و أنا الَّذي جُعِلتُ خَميرَةُ طينَتي=مِنهُ فَكَانَ بِسِنخِهَا مَودُوعَا
و رَضَعتُهُ مِن ثَدي طاهِرَةٍ صَفَت=لَبَناً فَكَانَ حُثالُهُ مَنزوعَا
أتَرَونَ يُمكِنُ انَّ نارَ جَهَنَّمٍ=تُصلي امرَءاً مِن حُبِّكُم مَصنوعَا
هذا رَجائي فيكُم و عقيدَتي=أنِّي أكونُ بِفَضلِكُم مَمنُوعَا
حاشا لأَحمَدَ و هوَ رِقُّ وِدادِكُم=يَومَ القيامَةِ أن يَكونَ جَزوعَا
أنتُم أماني في المَعَادِ و جُنَّتي=و كَفَى بِكُم حِصناً لَدَيَّ مَنيعَا
و كَذاكَ آبائي و أولادي و مَن=أمسى لَكُم دونَ الأنامِ مُطيعَا
ثُمَّ الصلاةُ على النَّبيِّ و آلِهِ=ما سَحَّ غَيثُ المُعصِراتِ هُمُوعَا