قتلته أشقى أمّة كفرت
ديوان الدمستاني الصغير - الشيخ أحمد الدمستاني
ذَكَرَ المَشَاعِرَ و الحُجُونَ و زَمزَمَا=فَحَدا بِهِ حادي الغَرامِ و زَمزَمَا
و أثارَ تَذكارَ المَنازِلِ مِن مِنىً=و الخِيفَ مَن عَينَيهِ دَمعاً عَندَمَا (1)
للهِ مَوقِفُنا بِجَمعٍ سَحرَةً=مِن بَعدِ أن سَمَرَ الحَجيجُ و أعتَمَا
و وُقوفُنا كُلٌّ بِمُنعَرِجِ اللِّوى=يَرمي الجِمارَ مُكَبِّراً و مُعَظِّمَا
حتى إذا نَفَر الحَجيجُ و قُوِّضَت=تِلكَ القِبابُ الغُرُّ من ذاكَ الحِمى
كُلٌّ أشارَ بِطَرفِهِ لِحَبيبِهِ=حَذَرَ الرَّقيبِ مُوَدِّعاً و مُسَلِّمَا
و تَرَحَّلوا و القَلبُ يَقفو إثرَهُم=خَلفَ الرَّكائِبِ حَيثُ أمُّوا يَمَّمَا
و أهالُهُ لَم يَلتَحِق بِهِمُ و لَم=يَرجِع إلَيَّ فَيَستَريحُ و يَسلَمَا
لَم يُنسِنِي تِذكارَهُم شَيءٌ سِوى=قَتلُ الحُسَينِ بِكَربَلاءَ على ظَمَا
قَتَلَتهُ أشقى أمَّةٍ كَفَرَت بِما=قَد حَلَّلَ الباري و ما قَد حَرَّمَا
مَنَعوهُ مِن وِردِ الفُراتِ و أورَدُوا=في نَحرِهِ سَهماً و سَيفاً و مُخذَمَا
أفديهِ سِلماً لِلمَنيَّةِ راضياً=مِن بَعدِ قَتلِ حُماتِهِ مُستَسلِمَا
ما لاحَظَت عَيناهُ إلَّا لاحَظَت=أمراً مَهولاً لِلفُؤادِ مُؤَلِّمَا
أولادُهُ مِن حَولِهِ مَذبُوحَةٌ=تَجري مُناحِرُهُم على البَوغا دَمَا
و جُيُوشُ أهلِ البَغي تَطلُبُ قَتلَهُ=كُلٌّ يَراهُ واجِباً مُتَحَتِّمَا
و فُؤادُهُ كالجَمرِ مِن حَرِّ الظَّما=ما بَلَّهُ شَيءٌ سِوى فَيضُ الدِّمَا
و حَريمُهُ مِن حَولِهِ مَفجوعَةٌ=تَشكو مُصيبَتَها إلى رَبِّ السَّمَا
لو أنَّ بَعضَ خُطُوبِ وَقعَةِ كَربلا=دَهَمَ القَوىَّ القَلبِ ذَلَّ و أحجَمَا
لكِنَّهُ سِرُّ الإلهِ و جَنبُهُ=و يَمِينُهُ اللَّاتي أبَت أن تُحسَمَا
فَسَطَا على الجَمعِ الكَثيرِ بِنَفسِهِ=فَردَاً بِقَلبٍ لا يَهَابُ مُصَمِّمَا
فَتَفَرَّقوا مِن خَوفِ شِدَّةِ بأسِهِ=مِثلَ النِّعاجِ إذا بَصُرنَ الضَّيغَمَا
ما شامَ بارِقَ سَيفِهِ مِن مارِقٍ=إلا و قَد جَعَلَ الهَزيمَةَ مَغنَمَا
لكِن قُصارى حَربِهِم أن يَرشُقُوا=جُثمانَهُ بِسِهامِ مَوتٍ قَلَّمَا
تُخطي جَوارِحَهُ فَتَخرُقُ جِسمَهُ=بِنِصالِها حَتَّى تُخَضَّبَ بِالدِّمَا
أو طَعنَةٌ مِن خَلفِهِ في خِلسَةٍ=مِن كافِرٍ جَحَدَ الإلهَ الأعظَمَا
حَتَّى دَعاهُ رَبُّهُ لِيُذيقَهُ=شَهدَ الشَّهادَةِ كَي يَفوزَ و يَغنَمَا
فأجابَهُ لَبَّيكَ فِزتُ بِرُتبَةٍ=جَلَّت و عَزَّت أن تُحَدَّ و تُرسَمَا
فانحَطَّ عَن ظَهرِ الجَوَادِ مُجَدَّلاً=للهِ فيما قَد قَضاهُ مُسَلِّمَا
فَدَنَا لَهُ الشِّمرُ المُزَنَّمُ راقياً=بِنِعالِهِ الصَّدرَ الشَّريفَ الأعظَمَا
فَدَعَاهُ يا أشقى الأنامِ و رِجسَهُم=مِن أنتَ قَد أوهَيتَ صَدري بِئسَمَا
طَلَبَتهُ نَفسُكَ يا لَعينُ سَفَاهَةً=يابنَ الضِّبابي أما تَخَافُ جَهَنَّمَا
يا شِمرُ هل مِن شَربَةٍ أُطفي بِها=حَرَّ الأُوامِ فَقَد أضَرَّني الظَّمَا
فأبى و قالَ لَهُ سَأَسقيكَ الرَّدَى=مِن حَدِّ سَيفي قَبلَ أن تَحظَى بِمَا
و بَرَى الكَريمَ مِنَ الكَريمِ و شالَهُ=مُتَأَلِّقاً كالشَّمسِ في كَبِدِ السَّمَا
فاهتَزَّ عَرشُ الله و الكُرسيُّ و الأَ=فلاكُ كُلٌّ كادَ أن يَتَهَدَّمَا
و الأرضُ مادَت و الجِبالُ تَدَكدَكَت=و البَدرُ و الشَّمسُ المُنيرَةُ اظلَمَا
و أغارَتِ الأعداءُ في خِيَم النِّسا=سَلباً و سَحباً ثُمَّ ضَرباً مُؤلِمَا
و استَنهَضوها لِلرَّحيلِ فَرُكِّبَت=حُرَمُ النَّبيِّ على المَطَايا كَالإمَا
فَتَظَلُّ تَهتِفُ بالنَّبيِّ مُحَمَّدٍ=و وَصِيِّهِ و وَزيرِهِ حامي الحِمَى
يا جَدَّنا عَضَّ الزَّمانُ بِنابِهِ=و أناخَ مَوكِبَهُ البَلاءُ و خَيَّمَا
هَل تَعلَمَانِ بِما جَرَى في كَربلا=من حادِثاتِ الدَّهرِ أم لَم تَعلَمَا
نالَت أمَيَّةُ فَوقَ ما قَد أمَّلَت=و تَدَارَكَت ما قَد مَضَى و تَقَدَّمَا
قَتَلَت حُسَيناً عُنوَةً مِن بَعدِما=قَتَلَت بَنيهِ الأكرَمِينَ عَلَيكُمَا
أجسامُهُم مَطروحَةٌ تُكسى بِما=سَدى لها مُورُ الرِّياحِ و لَحَّمَا (2)
و رُؤُوسُهُم فَوقَ الرِّماحِ و رأسُهُ=ما بَينَهَا بَدرٌ تَوَسَّطَ أنجُمَا
ها نَحنُ نُسبى في الأُسارى لُغَّباً=حَسرَى عَرايا ثاكِلاتٌ أُيَّمَا
قد قَنَّعونا بالسِّياطِ و قَلَّدوا=مِن بَعدِ ما سَلَبوا الرِّدا و المِعصَمَا
نَستَعطِفُ الأعدا بِأَيِّ تَعَطُّفٍ=و تَلَطٌّفٍ مِنَّا فَلَم نَتَرَحَّمَا
يا غِيرَةَ اللهِ اغضَبي لِمُحَمَّدٍ=و وَصِيِّهِ عَلَمِ الهُدى و بَنيهِمَا
بِقِيامِ قائِمِهِم و آخِذِ ثارِهِم=مِن كُلِّ رِجسٍ في غِوايَتِهِ فَمَا
عَجِّل بِلا أمرٍ فَدَتكَ نُفُوسُنا=و اكشِف بِنُورِ هُداكَ ما قَد أَتهَمَا
و اجزُم رِقابَ النَّصبِ و اخفِض قَدرَهَا=و ارفَع مَوَاليكَ الضِّعَافَ و عَظِّمَا
و ائذَن لِشيعَتِكَ الأطائِبِ في الَّذي=ضاقَت بِهِ مِنَّا الصُّدورَ فَطَالَمَا
فَهُناكَ أحمَدُ مُظهِرٌ ما قَد نَوَى=و مُبَيِّنٌ ما قَد أجَنَّ و كَتَّمَا
و عَشيرَتي مِن آلِ ضَيفِ اللهِ لا=ذَلُّوا و لا زالوا حِمىً لِمَنِ احتَمَى
صَلَّى الإلهُ على النَّبيِّ و آلِهِ=ما لاحَ نَجمٌ في السَّماءِ و سَلَّمَا