أيدرك أهل المجد من هو قاعد
ديوان الدمستاني الصغير - الشيخ أحمد الدمستاني
أيُدرِكُ أهلَ المَجدِ مَن هو قاعِدُ=و يُنفِقُ في الغالينَ مَن هو كاسِدُ
إذا لم يَرُمَّ المَرءُ مَربِعَ مَجدِهِ=تَهَدَّمَ ما عَلَّاهُ جَدٌّ و والِدُ
فَهَل نَفَعَت نارُ اللظى حَيثُ خلَّفَت=رماداً وضيعاً خلَّفَتهُ المواقِدُ
و هَل نَفَعَ العَضبَ اليمانِيَّ جَوهَرٌ=إذا لَم تنَل من صفحَتَيهِ المبارِدُ
ألَم تَرَ أنصارَ الحُسَينِ و عَزمَهُم=على المَوتِ إذ عَزَّ النَّصيرُ المُساعِدُ
تَصَدُّوا لنَيلِ العِزِّ في عالَمِ البَقَا=فهَانَت علَيهم فيهِ تِلكَ الشَّدائِدُ
إذا ازدَحَموا نَحوَ العِداةِ تَفَرَّقوا=كَشَاءٍ بها عاثَت أُسُودٌ حَوَارِدُ
فما بَرَحوا في حَومَةِ الحَربِ و الرَّدى=يَجولُ بِهِم المَوتُ هاوٍ و صاعِدُ
إلى أن فَنَوا خُمصَ البُطونِ طِوَىً و قد=أُعِدَّت إلَيهم في الجِنانِ الموائِدُ
إلى اللهِ وَفَّوا بالعُهُودِ بساعَةٍ=بها قلَّ مَن وَفَّى بعَهدٍ مُعاهِدُ
بنَفسي حُسَيناً بعدَ مَصرعِ صَحبِهِ=يُكابِدُ مِن أعدائِهِ ما يُكابِدُ
يَرى صَحبَهُ صرعى على الأرضِ جُثَّمَاً=عَليها خُيُولُ الظَّالِمِينَ تُطارِدُ
و أطفالُهُ مِن شِدَّةِ الحُزنِ و الظَّما=بِأَكبادِها مِن لاعِجِ الوَجدِ واقِدُ
و أعداؤُهُ من حَولِهِ قَد تَحَلَّقوا=و كُلٌّ لِهُ مُبدي العَدَاوَةِ حاقِدُ
تُناهِبُهُ سُمرٌ و بِيضٌ قواضِبٌ=إذا عَلَّ مِنهُ صادِرٌ جاءَ وارِدُ
يُنادي أما فيكُم مُعينٌ يُعينُنا=و يَحمي عَلَينَا حِسبَةً و يُساعِدُ
أما مِن مُحامٍ عَن حَريمِ مُحَمَّدٍ=يُجاهِدُ عَنهُم صابِراً و يُجالِدُ
و أقبَلَ لِلنِّسوانِ يُوصي مُوَدِّعاً=وَدَاعَ حَبيبٍ راحِلٍ لا يُعاوِدُ
يَقولُ و دَمعُ العَينِ يَهمي بِخَدِّهِ=و زَفَراتُهُ حُزناً علَيهِم صَوَاعِدُ
عَلَيكُم بِتَقوى اللهِ و الصَّبرِ و العَزَا=فما أحَدٌ في هذه الدارِ خالِدُ
ألسنا فقدنا خَيرَ جَدٍّ و والِدٍ=و هل بعدَهُم يَستَصعِبُ الفَقدَ فاقِدُ
و لا بُدَّ أن تغتالَني أسهُمُ الرَّدى=و تَرفَعُ رأسي الذَّابِلاتُ المَوَائِدُ
و يُخضَبُ شَيبي مِن دَمي و تَرُضَّني=خُيُولُ الأعادي الصًّافِناتُ الرَّواعِدُ
و تُسبى حَريمي بَعدَ صَونٍ و عِزَّةٍ=و يُنهَبُ مِن رَحيلي طَريفٌ و تالِدُ
و مَرَّ إلى حَربِ الأعادي مُجاهِداً=فَنِعمَ المُحامي و النَّصيرُ المُجاهِدُ
إذا جالَ بِالأبطالِ في حَومَةِ الوَغَى=فَصَرفُ الرَّدى سَيفٌ و دِرعٌ مُساعِدُ
إلى أن دعاهُ اللهُ حُباً و غِيرَةً=عَلَيهِ فَلَبَّى و هوَ للهِ حامِدُ
و خَرَّ على عَفرِ الصَّعيدِ مُجَدَّلاً=و نُورُ عُلاهُ في السَّماواتِ صاعِدُ
و لَم أنسَ أُختَ السِّبطِ إذ بَصُرَت بِهِ=و شِمرُ الخنا مِن فَوقِ مَتنَيهِ قاعِدُ
و في يَدِهِ السَّيفُ الصَّقيلُ مُجَرَّداً=على صَفحَتَيهِ لِلمَنُونِ شَوَاهِدُ
فَخَرَّت علَيهِ والِهاً مُستَغِيثَةً=و لِلشِّمرِ في ذَبحِ الحُسَينِ تُناشِدُ
تَقولُ لَهُ يا شِمرُ هل أنتَ جاهِلٌ=ذَبيحَكَ أم للهِ و الدِّينِ جاحِدُ
لَهُ المُصطفى و المُرتضى سيِّدُ الورى=و فاطِمَةٌ أُمٌّ و جَدٌّ و والِدُ
أيا شِمرُ ذا كَهفُ الورى و مَلاذُهُم=جَميعاً و مَن تُلقى إلَيهِ المقالِدُ
أيا شِمرُ ما لِلدِّينِ و العِلمِ و الهُدى=و كُلُّ البَرايا غَيرَ ذا الشَّخصِ واحِدُ
فما رَقَّ شِمرٌ مِن بَليغِ مَقالِها=و مِن قَولِها حَقاً تَذوبُ الجَلامِدُ
فدافَعَهَا عَنهُ و حَزَّ كَريمَهُ=و غادَرَهَا ضُرَّ الرَّزايا تَكَابِدُ
و ظَلَّت تُنادي جَدَّها و دُمُوعُها=تَقصُرُ عَنها الواكِفاتُ الرَّواعِدُ
أيا جَدَّنا لَو تَنظُرِ اليَومَ حالَنَا=و لَو كُنتَ لِلسِّبطِ الشَّهيدِ تُشاهِدُ
تَعِلُّ بِهِ السُّمرُ العَوالي مِنَ القنا=و تَنهَلُ مِنهُ الصَّافِناتُ الفَرَانِدُ (1)
خَضيباً بِفَيضِ النَّحرِ قَد وَرَدَ الرَّدى=ذَبيحاً و قَد سُدَّت عَلَيهِ المَوَارِدُ
و كانَ لنا حِصناً حَصيناً و مَلجَأً=إذا نابَ خَطبٌ و اعتَرَتنا الشَّدائِدُ
أيا جَدَّنا هذي بناتكَ حُسَّراً=تَخِبُّ بها في السَّيرِ بُزلٌ جَوَاهِدُ (2)
تَئِمُّ دِمَشقَ الشَّامَ ثَكلى و نَوحُها=تَعَلَّمُ مِنهُ السَّاجِعاتُ الفواقِدُ
فلا قُدِّسَت أرضُ الشَّآم و أهلَهَا=و لا جادَ لها مِن واكِفِ المُزنِ جائِدُ
أيا شيعَةَ المُختارِ صَبراً على الأذى=فما أعيُنُ الأوتارِ عَنهُم رَوَاقِدُ
و إنِّي لأرجُو قُرَّةَ العَينِ عِندما=أرى القائِمَ المَهديَّ و الجَيشَ حاشِدُ
و مِن آلِ ضَيفِ الله خَلفي أماجِدٌ=لَهُم فُلقُ هاماتِ الأعادي عَوَائِدُ
و في ساعِدي سَيفٌ صَقيلٌ مُهَنَّدُ=فلا فُلَّ مَصقولٌ و لا شُلَّ ساعِدُ
هُنالِكَ يَحظَى أحمَدٌ بالمُنى و ما=عَلَيهِ قَديماً حَظَّ جَدٌّ و والِدُ
أيا سادَةٌ جَلُّوا فَجَلَّ مُصابُهُم=و طابوا فطابَت لِلمَوَالي المَوَالِدُ
بِكُم طابَ ميلادي و صَحَّت عَقيدَتي=و يا فَوزَ مَن صَحَّت لَدَيهِ العقائِدُ
فها أنا مَولاكُم و مَولى وَلِيِّكُم=و عَن غَيرِكُم و الحمدُ للهِ حائِدُ
فَمِنُّوا على كُلِّ المَوَالي بِأَمنِكُم=إذا أمَنَ المَولَى و خَافَ المُعانِدُ
عَلَيكُم سلامُ اللهِ ما قامَ قانِتٌ=بِجُنحِ الدُّجى أو خَرَّ للهِ ساجِدُ