في البكاء على أهل البيت (ع)
أبو الفتح محمود كشاجم
بكاء وقل عناء البكاء=على رزء ذرّية الأنبياء
لئن ذل فيه عزيز الدموع=لقد عز فيه ذليل العزاء
أعاذلتي إن برد التقى=كسانيه حبّي لأهل الكساء
سفينة نوح فمن يعتلق=بحبّهم يعتلق بالنجاء
لعمري لقد ضل رأي الهوى=بأفئدة من هواها هوائي
وأوصى النبي ولكن غدت=وصاياه منبذة بالعراء
ومن قبلها أمر الميّتون=برد الأمور إلى الأوصياء
ولم ينشر القوم غل الصدور=حتّى طواه الردى في رداء
ولو سلّموا لإمام الهدى=لقوبل معوجهم باستواء
هلال إلى الرشد عالي الضيا=وسيف على الكفر ماضي المضاء
وبحر تدفّق بالمعجزات=كما يتدفّق ينبوع ماء
علوم سماوية لا تنال=ومن ذا ينال نجوم السماء
لعمري الأولى جحدوا حقّه=وما كان أولاهم بالولاء
وكم موقف كان شخص الحمام=من الخوف فيه قليل الخفاء
جلاه فإن أنكروا فضله=فقد عرفت ذاك شمس الضحاء
أراها العجاج قبيل الصباح=وردت عليه بعيد المساء
وإن وتر القوم في بدرهم=لقد نقض القوم في كربلاء
مطايا الخطايا خذي في الظلام=فما هم إبليس غير الحداء
لقد هتكت حرم المصطفى=وحل بهن عظيم البلاء
وساقوا رجالهم كالعبيد=وحادوا نساءهم كالإماء
فلو كان جدّهم شاهداً=ليتبع أظعانهم بالبكاء
حقود تضرم بدرية=وداء الحقود عزيز الدواء
تراه مع الموت تحت اللواء=والله والنصر فوق اللواء
غداة خميس إمام الهدى=وقد غاث فيهم هزبر اللقاء
وكم أنفس في سعير هوت=وهام مطيرة في الهواء
بضرب كما انقد جيب القميص=وطعن كما انحل عقد السقاء
وخيرة ربّي من الخيرتين=وصفوة ربّي من الأصفياء
طهّرتم فكنتم مديح المديح=وكان سواكم هجاء الهجاء
قضيت بحبّكم ما عليّ=إذا ما دعيت لفصل القضاء
وأيقنت أنّ ذنوبي به=تساقط عنّي سقوط الهباء
فصلّى عليكم إله الورى=صلاة توازي نجوم السماء