ثانيا: مبحث العدل
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
المبحثُ الثاني على العدلِ اشتملْ=فأمعِنِ الفِكر بهِ نِلت الأملْ
العدلُ: تنزيهُ الحكيمِ فِعلا=عن كلِّ ما كانَ قبيحاً عقلا
كتَركِ بعثِ الرُسل للأنامِ=و تركهم بعدُ بلا إمامِ
و خلقهِ الطاعاتِ و المعاصي=كي لا تكونَ حُجةً للعاصي
و يستوي المؤمن و الكفورُ=إذ يستوي الإيمانُ و الكُفورُ
فتبطُل البعثةُ و التكليفُ=و يُهملُ الترغيبُ و التخويفُ
ذلك حُكمُ نفي قُدرةِ البشرْ=و ما تمحَّلوا من الكسب هدرْ
لأنهُ إن كان هذا الوصفُ=بقدرةِ اللهِ فجبرٌ صَرفُ
و إن يكن بقدرةِ العبدِ فقدْ=تهدمت أركانُ هذا المُعتقدْ
و العِلةُ العُليا عديمةُ الأثرْ=في كل معلولٍ على الدنيا صدرْ
ما لم يكن منها بلا اختيارِ=فإنهُ من أثرِ الجبارِ
و العَلمُ تابعٌ لِما في الواقعِ=ليس بموجبٍ ولا بمانعِ
و العقلُ قاضٍ أن منّا فِعلُنا=و رُبَّ جاحدٍ لما تيَقنا
فالظُلم و العدوانُ مخصوصٌ بِنا=واللهُ لا يفعلُ إلاَّ الحَسَنَا
لهُ الغِنى و العِلمُ و الكمالُ=فنِسبةُ القُبحِ لهُ ضلالُ
قد ثبُت الصارِفُ عنهُ و انتفى=باعثهُ فرسمُ دعواهُ عفا
و الحقُّ أنهُ تعالى لا يخلو=لهُ عنِ النفعِ العظيمِ فِعلُ
و إنما الخلفُ لهُ شُيُوعُ=في البحث عن أيهما المتبوعُ
فقيل: إنه تعالى شانا=يفعل ما يفعلهُ مجانا
و إن ترتبت عليهِ المصلحة=لا أنَّها باعثةٌ مُرجَّحة
توهُّماً أن كمالَ الصانعِ=في نفي كُلِّ باعثٍ و مائعِ
و اطرحوا هُنا النُصوصَ قاطبة=و أوَّلُوا تعليلها بالعاقبة
و ما دَرَوا أنَّ لهذا المُعتقد=لوازماً تفضحُ من لهُ اعتقد
أدلةً يأخُذُها بقوة=ذو الكُفر في إبطالهِ النبوَّة
مِن حيث أن المُعجزَ الحقيقي=إن لم يكُن لغايةِ التصديقِ
فأيُّ بُرهانٍ على صِدقِ النبي=و أيُّ حاسمٍ لدعوى الكذبِ
و إن تعلقوا بجري العادة=لم يجرِ في أول ما أراده
و طرُفا الممُكن سيان لدى=إرادة الله إليها استندا
فلو تطلَّبا إرادةً خلا=ما فُرضت لدار أو تسلسلا
فليلتزم إيجاب أو ترجُّحْ=بلا مُرجحٍ و هذا أقبحْ
فبان أن الله مهما رجحه=من ممكنٍ فهو بقصدِ المصلحة
و هي مُجردُ اعتبارٍ يُعقلُ=فلا يُرَد دورٌ ولا تسلسُلُ
أو هي مما كان في الأعيانِ=و قد تكونُ فِعل ذي إمكانِ
مثل العبادةِ التي هي الغرضْ=في خلق من كانت عليهم تُفترضْ
و لو تسلسلت فلا امتناعُ=و هل لمقدوراتهِ امتناعُ
و الإمتناعُ و الوُجُوبُ للعرضْ=و الظُلمُ مُقتضٍ لإثبات الغرضْ
و إن خلا المُمكنُ من نفعٍ فلا=يُمكِنُ أن يصدُرَ عن ربِّ العُلا
لأنهُ حِينئذٍ إذا حدثْ=يلزمُ أنَّ الله فاعلُ العبثْ
فليسَ الإيجادُ كمالاً مُطلقاً=فلا يضُرُّ كونُهُ مُعلقا
بأن يُراعى في فِعالِ الصانعِ=وُجودُ داعٍ و انتفاءُ مانعِ
إذ ليس هذا البعثُ بعثُ جِبْرِ=و ليس هذا المنعُ منعُ قَهْرِ
لو شاءَ عذَّبَ الذي لم يعصِ=سُبحانهُ لولا لُزُومُ النقصِ
كمالُهُ ليس بمُستفادِ=و فضلُهُ جلَّ عنه النَّفّادِ
فما لهُ داعٍ إلى الإيجادِ=إلا ابتغاءَ النفعِ للعِبَادِ
فأيُّ حاجةٍ إلى التأويلِ=لِمُحكمِ النصِّ بلا دليلِ