و له أيضا في البحث مع الأشاعرة و المعتزلة
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
حمداً لكَ يا من لم يَزَلِ=موجوداً من قبلِ الأزَلِ
قد كانَ و لا شيءٌ معهُ=فتباركَ مِن فردٍ أزلي
فالعالمُ ليس لهُ قِدمٌ=لا للآحادِ و لا الجُمَلِ
فهو المُبدي لِمَبَاديها=و العِلةُ في كل العِللِ
سببُ الأسبابِ بلا سببٍ=فَعالٌ ليس بِمُنفعِلِ
أحديُّ الذاتِ فليس لهُ=جُزءٌ في العينِ و لا المِثلِ
لم يُشرَك في الذاتيِّ و لم=يحتجْ للفصلِ بمُنفَصلِ
لم تُدرِكْ كُنهُ حقيقتِهِ=فِطنُ الأملاكِ و لا الرُّسُلِ
لا يُدرِكُهُ الأبصارُ و لا=يَعبا بِمقالة ذي خَطَلِ
أيُرى من كانَ ولا جِهَةٌ=رَجَعَ الجبريَّةُ بالفَشَلِ
و لأهلِ الجبرِ أضاليلٌ=و عُدُولٌ عن نهجِ السُبُلِ
زادوا قُدَمَاء ثمانيَةً=غيرَ الأحدِ الباقي الأزلي
و رأوا إيجابَ القادِرِ في=إيجادِ الأوصافِ النُّبُلِ
و عزَوا كلَّ الأفعالِ لهُ=لا بِالسَّبَبِيَّةِ للعِلَلِ
بل بِالتأثيرِ مُباشرةً=في الجيدِ منها و الرَّذِلِ
فيُقالُ لهُم لا فرقَ إذن=بينَ الكُفارِ ولا الرُّسُلِ
و كذا لا فرقَ إذن بين=القُرآنِ و إنشادِ الغَزَلِ
و عِبادةِ عُبَّاد الأزلي=و عِبادةُ عُبَّادِ الهُبَلِ
أيَلومُ الناسَ على ما=ليس لهُم فيهِ من دَخَلِ
و يُعاقِبُهُم و الفِعلُ لهُ=و هُمُ بُرَّاءُ مِنَ العَمَلِ
جلَّ العدلُ المُتَعَالي عن=دعوى مَنْ ضّلَّ مِنَ المِلَلِ
بل ليسَ الحقُّ سِوَى ما جاءَ=مِنَ المعصومِ مَنَ السُّبُلِ
لا جَبْرَ و لا تفويضَ و لا=تشبيهَ و ليس بِذي عطلِ
لو لا المعصومَ لما خلُصَت=أحكامُ اللهِ مِنَ الخَلَلِ
هُوَ لُطفٌ في التكليفِ و ليسَ=لهُ في ذلِكَ مِنْ بَدَلِ
فمُحالٌ مرَّ زمانٌ ما=بِالناسِ مِنَ المعصومِ خَلِي
مَن ماتَ و لم يعرِفهْ يَمُتْ=كالجاهِلِ مِن إحدى المِلَلِ
لكِنَّ طريقَ تَشَخُّصِهِ=لِخفاءِ العِصمةِ غيرُ جَلِي
أمَّا الإجمَاعُ بِلا المعصُومِ=فليسَ لهُ مِن مُدخَّلِ
لكِنْ بالمُعجِزاتِ و بالنَّصِّ=مِنَ المعصومِ علَى رجُلِ
كالنَّصِّ مِنَ المُختارِ على=خيرِ الناسِ الكرَّارِ علِي
إذ قامَ بِخُمِّ يَخطِبُهُمْ=و المِنبَرُ أقتابُ الإبِلِ
أوَلَستُ بِكُم أولى مِنكُمْ=فأُجيبَ بَلَى يا خيرَ وَلِي
فاشتَالَ بَضِبعَي حيدَرَةٍ=و أشَارَ إليهِ بلاَ مَهَلِ
هذا مولى مَن كُنتُ لَهُ=مولىً و أخِي و الوَارِثُ مَالِي
و خلِيفةُ بارِئكُمْ فيكُمْ=فأطيعُوهُ كالطَّاعَةِ لِي
فَلَو أنَّ القَومَ أطَاعُوهُ=لَنَحَا بِهِمُ خيرَ السُبُلِ
و لَمَّا افتَرَقَتْ أهلُ الإسلامِ=لِجَبريًّ و لِمُعتَزِلِي
و لَمَّا استنضى سيفُ الُعدوانِ=على آلِ الهادي النُّبُلِ
أنَسَوا قتلَى بدرٍ و حُنَيْنَ=و جُرحهُمُ لم يَندَمِلِ
هَبْ هُمْ فَعلوا ما قد فعلوا=غضباً لِسُراتِهِمُ الأولِ
فما عُذرُ المؤتمِّ بهِمْ=ممن بِهِمُ لم يتَّصِلِ
يُخفونَ الحقَّ كما يُبدُونَ=الباطِلَ في أهلِ النِّحَلِ
و إذا بَاحَثتَهُم اقتَحَموا=لُجَجَ العصبيةِ و الجَدَلِ
تتضَرَّرُ أنفُسُهُم بالحَقِّ=كما تتضرَّرُ بالعِلَلِ
إن أعمى الحقُّ بَصَائِرَهُم=فالشَمسُ عَمَى بعضَ المُقَلِ
أو ضرَّ الحقُّ ضمائِرَهُم=فالطيبُ مُضِرٌّ بِالجُعَلِ
يا لِلحمقى البُلْهِ الخَرقَى=الطُّمْسِ الغَرقى في الجَهَلِ
هل تمنَعُهُم عَصَبيتُهُم=عن حرِّ سعيرٍ مُشتَعِلِ
أمُقايسُ حيدَرَةَ الكرَّارِ=بِمَنْ ناواهُ مِنَ الأوَلِ
أيُقاسُ أوجٌ بِالسُّفلِ=و يُضاهى صَقَرٌ بِالحِجْلِ
و يُقاسُ الخَالِصُ بِالزُّغْلِ=و تكونُ الصَّفوة بالحُثَلِ
و يُقاسُ ضِياءُ الشَّمسِ ضُحَىً=بِظلامِ اللَّيلِ المُنسَدِلِ
و يُقاسُ مُدَحرِجةُ الأحجارِ=أمَامِ النَّاقَةِ في الجَبَلِ
بالباذِلِ مُهجَتَهُ صَوناً=لِرسُولِ الله مِنَ الغِيَلِ
بأَحَبِّ الخَلقِ لِخَالِقِهِ=و حَديثُ الطَّيرِ بِذاكَ مَلِي
و المُنْهَزِمُونَ بِرايَتِهِمْ=في حربِ خيابِرَ بالفَشَلِ
بمَليكِ الفَتحِ و داحِي البابِ=و قَاتِلَ مَرْحَبٍ البَطَلِ
لو لا ضرَبَاتُ صَوَارِمِهِ=آلَ الإسلامُ إلى العَطَلِ
كم قطَّرَ مِن بَطَلٍ بَطِرٍ=بينَ الهِنديَّةِ و الأسَلِ
كم مزَّقَ مِن جيشٍ لَجِبٍ=بجنانٍ ليسَ بمُنذهِلِ
و لضربة عَمْرو قد عَدَلَتْ=أعمالُ الأُمَّةِ عن كَمَلِ
إذ جاءَ الخَندَقَ مُقتحِماً=كالرُّكنِ الساقِطِ مِن جَبَلِ
و دَعَا أنَا عمرُو فانهَزَمَتْ=لِمخافَتِهِ سُحَبُ المُقَلِ
و استَيْقَنَتِ الأنصَارُ بِأَنْ=عمْراً لِمَدِيَنَتِهِمْ سَيَلِي
و قُصارى الأمرَ أنِ التجئوا=لِرسولِ اللهِ مِنَ الوَجَلِ
فأتى الكرارُ إلى المُختارِ=و قالَ الرُّخصةَ يا أمَلِي
فبكى و دَعَا وَقَاكَ اللهُ=مساءةَ أربابِ الغِيَلِ
هُوَ عمرُو يا صِنوي أفَلَا=تخشى بأسَ القويّ البَطَلِ
فقالَ ألا أشري نفسي=بثوابٍ ليسَ بمُنفصِلِ
فأتاهُ فبادرَهُ فدَحاهُ=بضربتِهِ نحوَ الأجَلِ
أفليسَ عُمُومَ ريَاسَتِهِ=ثبُتَتْ بخصائصِهِ النُّبَلِ
دع عنكَ النَّصِّ عليهِ=و عِصمتُهُ في القولِ و في العَمَلِ
أوليسَ على عَهدِ المُختارِ=أجَلّ الناَّسِ لَدَيهِ عَلِي
هل فرقٌ بَينَ الشَّمسِ ضُحى=و الشمس إذا هي في الطُّفَلِ
يا شمسَ عُلاً حَسُرَت عَنهَا=أبصَارُ خَفَافِيشِ المِلَلِ
أبصرتُ عُلاكَ بنورِ الحَقَّ=وَهَلْ كَجَلاءِ عُلاكَ جَلِي
وَثَبَتُّ بأغلى عَرشِ وَلاَكَ=وَمَا أنا عَنهُ بِمُنتَقِلِ
و ليس لدى حَسَنٍ عَمَلٌ=حَسَن سِوى هذا العَمَلِ
فإذا قاسمت الناس لظىً=خُذيني مِن سهمِكً يا أمَلِي
و إليكَ هديَّةِ مُشتاقٍ=لَهجٍ بِثنائِكَ مُشتَغِلِ
ضاهَيتُ القولَ المُرتَضَوِيّ=و إنّي مِنهُ لّذُو خَجَلِ
لِلعِلمِ بأنِّي قد ضاهيتُ=البحرَ الزاخِر بالوَشَلِ
يا مَن بِفَنَاهُ مُعتَقلِي=و على جَدواهُ مُتَّكِلِي
أنْجِحْ طَلَبِي و أزِحْ كَربي=و استُرْ خَلَلي و اغفِر زَلَلي
و أدِم صلواتِكَ و التَّسليمِ=على آلِ الهَادِي النُّبُلِ
ما دامَ كَمالُ وِلايَتِهِمْ=شَرطاً في مَقبولِ العَمَلِ