من قال للناس اسألوني
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
هُوَ السَّعدُ وافى مُقبِلاً أيَّ إقبَالِ=بوَصلِ حَبيبٍ كانَ يُؤثِرُ بالبالي
كفى برضاهُ و ارتِشافِ رِضابِهِ=نصيباً فيا بُشرايَ فيهِ و طوبى لي
تخطَّ فقدْ خاطَ الكرى أعيُنَ الوَرى=تخطِّي مبهوتٍ مِنَ النَّومِ مِكسالِ
يَزرّ عليهِ حُلةً ذهبيةً=ليَذهَبْ وِهمي أنَّهُ شمسً آصالِ
فعانقتُ مِنهُ غُصنَ بانٍ على نقَى=و عانَقَ مِنِّي قدَّ أسمرَ عسَّالِ
و نازعتُه كأساً من الدُّرِّ راشِفاً=لعذبِ رِضَابٍ كالسُلافةِ سَلسَالِ
وَبِتُّ أشمُّ الوَردَ من وجناتِهِ=و أنشقُ ريَّا المِسكِ من نُقطةِ الخَالِ
و أجني قُطوفاً من أفانينِ وَصلهِ=و أجري مَلياً في ميادينِ آمالي
فما راعني إلا ضياءُ الصباحِ قد=تعلقَ مِن جُنحِ الظلامِ بأذيالِ
ففارقني و القلبُ يقفوهُ راحِلاً=فمن لي بِرَدِّ البالِ للجسدِ البالي
فيا ليت أنَّ الليلَ قد كان سرمداً=و لم يقضِ للإصباحِ يوماً بإقبالِ
فلم أرَ شروى ليلتي تِلكَ ليلةً=ألَذُّ على بالي و أنفى لبلبالي
و لم أُلفِ أحلى من تلاوة ذِكرها=سوى مدحِ أهلِ الذِّكرِ رتلهُ التَّالي
بنِي الوحي و التنزيلِ أول قابلٍ=مِنَ المبدأَ الفياضِ أسبَغِ إفضالِ
فكم أحرزوا في حضرةِ القُدسِ من عُلاً=و آدمُ فيما بينَ طينٍ و صَلصالِ
هُمُ السَّبَبُ الغائي في فِطرَةِ المَلَا=فلولاهُمُ ما كان خالٌ و لا مَالِ
بذلكَ جاءَ الوحيُ للمُصطفى فَسَلْ=حديث الكِسَاءِ الخيبَرِيِّ عنِ الحالِ
وَفي مُحكَمِ التنزِيلِ تبجِيلُ شأنِهِم=بتفصيلِ وَصفٍ بالجميلِ و إحمَالِ
و أن لهُم محضَ الوَلاءِ على الورى=و ليسَ عليهِم في البريَّةِ من وَالِ
و أوصى رسُولُ اللهِ فيهِم بِمِثلِهِ=و قالَ أيَا قومِ احفظُونيَ في آلي
فقابَلَ أصحابَ النبيَّ حدِيثَه=بنُكرٍ و تكذيبٍ و ردٍّ و إبطالِ
نِفاقٌ بإيمانٍ و فلتةُ بيعةٍ=و تقديمُ مفضولٍ و تأخيرُ مِفضالِ
فيا لِقلوبٍ كيفَ لا تُبصِرُ الهُدى=أفيها قذىً أم مُحكماتٌ بأقفالِ
عذرتُ خفافيشَ الورى إذ بَدَت لهُم=شُموسُ كمالٍ في مطالِعِ إجلالِ
فيا عادِلاً بالمُرتضى خُصَمَاءَهُ=عَثَرتَ عِثاراً لَستَ مِنهُ بِمُنقالِ
بمن كَسَرَ الأصنامَ في البيتِ راقياً=على كتِفِ المُختارِ مِن غيرِ إمهالِ
بِصاحِبِ ذاكَ الصارِمِ الفاصِلِ الذي=بحدَّيهِ عزَّ الدينُ مِن بَعدِ إذلاَلِ
بِمَنْ صامَ في وقته الهَجيرِ على الطَّوَى=ثلاثَ ليالٍ مؤثِراً حقَّ سُوَّالِ
بِمَنْ خُصَّ من دونِ الورى ببراءَةٍ=فكانَ هوَ التالي و لم يَكُ بالتَّالي
بِمَنْ جدَّلَ الأبطالَ في حومةِ الوغى=بأبيضَ فصَّالٍ و أسمرَ عسَّالِ
بِمَنْ كانَ منصوصاً عليهِ بعينِهِ=بِهِ ظَفَرَ الدِّينُ القويمُ بإكمالِ
بِمَنْ كان يجري مِن لَدُن آدَم إلى=أبيهِ معَ المُختارِ في النَّسَبِ العالي
بِمَنْ كانَ مولوداً بأطهَرِ بُقعةٍ=و مَهبِطِ أملاكٍ و مَصعَدِ أعمالِ
بِمَنْ قالَ للِناسِ اسألوني فإننِي=لَعَيبَةُ عِلمِ المُصطفى قبلَ تِرحالي
بفاتحِ ذاكَ الحُصن قالعَ بابهِ=مُزلزِلِ مقصوراتِهِ أيَّ زِلزالِ
بِمَنْ طلَّقَ الدُّنيا ثلاثاً فأدبَرَت=عبُوساً و لمّا تحظَ مِنهُ بإقبالِ
بِمَنْ جاءَ يستعطيهِ منها شقيقُهُ=من البرِّ صاعاً فاعتراه ببلبَالِ
بِمَنْ ألَّفَ القُرآن طوع بَنِيهِ=كما أنزلَ الرحمانُ من غيرِ إخلالِ
بِمَنْ لم يُقَدّم قبلَ نجواهُ قربَةً=سواهُ على فقرٍ لدَيهِ و إقلالِ
بِمَنْ في حديثِ الطَّيرِ بُيِّنَ أنهُ=أحبُّ الورى طُراً إلى الواحِدِ العالي
بِمَنْ قدَّ عَمراً و الوَلِيدَ و مرحباً=و أضرابَهُمْ من مُبطلينَ و أبطالِ
و ضربةُ عَمْرو عادَلت عَمَلَ الوَرَى=فَدَع ما سِواها مِن عُلومٍ و أعمالِ
و كم لأميرِ المؤمنينَ مناقِبٌ=لِشُهرتِها صارت مضارِبَ أمثالِ
تداخَلَتِ الأضدادُ في وصفِ ذاتِهِ=على أنَّهُ عن كل منقصةٍ خالِ
فقيرٌ جوادٌ ناسِكُ العصرِ فاتِكٌ=لهُ بطشُ عَزرائيلَ في خُلقِ ميكالِ
و كم خُصَّ من بينِ الورى بخصائصٍ=بواهِرَ تُلقي العقلَ في نوعِ إشكالِ
فلولا براهينَ اقتضينَ زوالَهُ=لَكَانَ صحيحاً كُلَّما يدَّعي الغالي
وَفِي قُلْ تعالوا للوصيِّ فضيلةٌ=تَقَاصَرَ عن إحرازِها كُلُّ مِفضالِ
و تِلكَ مُساواةُ النبيّ التي انطوَت=على كلِّ فضلٍ في الأنامِ و إفضالِ
فما قدرُ حَمدِ المادِحينَ مِنَ الورى=و هَل بعدَ هذا مِن مَجَالٍ لِقوَّالِ
عليكُم سلامُ اللهِ يا أصفياءَهُ=مِنَ الخلقِ طُراً في غُدُوِّ و آصالِ