المجد ما يكسب
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
المَجدُ كُلُّ المجدِ ما يُكتَسَبْ=لا المُكتَفَى فيهِ بمحضِ الحَسَبْ
لكِن آبائي سَعَوا للعُلا=فأدركوا الموروثَ و المُكتَسَبْ
و استسهَلوا الصَّعبَ فَثهَلانَ في=مسعَاهُمُ فيهِ كَمِثل الهِضَبْ
غَدَوا مِنَ التَّقوى فَشَبُّوا على=مَحَبَّةِ العِلمِ و حُسنِ الأدَبْ
و ازَّيَّنُوا بالعَدلِ خُلقاً فَلَمْ=يُفارِقُوهُ في الرِّضَا و الغَضَبْ
فَشاعَ في العالمُ تَعظِيمُهُ=لا سيِّمَا عِندَ سُماةِ الرُّتَبْ
حتى لو الشِّعرَى رأتْ راكباً=مِنهُم تَمَنَّتْ أن تكُونَ القَتَبْ
و إن عَلَت أقدَامُهُم مِنبراً=فَطَارَ عُجبَاً لم يَكُون بِالعَجَبْ
فَياصِلُ الأحكام عِندَ القَضَا=صَيَاقِلُ الأذهانِ عِندَ الخُطَبْ
أندَى مِنَ الأبحُرِ أيدِيهُمُ=لَكِنَّها في الحربِ أذكى لَهَبْ
جَوَاهِرُ الأبحُرِ مَخزُونَةٌ=لا بُدَّ في استِخْراجِهَا مِن تَعَبْ
أمَّا أياديهُمُ فَمَبسوطةٌ=مَهما حَوَتْ من أيِّ نقدٍ ذَهَبْ
لكِنْ لَهُمْ بُخْلٌ بإعراضِهِمْ=صَوناً لها من أيِّ عارِضَاتِ الرِّيَبْ
رَضُوا عَنِ اللهِ فأرضاهُمُ=و كَانَ مِنْ أفضَلِ ما قَدْ وَهَبْ
حُبُّ عليِّ بنِ أبي طالبٍ=نَفسُ النَّبيّ المُصطفى المُنتَجَبْ
أبي بَنِيهِ صِنوِهِ صِهرِهِ=فادِيهِ بالنَفسِ بِيَومِ الرَّهَبْ
و لَيلَةُ الغارِ التي أيقَنَتْ=أعداؤه فيها بِنَيلِ الأرَبْ
كانَ هُوَ البَايِتُ في داره=(..)
فانقَلَبُوا قَدْ تَرِبَتْ كَفُّهُمْ=بِخَيبَة الكَرَّةِ و المُنقَلَبْ
و يَومَ بدرٍ بَرَدَتْ نارُهُمْ=بِصَارِمٍ في كَفِّه ذي شَطَبْ
و فَتْكُهُ في عُتبَةٍ و ابنِهِ=و شَيبَةَ وَ العَاص جَمّ الغَضَبْ
إلى صَنَاديدٍ بِهَا أصبَحَتْ=أجسامُهُمْ وَسطَ قُلَيبٍ تُكَبْ
قُلَيبُ بدرٍ زيبَةٌ أُعتِدَتْ=لِلأُسدِ لا مَجمَعُ ماءٍ نَضَبْ
لَم أنسَ إذ يَرثِيهُمُ إدلَمٌ=و ما عليه إن رثاهُمُ عَتَبْ
مُحَرّضاً حَرباً بِأن يَطلِبُوا=بِوتْرِهِمُ هذا أشَدَّ الطَلَبْ
وَ في حُنَينٍ عِبرَةُ حَقَّ أن=يَكتَب مَعنَاهَا بِماءِ الذَّهَبْ
مُعتَمَدُ المُؤمِنِ في أمرِهِ=مُسَبَّبُ الأسبَابِ دُونَ السَّبَبْ
و بَعضُهُمْ أغرَتْهُ مِنْ صَحبِهِ=كَثرَتُهُمْ مُستَيقِنَاً بالغَلَبْ
يَقولُ لَن نُغلَبَ مِن قِلَّةٍ=وَ كانَ في أوَّلِ مَنْ قَدْ هَرَبْ
و أسلَمُوا المُختارَ وَ المُرتَضَى=فَردَينِ في ضَنكِ مَضِيقِ العَطَبْ
في تِلكُمُ الحَالِ انتَضَى المُرتضى=سَيفاً صَقيلاً فيهِ كَشفُ الكُرَبْ
وَ ذَابِلاً صُمٌّ أنَابيبُهُ=لَهُ سِنَانُ كَشُوَاظِ اللَّهَبْ
فَفَلَّقَ الهَامَ وَ قَطَّ الطّلا=وَ شَكَّ باللُّدْنِ مَحَلَّ الرِّيَبْ
و انغَلَبَ البَاقُونَ وَ السَّيفُ فِيْ=ظُهُورِهِمُ يُعلِنُ تِكرَارَ قبْ
وَ فاءَتِ الأنصَارُ مَوسُومَةٌ=بِمَيسَم الخِزيِ وَ عَارِ الهَرَبْ
كَفِعلِهِمُ فِي أُحُدٍ قَبلَهَا=وَ الذَّنْبُ صَعبٌ قَبلَ أنْ يُرْتَكَبْ
لكنهُم مِن بَعدِها مُحِّصوا=و جاءَهُمُ ما لم يكُن يُحتسبْ
غَزَتهُمُ الأحزابُ في دارِهِم=فَلَم يكُن عنهَا لهُم مُنقَلَبْ
يَؤمُها ضِرغامُها كَبشُها=فارٍسُها المشهورُ عِندَ العَرَبْ
عَمرو بني عامرٍ المُكتفى=بهِ عَنِ الجيشِ الكثيرِ اللَّجِبْ
فاقتَحَمَ الخَندَقَ من فَورِهِ=عَمرو على ظهرِ جوادٍ أقَبْ
و جالَ يدعُوهُمْ هَلُمَّ الوغى=فإنَّ فيكُم لِلَظَاها حَصَبْ
فاندَهَشَت ألبابُهُم و ارتَقَتْ=إلى تراقيهِم لِفَرطِ الرَّهَبْ
فَجَاءَهُ الكرَّارُ مُستلئِماً=فَقَالَ مَن أنتَ فلمَّا انتَسَبْ (1)
قالَ فَدَتكَ العُربُ إرجَع فَلا=أراكَ مَقتولاً و سيفي السَّبَبْ
كانَ نديماً لي أبُوكَ الَّذي=شادَ العُلى مِن فَوقِ أَوجِ الحَسَبْ
قالَ فَخذُ إحدى ثلاثٍ و إن=تُجِبْ إلى الأولى تَفُز بالأرَبْ
تُسلِمُ أو ترجِعُ بالجَيشِ أو=تؤَذَنُ بالحَربِ فَثَمَّ الغَلَبْ
فَقَهقَهَ المَلعونُ مُستهزئاً=و قالَ يا لِلناسِ يا لِلعَجَبْ
يَسومُني الحربَ فتىً لَمْ يُجِزْ=عِشرينَ عاماً و حَمَاهُ الغَضَبْ
و صَوَّبَ السَّيفَ على رأسِهِ=فانشَجَّ حتى الدَّمُ مِنهُ انسَكَبْ
فانتَاشَهُ الكرَّارُ في ضربةٍ=برى بِها ساقيهِ بَريَ القَصَبْ
فَطَاحَ كالفَحَّال عاريْ الذُّرىْ=مَرَّت بِهِ صاعِقَةٌ فانقَلَبْ (2)
فانهَزَمَ الأحزابُ عن طَيبَةٍ=و طَابَ للآخَرِ أكلُ الرُّطَبْ
وَ سَلْ خبيراً بِقُرى خَيبَرٍ=كيفَ جرَى الحَربُ بِهَا و الحَرَبْ
غَدَاةَ لاقى حيدرٌ مَرحَبَاً=فَقَدَّهُ بالسَّيفِ عالي الرُّتَبْ
بِضَربَةٍ هائِلَةٍ لَم يَقَع=نظيرُهَا مِن عَجَمٍ أو عَرَبْ
بِالتَّرسِ و المغفِرُ و الدِّرعُ و ال=مُهْرُ و غاضَ السَّيفُ تحتَ التُّرُبْ
لا بِدعَ مِمَّن عالَمُ الكونِ في=قَبضَتِهِ يجري على ما أحَبْ
فَرَدَّ قُرصَ الشَّمسِ في بَابِلٍ=مِن بعدِ ما غاسِقُ لَيلٍ وَقَبْ
و أنقَصَ الماءَ الذي قد طَغَى=و لو دَعَاهُ لِنُضُوبٍ نَضَبْ
و أنطَقَ الحوتَ و وحشَ الفلا=و كلَّمَتهُ بِلِسانِ العَرَبْ
و أنشَرَ الأمواتَ بعدَ البلَى=تَذكِرَةً للمَبعَثِ المُرتَقَبْ
وَ رَدَّ قوساً حيَّةً مُزعِجاً=بِهَا عَدواً فارعَوَى و اضطَرَبْ
فَرَدَّهَا قوساً و لو لم تَعُد=لَمَاتَ مِن شِدَةِ خوفِ العَطَبْ
في مِثلِ هذا عُذرُ مَن قد غلا=و إن يَكُن عُذرُهُم ما استَتَبْ
يا مَن حَبَاهُم ربُّهُم فوق ما=بِهِ حَبَا مِن خلقِهِ مَن أحَبْ
أحبَبتُكُم في اللهِ إذ حُبُّكُم=رِضاهُ و القالي عَلَيهِ الغَضَبْ
أحسَنَ فيكُم حَسَنٌ ظَنَّهُ=فَحَقَّقُوهُ يا سُماةَ الرُّتَبْ
بحَقِّكُم صونُوا غداً عِرضَهُ=بحيثُ لا يُسألُ عمَّا اكتَسَبْ
كَذَا أُصولِيْ و تَفَارِيعِهِمْ=و كُلُّ مَن حَربَ عِداكُمْ نَصَبْ
إذ كُلُّ مَن عاداكُمُ كافِرٌ=و لعنَةُ اللهِ على مَن كَذَبْ
و سَلَّمَ اللهُ عليكُمْ مَتَى=ناجَى مُناجٍ أو خطيبٌ خَطَبْ