حبّك إيمان و بغضك ضدّه
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
خُضِ الهَولَ في العلياءِ و اقتحِمِ الوَعرَا=وَإنْ عَضَّ نابُ الخَطبِ فادَّعِ الصَّبرَا
وَحُثَّ قِواكَ الوانيَاتِ على السُّرى=إلى المَجدِ إن الصُبحَ مَحمَدُهُ المَسرَى
وَكُن ثابتاً في الشُّكرِ بينَ مُحيطِهِ=وَمَركَزِهِ لا تَخطُ عَنهُ ولا شِبرَا
ألا إنَّ أنفاسَ الحياةِ نَفيسَةٌ=لإمكانِ أن يَسري بِهَا الفَوزُ في الأُخرَى
لَعَمريَ إن العُمرَ خيرُ ذَخيرةٍ=فأسفَهُ خَلقِ اللهِ مَنْ ضَيَّعَ العُمرَا
فَوَا أسَفَاً لَوْ كانَ يُجدي تأسُّفٌ=على عُمُرٍ وَلَّى كأن لم يَكُن مَرّاً
تَراءَت ليَ الدُّنيا بِرائِقِ قِشرِهَا=وَلَو كُنتُ ذا لُبٍّ تَبَيَّنتُهَا قِشرَا
فَذُو اللٌّبِّ صافي الفِكرِ يقشِرُ قِشرَهَا=فَيَبدو لهُ الخُبثُ الذي تحتَهُ قُرَّا
كَفَاسِدَةِ البَيضِ الذي قد تَعَفَّنَت=فقد خَبُثَت لُباً كما حَسُنَت قِشرَا
سَقَتني عِقارَ الخُدعِ حتَّى عَمِلتُ مِنْ=كَثيرِ الخَطَا ما يَملأُ البَرَّ و البَحرَا
فَلَمَّا صَحَا عَقلي تَبَيَّنتُ أنَّنِي=كّدُودَةِ قَزٍّ كاثَفَت فَوقَهَا سِترَا
فَلَم أرَ كالدُّنيا عَدواً لِذِي حِجَىً=تَبُرُّ بمن أكدى و تَحرِمُ مَن بَرَّا
ألَم تَرَ أنَّ الله أيَّدَ حَيدَراً=فَمَهمَا أرادَ الحَربَ أردَفَهُ النَّصرَا
فَكَفَّ أكُفَّ الكُفرِ عن دينِ أحمَدٍ=فكَم مَرَّةٍ مُدَّت فَقَصَّرَهَا جَزرَا
أمَا كانَ في أُحْدٍ وَبَدرٍ وَخَيبَرٍ=وَيَومَ حُنَينٍ ما يَسُوقُ لَهُم ذَعرَا
وَلَكِنَهُم حقَّ الشَّقاءُ عليهمُ=و قادَهُمُ لِلحَتفِ غَدرُهُمُ قَسرَا
فَلَمَّا التَقَى الجَمعَانِ خَرَّ بَعِيرُها=عَقيرَاً مَعَ القَتلى وَسَايَرَهُم أسرَى
فأركبهُم سُفْنَ السَّلامةِ مِنَّةً=عَلَيهم و كم للمُرتضى مِنَّةٌ كُبرَى
وأمَّا الذي خَيرُ الوَصيِّينَ مُهرُها=فَتِلكَ سَمَت مَهراً بِهِ انخَفَقَتْ قَدرَا
تَرَاءَت لِمَشغوفِ الفُؤادِ بِحُبِّهَا=فَلَم يَستطيع عَنها سُلُواً ولا صَبرَا
فأغرَتهُ تَحريضاً على قَتلِ حَيدَرٍ=فَيَا قَبَّحَ اللهُ المُحَرِّضَ و المُغرَى
بِنَفسي مَقتولاً خِلالَ صَلاتِهِ=بِنورِ جَلالِ اللهِ مُستَغرِقاً فِكرَا
مُقيماً على سَمتِ الخُشُوعِ وَلَو غَدَا=فَمُ القُبَّةِ الخَضرَاءِ يَلتَقِمُ الغَبرَا
لَعَمرُكَ ما الحِسُّ الكَثيفُ بِمَانِعٍ=مَشَاعِرَهُ أن تُدرِكَ الألطَفَ الأطرَى
هُوَ القُطبُ دَفعي اليَقينِ إفاضَةً=مِنَ الله دَرَّت قَبلَ أن يَخلُقَ الدُّرَّا
وَبُرهانُهُ القّطعيُّ لَو كُشِفَ الغِطَا=وَذَاكَ مَقَامٌ رَدَّ عَينَ الوَرَى حَسرَى
تَصَدَّى لَهُ المَلعونُ و الفَجرُ سَاطِعٌ=فَجَرَّدَ مَصقولاً فَثَنَّى بِهِ الفَجرَا
وَصَوَّبَهُ مِنْ فَوقِ مَفْرِقِ رأسِهِ=فَخرَّ عَفيراً في الثَّرى ساجِداً شُكرَا
يَقولُ وَرَبِّ البَيتِ فِزتُ و حَبَذا=مُقاماً بِهِ نِلتُ الكَرَامَةَ و البِشرَا
فَفَاضَ دَمَاً رأسُ الإمامِ مَضَرِّجاً=لِجُثمانِهِ حتَّى اكتسى حُلَّةً حَمرَا
فَدَيتُ إماماً أَمَّهُ في صَلاتِهِ=بَوَارِقُ بَتْرٍ أقبَلَتْ نَحوَهُ بَترَا
فَمَا ضَرَّهُ شَفعٌ أُقيمَت وَراءَهُ=فَصَلَّتْ و لكِن من تَنَاوُلِهِ وِترَا
لَقَد وُتِرَ الإسلامُ غَدرَاً بِوِترِهِ=فَمَنِ الذي من بَعدِهِ يُدرِكُ الوِترَا
أتَعلُوا مَبَاتِيرُ الضُّبَا فَوقَ رأسِهِ=وَكَعبَاهُ قد جازا النَّعَائمَ وَ النِّسرَا
و يَسري غِرارُ السَّيفِ في رأسِهِ وَقَد=رَقى فَوقَ كَتفَي مُرتَقِيْ سُلَّمَ الإسرَا
بِنَفسي مَقتولاً شَهيداً مُجَدَّلاً=عَفيراً خضيبَ الوَجهِ و الشَّيبَةِ الغَرَّا
يَسِيرُ بِهِ السُّمُّ الكَثيرُ و لهبُهُ=لو اكْتَنَّ في جَمر الغَضَا احرَقَ الجَمرَا
بِنَفسيَ مَن ذاقَ الرَّدَى وَهوَ صائِمٌ=وَقَد فَطَرَ البَتَّارُ مَفرَقَهُ فَطرَا
مَحَى حَدَّهُ رَسمُ انكِشَافِ حَيَاتِهِ=لَنَا وَهُوَ حَيٌّ عِندَ خَالِقِهِ يُقرَى
دَمُ المُرتضى يَجري صَبيبَاً على الثَّرى=ولا كَبْدٌ ولا مَدمَعٌ يُذرَى
أتَطوِيْ طَوِيَّاتُ العُلَى نَشرَ بِشْرِهَا=ولا يَنطوي مِنَّا السُّرُورُ وَلا البُشرَى
أمَا قُبَّةُ الإسلامِ خَرَّ عَمُودُهَا=كَسيراً فَحَتَّامَ الذُّهُولُ عَنِ الذِّكرَى
ألَم يَبكِهِ جِبريلُ في أُفُقِ السَّمَا=وأحمَدُ و السِّبطانُ و البَضعَةُ الزَّهرَا
فَيَا قاتِلَ الكَرَّارِ حالَ صَلاتِهِ=ألا كُنتَ قاتَلتَ الإمامَ إذَا كَرَّا
فَيَقذِفُ مِنكَ الرُّوحَ في جَوفِ صارِمٍ=كَمِثلِ عَصَا مُوسى إذا التَقَفَتْ سِحرَا
فَيا عَجَبَاً لِلجَروِ يَقتُلُ حَيدَراً=وَيَا عَجَبَاً لِلنَّملِ يَفتَرسُ الصَّقرَا
وَحَيثُ أُذيقَ الصَّقرُ صَابَ حِمَامِهِ=فَقُلْ لِتَفَاريقِ القَطَا تألَفُ الوَكرَا
فَلا فَطَمَتْ بعدَ ابنِ فاطِمَ مُرضِعٌ=رَضيعاً ولا دَرَّتْ على مُرضَعٍ دَرَّا
فَمَن ذا الذي يُغني غِناهُ بِحَربِهِ=و مِحرابِهِ أو حِينَ سَرَّاءَ أو ضُرَّا
و لا سُلَّتِ البِيضُ الرِّقاقُ لِحادِثٍ=سِوىَ أن تَرَى الجُردَ العِتاقَ بِهَا عَقرَا
عَقَرتُ جَنَانِي إن سَلا عَنكَ حَيدَرٌ=و أعرَضتُ أن أعرَضتُ عَنكَ إلى الأخرى
فَحُبُّكَ إيمَانٌ و بُغضُكَ ضِدُّهُ=و أنتَ أمينُ اللهِ و الآيَةُ الكُبرَى
أيا عِلَلَ الإيجَادِ و الفَوزِ في غَدٍ=خٌذٌوا بِيَدِي لا تَترُكُونِي و الوِزرَا
فَمَاليَ ذُخرٌ غَيرُ خَالِصِ حُبِّكُمْ=و أعظِم بِهَذَا للفَتَى حَسَنٍ ذُخرَا
سَمَوتُ إليكُمْ مَاضِيَ العَزمِ لا كَمَنْ=يُقَدِّمُ رِجلاً ثُمَّ لا يَرفَعُ الأُخرَى
شَرِبتُ رَحيقُ الحُبِّ فِيكُمْ مُمَسَّكَاً=فَمَهمَا أَصُغْ شِعرَاً يَضَع في الوَرَى عِطرَا
فَشُمَّا لِمِعطَارِ المَفَارِقِ طِفلَةً=عَرُوساً نَكُولاً في الزَّفَافِ و لا بِكرَا
تُضيءُ مِنَصَّاتِ الجَلاءِ بِلُؤلُؤ=تَلألَأَ في عِقدِ الوِلا زَيَّنَ النَحرَا
عُرُوضاً لِقَولِ العَالِمِ العَلّمِ الّذي=سَمَا فَوقَ قَرنِ الشَّمسِ أخمَصُهُ فَخرَا
مُحَمَّداً المَحمُودُ فِعلاً وَعُنصُراً=سَليلُ ابنِ عُصفُورٍ مَنِ افتَرَسَ الصَّقرَا
إلامَ التَّمَادُعِ في الضَّلالَةِ و الخُسرَى=و تَتْرُكُ ما يُجديكَ في النَّشأَةِ الأُخرَى
عَلَيكُمْ سَلامُ اللهِ يا خِيرَةَ الوَرَى=مَتَى امتَنَعَ الأعدَادُ أن تَقْبَلَ الحَصرَا