هذي الطفوف و تلك شمّ قبابها
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
هذي الطفوفُ و تلكَ شُمُّ قِبابِهَا=فاحطُط رحالكَ في رَحيبِ رِحابِهَا
في روضةٍ لم يخلُقِ الباري لها=فيما براهُ من الرِّياضِ مُشابِهَا
فاقَت على رَوضِ الجِنانِ و كيفَ لا=و أريجُها من زعفرانِ تُرابِهَا
فامشِ الهُوينا قاصِدَ القِبَبِ الَّتي=تَتَهافَتُ الأملاكُ في أعتابِهَا
و اجهَد بنَفسِكَ أن تفوزَ بلَثمَةٍ=مِنهَا فَيَا طُوبى لمن يَحظى بِهَا
و استمطِرِ الأجفانَ ماء شُؤُونِهَا=حتَّى إذا انهَمَرَت بُرُوقُ دِبابِهَا
فاعلَمهُ إذناً في الزيارةِ و احتفِظ=و احذر من التَّفريطِ في آدابِهَا
فادخُل بأثوابِ السَّكينَةِ خاشعاً=و انشُر على عِطفَيكَ في جِلبابِهَا
فإذا دَنَوتَ من الضَّريحِ فَقِف و لا=تَحبِس دُموعَكَ فهوَ وَقتُ صَبابِهَا
و اعلم بأنَّ السِّبطَ مُطَّلِعٌ يَرَى=زُوَّارَهُ وَيَعي جَميعَ خِطابِهَا
فَزُرِ الحُسينَ و لو زيارَة موجِزٍ=إن عاقَتِ الأوقاتُ عن إطنابِهَا
و قُلِ السلامُ عليكَ يابنَ المُصطفى=هادي الوَرَى لِمَعَاشِهَا و مآبِهَا
يابنَ الوصيِّ المُرتضى عَلَمِ الهُدَى=تِبيانِ طُرقِ ضَلالِها و صَوَابِهَا
يابنَ المُطَهَّرَةِ البَتولِ و من غَدَا=جبريلُ فوقَ العَرشِ من خُطَّابِهَا
و يُعينُها و خليلُهُ ميكالُ في=بَعضِ الأمورِ إراحَةً لِجَنَابِهَا
يا مَن يُلاطُفُهُ الأمينُ بمَهدِهِ=و اللُّطفُ بالأطفالِ من أحبَابِهَا
يا مَن مَلائِكَةُ السَّماءِ تَبَرَّكَت=بِشَميمِ تُربَتِهِ و باستِصحابِهَا
يا مَن أعادَ جُناحَ فُطرُسَ سالِمَاً=من كَسرِهِ فَسَمَا إلى أسبَابِهَا
مَن دَرِدْيَائِيلُ عَتيقَ دُعائِهِ=فَسَمَا بِهِ فَخراً على ألقابِهَا
يا وارِثَ الحَسَنِ الزَّكيِّ شَقيقِهِ=و هُمَا لَدَى الجنَّاتِ خيرَ شبابِهَا
يا مَن فَدَاهُ الطُّهرُ أحمَدُ بابنِهِ=حَيثُ المَنيَّةُ كَشَّرَت عن نابِهَا
يا مَن مُصيبَتُهُ إذا عَنَّتَ لَنَا=في كُلِّ هَمٍّ يَنجَلي عَنَّا بِهَا
أنتَ الوَليُّ ابنُ الوَليِّ أخو الوَليِّ=أبو الوُلاةِ الغُرِّ من أنجَابِهَا
النَّاسِكُ البَكَّاءُ في مِحرابِها=و الفاتِكُ البَسَّامُ بَينَ حِرابِهَا
الخاطِفُ الأرواحَ من أجسادِها=بالصَّارِمِ السَّفَّاح فَيضِ رِقابِهَا
الطَّاعِنُ الأبطالَ في أكبادِهَا=و المُخرِجُ العَسَّالَ من أصلابِهَا
القاصِمُ الأصلابَ من آسادِهَا=و التَّارِكُ الأسلابَ لا يَعبَى بِهَا
المُحتَسي كأسَ الشَّهادَةِ راغِبَاً=فيهَا لِأَنَّ اللهَ جَلَّ قَضَى بِهَا
يا سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ يا مَن رِزؤُهُ=عَمَّ الوَرَى طُرَّاً عَدَا نُصَّابِهَا
يا مَن بَلابِلُ حُبِّ شِيعَتِهِ لَهُ=وَلَعَت بِلَقطِ الحَبِّ من ألبَابِهَا
و استَودَعَتها في كُؤُوسِ شُؤُونِها=فَمَدَامِعُ العَينَينِ عَينُ حِجَابِهَا
ثُمَّ الثُمِ القَبرَ الشَّريفَ فَإنَّهُ=من شَأنِ أملَاكِ السَّمَاءِ وَدَابِهَا
و اقصُد عَلِيَّ بنِ الحُسينِ مُسَلِّمَاً=و بَقيَّةَ الشُّهداءِ من أطيابِهَا
الباذِلِينَ نُفُوسَهُم في طاعَةِ=الرَّحمَانِ فاغتَنِمُوا جَزيلَ ثَوابِهَا
لا سِيَّمَا العَبَّاسَ بَدرَ كَمَالِهَا=و شُعاعَ نَيِّرِهَا و ضَوءَ شَهَابِهَا
و اعدِل بِقَصدِكَ لا تَمُرَّ بِبُقعَةٍ=ذُبِحَ الحُسَينُ بِهَا دَعِيُّ ضِبَابِهَا
إنِّي أخافُ عَلَيكَ أن تَمرُرْ بِها=أن لا تُوَفِّيهَا حُقُوقَ مُصابِهَا
لَم يَقضِ مَن أجرَى الدُّمُوعَ بتُربِهَا=حَقاً لَهَا و دَمُ الحُسَينِ جَرَى بِهَا
ما أسرَفَت نَفسٌ تَسيلُ بِبُقعَةٍ=سالَت دِمَاءُ السِّبطِ فَوقَ تُرَابِهَا
وَلِمَنْ يَبيتُ على الفِراشِ مُنَعَّمَاً=و السِّبطُ عاري الجِسمِ بَينَ شعَابِهَا
وَلِمَنْ يَنَامُ على الوِسادِ و رأسُهُ=بِسَنَانِ أسمَر فاقَ صُمَّ كِعابِهَا
و اذكُر إذا عايَنتَ أخبيَةَ النِّسَا=إبرازَهَا قَهراً وَهَتكَ حِجَابِهَا
عَطشى نَوَاهِلَ مِن دُمُوعِ عُيُونِهَا=ثَكلى ذَوَاهِلَ مِن عَظيمِ مُصابِهَا
تُخفي البُكاءَ عَن الأعادي عِفَّةً=مِنهَا و تُغضي الطَّرفَ عن سَلَّابِهَا
حَسرَى تُشالُ على صِعابِ جِمَالِهَا=قَسرَاً فَتَحمِلُهَا على أقتابِهَا
لا فَوقَها سِترٌ ولا مِن تَحتِهَا=فَرشٌ سِوَى أردانهَا و ثِيَابهَا
و السَّيِّدُ السَّجَّادُ في أصفادِها=مِن فَوقِ أجرَدَ مِن أشَدّ صِعَابِهَا
يا أُمَّةً نَقَضَت عُهُودَ نَبيِّها=و مَحَت وَصيَّتَهُ الّتي أوصى بِهَا
أرسَلتِ في يَومِ (...) أسهُمَاً=لِلبَغي يَومَ الطَّفِّ وَقتَ مُصابِهَا
فَتَيَقَّنِي أنَّ النَّبيَّ و آلَهُ=يَومَ القيامَةِ أولياءَ حِسَابِهَا
فَوَلِيُّهُم يَحظَى جَزيلَ ثَوَابِهَا=و عَدُوُّهُم يَصلَى وَبيلَ عَذابِهَا
يا صَفوَةَ الله الَّتي طِبنا بِمَا=وَهَبَ المُهَيمِنُ من تَمَسُّكِنَا بِهَا
يا عِلَّةَ الفَيضِ الإلهِيِّ الَّتي=فاضَت بِهَا الخَيراتُ مِن أسبابِهَا
الظَّنُّ مِن حَسَنٍ بِكُم حَسَنٌ فَلا=أخشى غَدَاً ناراً ولا أصلى بِهَا
أنا مِن أُصولٍ شُرِّفَت بِوِدَادِكُم=مِن قَبلِ خَلقِ الّرِّ مِن أصلابِهَا
فَزَكَت فُروُعاً فالنَّجاةُ مِنَ اللَّظَى=و الفَوزُ بالجَنَّاتِ بَعضُ ثَوَابِهَا
يا رَبِّ حَقِّق ما رَجَوتُ وَجُد بِهِ=لِجَميعِ شيعَتِهِم بِيَومِ مَآبِهَا
وَأَدِم صَلاتَكَ لِلنَّبِيِّ وَآلِهِ=ما أضحَكَ الرَّوضَ انتِحَابُ سَحَابِهَا