ما المجد بالآباء مجد
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
سَمَا بكَ في العلياءِ جَدٌّ و والِدُ=و أنتَ عَنِ المَجدِ المُؤَثَّلِ قاعِدُ
كأنَّكَ تَرجو أن تَعيشَ مؤسَّداً=و لمَّا تُبَيِّضْ مَفرِقَيكَ الشّدائدُ
و أنَّكَ بالمَجدِ الَّذي أنتَ وارثٌ=سَتُدرِكُ ما جَدَّت إليهِ الأماجِدُ
و ما المَجدُ بالآباءِ مَجدٌ و لو عَنَت=إلى ذلِكَ المَجدِ الأثيلِ الفَرَاقِدُ
و ما حَكَمَ الهِنديُّ إلا عُقَيبَ ما=تَحَكَّمَ في مَتنَيهِ حامٍ و بارِدُ
فَخُضْ غَمَراتِ المَجدِ و اصعَد عِقابَهُ=و لو لَم تَكُن إلا الصِّعادُ مَصَاعِدُ
ألَم تَرَ أنَّ السِّبطَ لاقى بكَربلا=خُطُوباً لِأَدناها تَذوبُ الجلامِدُ
غَدَاةَ تقاضَت مِنهُ آلُ أُمَيَّةٍ=ذُخُولاً لها خَيرُ الوَصيِّينَ واقِدُ
فَجَادَهُم في عُصبةٍ من رِجالِهِ=ضراغِمَ تَخشاها الأُسُودُ الحَوارِدُ (1)
كأنَّهُمُ في القَومِ شُهبٌ تَوَقَّدَت=إذا كَرَّ مِنهُم ثاقِبٌ خَرَّ مارِدُ
إلى أن قَضَوا نَحباً و أضحَوا كأَنَّهُم=أضاحي عَلَيها النَّجعُ جارٍ و جامِدُ
و لَم يَبقَ إلَّا السِّبطُ يَحمي حَريمَهُ=بِمُهجَتِهِ إذ لَم يَجِد مَن يُساعِدُ
إذا كَرَّ كانَ في الجَيشُ صِنفانِ هالِكٌ=و آخَرُ مِن خَوفِ المَنيَّةِ شارِدُ
و صَوبَ قَصداً لِلنِّساءِ مَودِّعَاً=و أنفاسُهُ مِن أجلِهِنَّ صَوَاعِدُ
يُرَدِّدُ طَرفاً في الخِيَامِ فلا يَرَى=سِوَى نِسوَةً أصواتُهُنَّ خَوَامِدُ
و غَيرَ عَليلٍ ناحِلِ الجِسمِ مُدنَفٍ=يُساوِرُهُ جُهدٌ مِنَ الضُّرِّ جاهِدُ
إلى صِبيَةٍ حَرَّى الجَوانِحِ تَلتَضي=أُوَامَاً و جاري الماءِ عَذبٌ و بارِدُ
و دُونَ وُرُودِ الماءِ بِيْضٌ صَوَارِمٌ=و عسَّالَةٌ في غُربِهَا المَوتُ واردُ
و لاحَت علاماتُ الفِراقِ و إنَّها=ستُسبى إذا لم يَبْقَ عَنهُنَّ ذائِدُ
فكم يَحمِلُ القلبُ الشَّفيقُ إذا رَأَى=أحِبَّتَهُ يَسطو عليهَا المُعانِدُ
فكيفَ و مِثلُ السِّبطِ روحي فِداؤُهُ=فَقيدٌ و مِثلُ الطَّاهِراتِ فَوَاقِدُ
فلا غَروَ لو تِلكَ النُّفوسُ تَصاعَدَت=دُمُوعَاً تَهَاوى و هيَ دُرٌّ فرائِدُ
فما حالُ تِلكَ الطَّاهِراتِ و قد رأَتْ=كَريمَ حُسَينٍ و هوَ في الرُّمحِ مائِدُ (2)
و جُثمانُهُ فَوقَ الصَّعيدِ مُجَرَّدٌ=تُغَطيهِ مِن فَيضِ الوَريدِ مَجَاسِدُ (3)
ذَبيحاً بِحَدِّ السَّيفِ ظُلماً مِنَ القَفَا=على ظَمَأٍ و الماءُ جارٍ و رَاكِدُ
و مِن عَجَبٍ يَشكو الظَّمَا و بِكَفِّهِ=بُحُورٌ عَلَيهَا زاخِرُ البَحر وافِدُ
فَلَيتَ رَسولَ اللهِ كانَ مُشاهِداً=شَدَائِدَ ما ضَمَّتهُ تِلكَ المَشاهِدُ
إذ الفاطِميَّاتُ العَزيزَاتُ عِندَهُ=عَلَيهُنَّ مِن ضَربِ السِّياطِ قلائِدُ
بَوَارِزُ في ذُلِّ السِّباءِ حَوَاسِراً=و قد مُلِئَت مِنهَا العُيُونُ الرَّوَاصِدُ
و نِسوَةُ حَربٍ في الحِجَابِ مُعَدَّةٌ=إلَيهِنَّ في ظِلِّ القِبابِ مَسَانِدُ
أُمَيَّةُ ما أنتُم بَني عَمِّ هاشِمٍ=صَريحاً و لكن أَلصِقَاءٌ أبَاعِدُ
و لَو كُنتُم مِن عَبدِ شَمسٍ لِصُلبِهِ=لَكَانَ لَكُم مِنهُ عَلَيهِ شَواهِدُ
فكُلُّ أبٍ في صُلبِهِ مِن طِباعِهِ=شَوَاهِدُ حتى أُسدُهَا و الفَرَاقِدُ (4)
و لكِنَّكُم أبناءُ عَبدِ مُزَنَّمٍ=متى استَلقَ لَم تَشمُل قَفَاهُ الوَسَائدُ
كما هُوَ فيما بَينَ أَلسِنَةِ الوَرَى=شَهيرٌ و في ضِمنِ التَّواريخُ وارِدُ
و هَبْ أنتُمُ لَم تُسلِمُوا عَن إرَادَةٍ=و لكِن أطَعتُم و النُّفوسُ جَوَاحِدُ
و حَيث تمَكَّنتُم أخَذتُم بثَارِكُم=و كُلُّكُمُ عَن مَنهَجِ الحَقِّ حائِدُ
أمَا شيمَةُ الأحرارِ أن يَخفِرُوا النِّسَا=حِفاظَاً فلا يُؤذينَ حَتَّى الوَلَائِدُ
فما بالَكُم هتَّكْتُمُ الخِيَمَ الَّتي=بها الطَّاهِراتُ المُحصَنَاتُ الخَرَائِدُ
أما كانَ يَومَ الفَتحِ نَصبُ عُيُونِكُم=و ما يَومُهُ عَن يَومِكُم مُتَبَاعِدُ
و سَيفُ رَسُولِ اللهِ في كَفِّ حَيدَرٍ=و أسَادُكُم عَنهُ نَعَامٌ شَوَارِدُ
و لو شاءَ أن يَمحُو بِحَدِّ حُسامِهِ=رُسُومَكُم أضحَت وَهُنَّ هَوَامِدُ
أمانيكُم أن تُستَرَقُّوا و تُسلِمُوا=و يَملِكُ ما تَحوَونَ نامٍ و جَامِدُ
فأَعتَقَكُم عَتقَ الكَريمِ عَبيدَهُ=سَمَاحَاً و بالمَعروفِ تُشرى المَحَامِدُ
و أعرَضَ عَمَّا تَملِكونَ و إنَّهُ=و إن جَلَّتِ الأموالُ فيها لَزَاهِدُ
و أسدَلَ ثَوبَ الصَّونِ فَوقَ نِسائِكُم=و مِنها القِيَانُ المُطرِباتُ السَّوامِدُ (5)
و كُنتُم حُضُورَ العَسكَرِ الجَمَلِيِّ إذ=عَفَى المُرتَضى عَن جُرمِكُم و هوَ واجِدُ
وَصفِّينُ إذ أحرَزتُمُ الماءَ دُونَهُ=عِناداً و شَرُّ الظَّالمينَ المُعانِدُ
و جادَ بِهِ مِن بَعدِ ما ظَفَرَت بِهِ=يَدَاهُ و خَيرُ الظَّافِرينَ الأجاوِدُ
فَهَلَّا صَنَعتُم في بَنيهِ كَصُنعِهِ=أبَى طَبعُكُم هَل مَجَّ شَهدَاً أسَاوِدُ؟ (6)
و ذلِكَ أدنَى الفَرقِ بَينَ ذَوَاتِكُم=و شَتَّانَ ما أوغادُها و الأماجِدُ
نِظَامُ وُجُودِ الخَلقِ هاكُم لآلِئَاً=لها حَسَنٌ في مَسلَكِ الحُسنِ ناضِدُ
فإن فازَ مِنكُم بالقبولِ فَكَم لَكُم=على رِقِّكُم فَضلٌ طَريفٌ و تالِدُ
فَكونوا غَداً لي عَن لَظَى النَّارِ ذادَةً=فَلَيسَ سِواكُم في البَريَّةِ ذائِدُ
كذاكَ أُصولي و التَّفاريعُ مِنُهمُ=و مُنشِدُ نَظمي و السَّميعُ المُسَاعِدُ
لَكُم عندَنَا صِدقَ الوَلا فَلتَكُن لنا=مقاماتُ صِدقٍ عِندَكُم و مَقَاعِدُ
عَلَيكمُ سَلامُ اللهِ ما عَمَلٌ زَكَى=بِكُم فَهوَ مَرفوعٌ إلى القُدسِ صاعِدُ