يبكيك مسجدك الذي تحييه نفلا
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
أتَظَلُّ تُطربُكَ الطُّلولُ الهُمَّدُ=حيثُ استقلَّ قَطينُها و تبعَّدوا
و تَبيتُ ترتقبُ النُّجومَ مُقلقَلَاً=و حَلاً إذا عَفَتِ العُيُونُ الرُّقَّدُ
و تِسِحُّ مَدمَعَكَ الهَتُونِ لِمعشَرٍ=مِن فَوقِهِم ثَبُتَ الحَصَى و الجَلمَدُ
لا يَسمعونَ إذا دعا الدَّاعي و لا=يَتَوَدَّدونَ لِمَن لَهُم يَتَوَدَّدُ
لِمَ لا يَكونُ عَزيزُ دَمعِكَ لِلأُلى=وُجِدُوا و لَم يَكُ مَن سِواهُم يُوجَدُ
عِلَلُ الوُجُودِ و صَفوَةُ الباري و مَن=لَهُمُ المفاخِرُ و العُلى و السُّؤدَدُ
آلُ النَّبيِّ الطَّاهرينَ مِنَ الخَنَا=و المُتَّقونَ الرَّاكعونَ السُّجَّدُ
حَسَدَتهُمُ الأعداءُ مَجدَهُمُ الذي=خُصُّوا بِهِ دُونَ الورى و تَفَرَّدُوا
و عليهِم كُلَّ المسالِكِ سدَّدُوا=و إلَيهم سَهمَ المهالِكِ سَدَّدُوا
ما في البَسيطَةِ بُقعةٌ إلا لَهُم=فيها قَتيلٌ أو طَريدٌ مُبعَدُ
فَلَهُم بِطَيبَةَ و الغَريِّ و كوفَةٍ=و بِطُوسَ أجداثٌ تُزارُ و تُقصَدُ
و إذا جرى ذِكرُ القَتيلِ بكَربَلا=تَنفَتُّ مِن عِظَمِ المُصابِ الأكبُدُ
أفديهِ فَردَاً في المجالِ و ما بِهِ=دَهَشٌ يَرِدُّ القومَ عَنهُ و يَطرِدُ
تَتَفَلَّقُ الهاماتِ مِن ضَرَبَاتِهِ=و تَبينُ منهُنَّ الرُّؤُوسُ و تُبعَدُ
أسَدٌ تخافُ الأُسدُ مِن وَثَبَاتِهِ=وَثَبَاتِهِ بَينَ النِّصال و تُرعِدُ
ما زالَ يَختَطِفُ النُّفوسَ و سَيفُهُ=يَنسَلُّ مِن تِلكَ الرؤُوسِ و يُغمَدُ
حتَّى أُتيحَ بِنَبلَةٍ في قَلبِهِ=فانصاعَ يَشكُرُ لِلإلهِ و يَحمَدُ
فَهَوَى على حَرِّ الجَبينِ مُعَفَّراً=و عُلاهُ في دَرَجِ الوَسيلَةِ يَصعَدُ
نَفسي الفِداءُ لَهُ يَجودُ بنَفسِهِ=و عَلَيهِ لِلشِّمرِ المُزَنَّمِ مَقعَدُ
قَدَمَاهُ قَد عَلَتَا على حَيزُومِهِ=و بِكَفِّهِ صافي الفِرَنْدِ مُجَرَّدُ
و الطَّاهِراتُ صوارِخٌ مِن حَولِهِ=زَفَرَاتُهُنَّ فَجيعَةٌ تَتَصَعَّدُ
كُلٌّ تُحاولُ ضَمَّهُ في صَدرِها=فيَصُدَّها عَنهُ اللَّعينُ و يَطرِدُ
يَدعونَ بالشِّمرِ اللَّعينِ و قد جَثَا=مِن فَوقِهِ يا أَيُّها المُتَمَرِدُ
خَلِّ الحُسَيْنَ فما لنا مِن بعدِهِ=مِن كافلٍ يَحمي الذِّمارَ و مُنجِدُ
خَلِّ الحُسَيْنَ لِصِبيَةٍ لو خُيِّروا=لَرَضَوا بأن يَبقى الحُسَيْنُ و يُفقَدُوْا
خَلِّ الحُسَيْنَ لِسائِلٍ يَرجُو الغِنَى=و مسائِلٍ في العِلمِ عَنهُ تُنشَدُ
فطغى اللَّعينُ و كَبَّهُ فوقَ الثَّرى=و غدا لِأودَاجِ الحُسَيْنِ يُقَدِّدُ
و أشالَ مِنهُ الرَّأسَ فَوقَ قَنَاتِهِ=كالبَدرِ قارَنَهُ منازِلُ سُعَّدُ
فاغبَرَّتِ الآفاقُ و اعتَكَرَ الدُّجى=و استهلَكَ النُّورَ الظَّلامُ الأسوَدُ
لولا سنا رأسِ الحُسَيْنِ على القنا=أغنى غِنى شَمس الضُّحى لَم يَهتَدُوا
و أُبيحَ رَحلُ السِّبطِ نَهبَاً بَينَهُم=فَغَدَت تقاسمُهُ الطُّغاةُ الجُحَّدُ
و نِساؤُهُ بينَ الأعادي و هيَ مِن=ثُكْلٍ و مِن ثِقلِ المَصَائِبِ ضُهَّدُ
و حُمِلنَ فوقَ اليَعمُلَاتِ حَواسِراً=لكِن تُقَنَّعُ بالسِّياطِ و تُجلَدُ
أَسرَى على قُتُبِ المطايَا شُعَّثَاً=سُغَبَاً بغَيرِ النَّوحِ لا تَتَزَوَّدُ
أجفانُها مَقروحَةٌ و قُلُوبُها=مَجروحَةٌ و دُمُوعُها لا تَجمَدُ
و سُكَينَةٌ تَدعو أباها يا أَبيْ=مَن ذَا خِلافَكَ لي يُعينُ و يُرشِدُ
مَن ذا إذا عَضَّ الزَّمانُ بِنَابِهِ=نَلجَأ لِظِلِّ جَنابِهِ فَنُؤَيَّدُ
مَن ذا يَحوطُ المُسلمينَ بسَيفِهِ=يَكلي الثُّغورَ مِنَ العِدا و يُسَدِّدُ
مَن لِلكِتابِ و سُنَّةِ الهادي و مَن=يَحمي حشمَى الدِّينِ الحَنيفِ و يَعضِدُ
أبكيكَ إذ يَبكيكَ الليلُ الَّذي=فيهِ إذا هَجَدَ الوَرَى تَتَهَجَّدُ
أبكيكَ إذ يَبكيكَ مَسجِدُكَ الَّذي=تُحييهِ نَفلاً و الخلايِقُ هُجَّدُ
اليومَ ذا سُحُبُ الرَّشادِ تَقَشَّعَت=و الغَيُّ عارَضَهُ بُرُوقٌ تُرعِدُ
و العِلمُ قَد جَفَّت شَرَايِعُ وِردِهِ=و الجَهلُ مِلءُ الأرضِ طَامٍ مُزبِدُ
و الدِّينُ مُندَفِعُ العِمَادِ مُهَدَّمٌ=و الكُفرُ مُرتَفِعُ البِنَاءِ مُشَيَّدُ
و تَظَلُّ مِن وَجدٍ تُنادي جَدَّهَا=يا جَدَّنا جارَ الزَّمَانُ الأنكَدُ
يَا جَدَّنَا أخذَت أُمَيَّةُ ذُحلَهَا=مِنَّا و أبدَت ما تُجِنُّ و تَحْقِدُ
يَا جَدَّنَا قَتَلوا حَبيبَكَ جَهرَةً=و لِشَملِ عِترَتِكَ الأطائِبِ بَدَّدوا
يَا جَدُّ هذا جِسمُهُ فوقَ الثَّرى=تَسفي عَلَيهِ الرَّائِحَاتُ العُوَّدُ
شِلوَاً تَحَامَاهُ الأُسُودُ فَوقَ الثَّرى=تَسفي عَلَيهِ الرَّائِحاتُ العُوَّدُ
قد لَفَّهُ فُرشُ الصَّعيدِ و مُطرَفٌ=مِن قَسطَلٍ بِدَمِ الوَريدِ مُورَّدُ
لكِنَّهُ يا جَدُّ غَيرُ مُوَسَّدٍ=مَن رأسُهُ في الرُّمحِ كَيفَ يُوَسَّدُ
و الطُّهرُ زَينُ العابِدِينَ مُغَلغَلٌ=عانٍ أسيرٌ في القُيُودِ مُصَفَّدُ
يُسرى بِنا و بِهِ و رأسِ أبيهِ في=رأسِ السِّنانِ و نُورُهُ يَتَوَقَّدُ
نُهدى جَميعاً و الرُّؤُوسُ أمامَنَا= لِسَليلِ وَغدٍ قد نَمَتهُ الأوغُدُ
فَيَظَلُّ مَسروراً طَروبَاً شامِتاً=جَذلانَ مِن فَرَحٍ يَقومُ و يَقعُدُ
و يَظَلُ يَقرَعُ بالقَضيبِ شَمَاتَةً=ثَغرَ الحُسَيْنِ فأيُّ عَينٍ تَرقَدُ
فعلى يَزيدُ و تابِعيهِ و رَهطِهِ=لَعنٌ يَزيدُ مُؤبَّداً لا يَنفَدُ
يا آلَ أحمَدَ إنَّ أحمُدَكُم بما=في الآيِ مِن كُلِّ المحامِدِ أحمَدُ
أنا عَبدُكُم ما لي سِواكُم مَفزَعٌ=هَل مَفزَعٌ لِلعَبدِ إلَّا السَّيِّدُ
يَرجُوكُمُ حَسَنٌ بِأن تَتَشَفَّعُوا=فيهِ إذا ضَمَّ الأنامَ المَوعِدُ
و لِوالِدَيَّ تَتشفَّعوا يا سَادَتي=لا سِيَّما أَبِيَ الشَّفيقُ مُحَمًّدُ
و كذا شَقيقَيَّ اشفعوا لَهُمَا إذا=أَتَيَا غَدَاً عَبدُ النَّبيِّ و أحمَدُ
و لِسامِعٍ داعٍ يَدينُ بِحُبِّكُمْ=و كذا المُقيمُ عَزَاءَكُم و المُنشِدُ
ثُمَّ السَّلامُ مِنَ السَّلامِ عَلَيكُمُ=ما نَاحَ طَيرٌ في الغُصُونِ يُغَرِّدُ