شهر مشوم مستطير
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
مُحَرَّمُ لا أهلاً بِوَجهِكَ مِن شَهرِ=و لا بُورِكَت أيَّامُ عَشركَ في الدَّهرِ
لَأنتَ المَشومُ المُستَطيرُ على الورى=خُطوباً و رامِيهِم بِقاصِمَةِ الظَّهرِ
و لا سيَما العاشورِ مِن عَشرِكَ الَّذي=بِهِ غَرَقَ الإسلامُ في لُجَّةِ الكُفْرِ
و أضحَت شُمُوسُ المَجدِ في فَلَكِ العُلى=أوَافِلُ ما بَينَ القواضِبِ و السُّمْرِ
و أمسَت بُدُورُ الفَضلِ وَهْيَ كَوامِلٌ=غوارِبُ في غُربِ المُهَنَّدَةِ البتْرِ
و غارَت بِحارُ العِلمِ غَوراً و كَم سَقَت=مَوَاتَ قُلوبٍ قد يَئِسنَ مِنَ الذِّكرِ
و دُكَّت جِبالُ الحِلمِ دَكَّاً و كَم عَفَت=فَكَفَّت عَنِ الأسرى و فَكَّت مِنَ الأسرِ
غَدَاةَ رِجالُ اللهِ آلُ مُحَمَّدٍ=تَذوقُ الرَّدى ظُلماً بِحَربِ بَني صَخرِ
فإن أنسَ لا أنسَ الحُسَينَ بكربلا=وَحيداً و قد دارت بِهِ عُصَبُ الغَدرِ
إذا جالَ بالأبطالِ خِيلَ إلَيهِمُ=مَجَالَ عَليٍّ بالكتايِبِ في بَدرِ
فما شَدَّ نَحوَ القَومِ إلَّا تطايَرُوا=تَطَايُرَ أفواجِ البُغاثِ عَنِ الصَّقرِ
فصاراهُمُ في الضَّربِ و الطَّعنِ خِلسَةً=على عَجَلٍ مِمَّا عَرَاهُم مِنَ الذُّعرِ
و رَشقُ سِهامٍ سَدَّتِ الأُفقِ سُدِّدَت=إلَيهِ كما سَدَّ الفضا صَيِّبُ القِطرِ
فَوَافَاهُ سَهمٌ خارِقٌ في فُؤادِهِ=فَخَرَّ صَريعاً لِليَدَينِ و لِلنَّحرِ
بِنَفسي رَفيعَ القَدرِ يَهوي و ما هَوَى=مَنِ ازدادَ في مَهواهُ مِن رِفعَةِ القَدرِ
هَوَى و هوَ مَشغولٌ جَنَانَاً و لَهجَةً=بِتَعظيمِ رَبِّ العَرشِ بالحَمدِ و الشُّكرِ
سَلا نَفسَهُ حَيثُ اطمَأَنَّ بِرَبِّهِ=و عِندَ الرِّضى يَلتَذُّ بالعَلقَمِ المُرِّ
كَأَنِّي بِهِ و الشِّمرُ مِن فَوقِ صَدرِهِ=يُحاوِلُ أمراً جُلَّ ذلِكَ مِن أَمرِ
يُخاطِبُهُ يا شِمرُ هَبْكَ قَتَلتَنيْ=فَهَل لَكَ في قَتلي لَكَ الوَيلُ مِن فَخرِ
أمِن بَعدِ ما أصبَحتُ مُلقىً على الثَّرى=أُقاسي الرَّدى أَقبَلتَ تَرقى على صَدريْ
فَهَلَّا إذا أَزمَعتَ قَتلي لَقَيتَنِيْ=و سَيفي بِكَفِّي عالياً صَهوَةَ المُهرِ
فَأُقسِمُ لَو أَنِّي ظَفَرتُ بِشَربَةٍ=تَبُلُّ صدى قلبي لَمَا رُمتُمُ قَهريْ
فها أنا ذا يا شِمرُ مِن شِدَّةِ الظَّما=أُحِسُ بِقَلبي كالشِّواءِ على الجَمرِ
فإن تَسقيني تُؤجَر و إن تَمتَنِع أَمُت=كَريماً و تَصلى النَّارَ يا شِمرُ في الحَشرِ
على أَنَّني أسطيعُ صَبراً على الظَّما=فَهَل لَكَ يا شِمرٌ على النَّارِ مِن صَبرِ
فَيَا لَكَ مِن وَعظٍ بَليغٍ لَوِ انتَهَى=لِأُذْنٍ بلا وَقرٍ و قَلبٍ بلا كُفرِ
و لا عَجَبَاً مِن مِثلِ شِمرَ إذا اجتَرَى=على اللهِ و استَهزَا بِشأنِ أُولِيْ الأَمرِ
و حَكَّمَ حَدَّ السَّيفِ مِن مَنحَرِ الهُدى=و هَبَّر أودَاجَ الإمامَةِ و الفَخرِ
و مَيَّزَ رأساً شادَ لِلعُربِ مَفخَراً=و لا سِيَّمَا أشرافهُم مِن بَني النَّضْرِ
و شالَ بِهِ فَوقَ السِّنانِ مُكَبِّراً=و قَد قَتَلَ التَّكبيرَ مِن حَيثُ لا يَدريْ
عَذيري مِن صَخرِ بنِ حَربٍ و حَربِهِم=بَني أحمَدَ ما ذَنبُ أحمَدَ في صَخرِ
جَزُوهُ على إطلاقِهِم يَومَ فَتحِهِ=لِمَكَّةَ في أهلِيهِ بالقَتلِ و الأسْرِ
و لَم يَكفِهِم قَتلُ الحُسَينِ و رَهطِهِ=و رَفعِهِمُ تِلكَ الرُّؤُوسَ على السُّمرِ
عَنِ السَّبيِ لِلنِّسوَانِ يَبكِينَ حُسَّراً=صَوَاغِرَ مِن فوقِ الجِمالِ بلا سِترِ
يُنادينَ يا جَدَّاهُ يا خَيرَ مُرسَلٍ=أَأَنتَ عَليمٌ أَنَّنَا اليَومَ في الأَسرِ
يَرِقُّ لَنَا قَلبُ الحَسُودِ لِما جَرَى=عَلَينَا مِنَ التَّنكِيلِ و الجُهدِ و الضُّرِّ
أيَامى بلا والٍ سَبَايَا بلا وَطَاً=سُهارى بلا شُغلٍ سُكارى بلا خَمرِ
نُكَلِّمُ زَجراً كَي يَرِقَّ لنا فَما=نُكَلَّمُ إلا بالسِّياطِ و بالزَّجرِ
تَرَفّق بِنا يا حاديَ العِيسِ سَاعَةً=نُرِح مُهجاً ذابَت مِنَ السَّيرِ و السُّعرِ
أيا زَجرُ قَد حانَ المَقيلُ فَقِل بِنا=قَليلاً فَقَد كِدنا نَموتُ مِنَ الحَرِّ
أَلَم تَترُكُوا أوتارَكُم مِن رِجالِنَا=فَهَل لَكُمُ عِند الأرامِلِ مِن وِترِ
أَلَم تَترُكُوا سِبطَ النَّبيِّ على الثَّرى=تَريباً خَضيباً شَيبُهُ بِدَمِ النَّحرِ
عَفيراً على وَعرٍ ذَبيحاً بِمُخْذَمٍ=و لَيسَ بِذِي عَظمٍ سَليمٍ مِنَ الكَسرِ
فَذَا رَأسُهُ فَوقَ السِّنانِ كأَنَّهُ=سَنَى البَدرِ أو أَبهَى ضِياءً مِنَ البَدرِ
و أوطأتُمُ الخَيلَ السَّوابِقَ صَدرَهُ=و ذاكَ مَحَلُّ السِّرِّ مِن عالَم السِّرِّ
فَكَم فيهِ لِلدِّينِ الحَنيفيِّ مِن هُدَىً=و كَم فيهِ لِلعِلمِ الإلهيِّ مِن بَحرِ
و كَنَّعتُمُ السَّجَّادَ في القَيدِ موثَقَاً=أسيراً ذَليلاً فاقِدَ النَّصرِ و الظَّهرِ
و أعظَمُ ما نِلناهُ مِن ذُلِّ مَوقِفٍ=لِقاءُ يَزيدٍ في رِداءٍ مِنَ الكِبْرِ
يُصَعِّدُ فينا طَرفَهُ لَحظَ شامِتٍ=تَظَاهَرَ بالبَغضَاءِ في النَّظَرِ الشَّزْرِ
و قَد ظَلَّ مِن طُغيانِهِ و عُتُوِّهِ=يَقُدُّ ثَنَايَا ثَغرِ حامي حِمَى الثَّغْرِ
و يَدعو بِثاراتِ الوَليدِ و عُتبَةٍ=و شيبَةَ و العَاصَ الصَّريعَ لَدَىَ بَدرِ
عَلَيهِم مِنَ الخَلَّاقِ و الخَلقِ كُلِّهِمْ=لَعَايِنُ لا تُحصى و تَبقَى مَدَى الدَّهرِ