لا تتعلّل بالأماني
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
فَجُد أشَدَّ الجِدِّ في طَلَبِ العُلىْ=و لا تَتَعَلَّلْ بالأماني كالحَمقىْ
ألَم تَرَ أنصارَ الحُسَينِ و خَوضَهُم=غِيابَ المَنَايَا والِهينَ لها عَشقَىْ
يَطيرونَ شَوقاً لِلثَّوابِ و غِيرَةً=على الدِّينِ حتَّى يَلتَقوا البِيْضَ و الزُّرقَا
فلا يَحسَبونَ المَوتَ إلَّا سُلافَةً=تُحَدِّثُ عن أسلافِ أسلافِهِم عِتقَا
و لا المُرهَفَاتِ البِيْضِ جازِمَةً طَلَىً=سِوى المُترَفاتِ البِيْضِ لاثِمَةً عَنقَىْ
حُكِيْ عَن حَبيبِ بنِ المُظاهِرِ أَنَّهُ=نَحَا القَومَ مَسروراً يَهِشُّ إلى المَلقَىْ
فَقيلَ لَهُ ما بالُكَ اليَومَ ضاحِكَاً=أَلَيسَ الأَعاديْ قَصدُها قَتلكُم صِدقَا
أتَضحَكُ جَذلانَاً كأنَّكَ تَلتَقي=عَرَائِسَ أو ضَيفاً لَهُ تَبسُطُ الخُلقَا
فَقَالَ أوَقتٌ غَيرُ هذا أحَقُّ أن=أُسَرُّ بِهِ لا و الَّذي خَلَقَ الخَلقَا
فَما هيَ إلَّا أن تَميلَ سُيُوفُهُم=عَلَينَا فَنَلقَى الحُورَ أكرِم بِما نَلقىْ
و ما قالَ صِدقٌ و الجِهادُ غَنيمَةٌ=تَجَنَّبَهَا الأشقى و فازَ بِها الأتقىْ
و حَسبُكَ أنَّ الله أثنى عَلَيهِمُ=و بَشَّرَهُم أن قَد أعَدَّ لَهُم رِزقَا
فَيَا لَيتَ أنِّي كُنتُ فِيهِم مُجاهِداً=عَنِ السِّبطِ حَتَّى مِثلَ ما قَد لَقَوا أَلقَىْ
قَضَوا نَحبهُم تَحتَ الصَّوارِمِ و القَنَا=فَفازوا جَميعاً بالنَّعيمِ الَّذي يَبقىْ
و لَم يَبقَ إلَّا السِّبطُ فَرداً يَجولُ في=مَضَارِبِهِ يَبغي النَّصيرُ فلا يَلقىْ
و عَايَنَ طِفلاً يَستَغيثُ مِنَ الظَّمَا=فَرَقرَقَ مِنهُ الدَّمعُ حَيثُ لَهُ رَقَّا
و أَبرَزَهُ نَحوَ الطُّغاةِ مُعاتِبَاً=لَهُم قائِلاً يا وَيلَكُم راقِبوا الحَقَّا
أَوُحوشُ الفلا في الماءِ تَمرَحُ نُهَّلاً=و آلُ رَسولِ اللهِ تُمنَعُ أن تُسقَىْ
فما كلَّمَتهُ القومُ إلا بأسهُمٍ=كمِثلِ مُصابِ القَطرِ تَرشُقُهُ رَشقَا
فغودِرَ ذاكَ الطِّفلُ و هوَ بكَفِّهِ=بنَبلَةِ رامٍ شَكَّتِ النَّحرِ و الحَلقَا
فجاءَ بِهِ نحوَ النِّساءِ فَكِدنَ مِن=عَظيمِ الأسى تنشَقُّ أكبادُها شَقَّا
فأقبَلَ يُوْصيهِنَّ و النَّارُ في الحَشَا=تُوَقَّدُ و التِّزفارُ يَسبِقُهُ النُّطقَا
عَلَيكُنَّ بالصَّبرِ الجَميلِ و بالرِّضا=عَنِ اللهِ في الخَطبِ الجَليلِ و إن شَقَا
فإنِّي بهذا اليَومِ أُقتَلُ بالرِّضا=و يَذبَحُني شِمرٌ فأسعَدُ إذ يَشقىْ
و يحتَزُّ رأسي بالحُسامِ مِنَ القفا=على ظمَإٍ أشكو إلى اللهِ ما أَلقَىْ
فلا يُذهِبنَّ الحِلمَ مِنكُنَّ مَصرَعي=فَتَنزَعنَ سِربالَ الوَقَارِ لَهُ مَزقَا
و أظهِرنَ لِلأعداءِ فَضلَ تَجَلُّدٍ=و صَبراً فلا تسألنَ مِن مُعتَدٍ رِفقَا
فَيَشمَخُ طُغياناً و يَسفَهُ شامِتاً=و يَشتُمُ أعراضاً هِيَ الدُّرُّ بل أنقىْ
فيا عِظمَ خَطبٍ في الطُّفوفِ جرى على=سُراةِ الوَرَى سُحقاً لِظَالِمِهِم سُحقَا
وَيَا لَهفَ نَفسي لِلحُسَينِ و قد هَوَى=عَنِ السَّرجِ مَكبوباً على وَجهِهِ مُلقىْ
وَيَا حَرَّ قلبي حينَ حَزَّ كَريمَهُ=على ظَمَإٍ مِن فَيضِ أوداجِهِ يُسقىْ
وَيَا عِظمَ كَربي حينَ شيلَ برأسِهِ=على رأسِ رُمحٍ نُورُهُ جَلَّلَ الأُفقَا
وَيَا طُولَ حُزني لِلطَّواهِرِ حُسَّرَاً=على النِّيبِ تَدعو جَدَّها الأطهَرَ الأتقىْ
أيا جَدُّ لو عايَنتَ ما قَد أصابَنا=مِنِ ابنِ زيادٍ و ابنِ مَرجَانَةِ الأشقىْ
نُشَهَّرُ أسرى في المَدَاينِ و القُرى=يُلاحِظُنا أسرى أراذِلُها فِسقَا
أيامَى بِلا والٍ عَرَايَا بِلا غَطَاً=سبايا و لا نُرعى عُطاشاً و لا نُسقىْ
و أقدامُنا تُحفى و لم تَعُدِ الحَفَا=فلا حُزنُنا يُطفى و لا دَمعُنا يَرقَا
و أعداؤنا تُدمي بِلَطمٍ خُدُودَنَا=فعَبرَتُها تَهمي و زَفرَتُنا تَرقَىْ
و زَينَبُ تَدعو بالبَتولِ تَفَجُّعاً=و مُقلَتُها مِن فَيضِ أجفانِها غَرقَىْ
أفاطِمُ لو خِلتِ الحُسَينَ مُجَدَّلاً=و شِمرُ بِنَعلَيهِ على صَدرِهِ يَرقَىْ
و قد جَرَّدَ المَلعونُ شُلَّت يَمينُهُ=و يُسراهُ سَيفاً لامِعاً يُشبِهُ البَرقَا
ليَذبَحَهُ رُوحي فِداهُ و طالَمَا=تَمَنَّيتُ أن أُسقى الرَّدى قَبلَ أن يُسقَىْ
فما زالَ يا أُمَّاهُ يَفري بِسَيفِهِ=وَريدَيهِ حَتَّى هَبَّرَ النَّحرَ و الحَلقَا
و مَيَّزَ مِنهُ الرَّأسَ ظُلماً و شالَهُ=على رأسِ رُمحٍ نُورُهُ جَلَّلَ الأُفقَا
فلو خِلتَ زَينَ العابِدِينَ مُكَبَّلاً=يُفَلُّ بِغِلٍّ كادَ يَخنِقُهُ خَنقَا
نُشَهَّرُ في البُلدانِ و النَّاسُ حَولَنَا=عُكُوفٌ و قَد سَدُّوا المَحَافِلَ و الطُّرْقَا
فَيَبكي على ما قَد رُزِينا أُولُو النُّهى=و يَضحَكُ مِمَّا نالَنَا السَّفلَةُ الحَمقىْ
فلا غَروَ إنَّ الهَمَّ ماضٍ بخاطِري=و فرخ و السَّلوانُ طارَت بِهِ العَنقَا
أُمَيَّةُ هُبِّي مِن كَرَاكِ فَقَد عَرَى=عُراكِ انفِصامٌ في يَدِ العُروَةِ الوُثقَىْ
مَنَارُ الهُدى بَحرُ النَّدَى قاتِلُ العِدا=مُرَوِّيْ الصَّدا عن مَن غدا مؤمِناً حَقَّا
أبي القاسِمِ المَهدي و القائِمِ الَّذي=يُطّبِّقُ جاري حُكمِهِ الغَربَ و الشَّرقَا
يُطَهِّرُ وَجهَ الأرضِ مِن كُلِّ فاسِقٍ=و يَملَؤها عَدلاً كما مُلِئَت فِسقَا
إلَيكُم بني المُختارِ بِكراً تَهَذَّبَت=خَلايِقُها حَتَّى استَهَامَت بِكُم عِشقَا
تَأَرَّجُ طِيبَاً مِن عَبيرِ ثنائِكُم=فَكُلُّ نَفيسِ النَّفسِ يَنشِقُها نَشقَا
هَدِيَّةَ مُشتاقٍ لَكُم رِقِّ بِرِّكُم=و حَسبي فَخراً أن أكُونَ لَكُم رِقَّا
كَفَى حَسَناً إخلاصُهُ مِن ذُنُوبِهِ=خَلاصَاً وَمِن نارِ الجَحيمِ لَهُ عِنقَا
و أصلي و فَرعي صاعِداً مُتَنازِلاً=وَمَن فَرَعُوا مِن مُؤمِنٍ عَرَفَ الحَقَّا
و كُلُّ أَخٍ فيكُم وَبَاكٍ لِرِزئِكُم=و مُنشِدِ نَظمي و المُوالي لَكُم صِدقَا
عَلَيكُم سَلامُ اللهِ ما الأرضُ أنبَتَتْ=تُخُوماً و ما لاحَت على القُبَّةِ الزَّرقَا