النّاس في هذه الدّنيا كضيفان
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
قُل لِلفَخورِ بجَمعِ العاجِلِ الفَانِيْ=لِلدَّهرِ في شَتِّ ما جَمَّعتَ كَفَّانِ
و كَيفَ يَدَّخِرُ الأموالَ مالِكُها=و النَّاسُ في هذهِ الدُّنيا كضيفانِ
فكُلُّ جامِعِ مالٍ فَهوَ جامِعُهُ=لِغَيرِهِ غَيرَ كافورٍ و أكفانِ
فلا شُرافَة في مالٍ لِداخِرِهِ=و لَو تَمَكَّنَ في عِزٍّ و سُلطانِ
إذَن لَفَاقَ على أهلِ النُّهَى شَرَفَاً=شَدَّادُ عادٍ و نَمرودُ بنُ كَنعانِ
و إنَّما شَرَفُ الإنسانِ مُكتَسَبٌ=بِطاعَةِ اللهِ في سِرٍّ و إعلانِ
و بالرِّضا بِقَضَاءِ الله كَيفَ جَرَى=و لَو بِفِقدَانِ أموالٍ و أبدَانِ
و لِلأكارِمِ مِن صِدقِ العزائِمِ في=ضَنَكِ الملاحِمِ يَبدُو فَضلُ رَجحَانِ
و لا كَوَقعَةِ يَومِ الطَّفِّ إنَّ لَهَا=و مَن أُصيبَ بِها شأناً مِنَ الشَّانِ
أُمُّ الخُطُوبِ و صَرفُ الدَّهرِ لَم يَلِدا=أُختاً لَهَا فَهُما عَنها عَقيمانِ
و كَيفَ و الدَّهرُ مُرتاعٌ لِصَدمَتِها=يَدورُ مُنزَعِجاً في زَيِّ سَكرانِ
و الأرضُ راجِفَةٌ بالدَّمعِ واكِفَةٌ=و الشَّمسُ كاسِفَةٌ و الحَقُّ ظَلمَانِ
و العَرشُ يَهتَزُّ و الكُرسِيُّ مَضطَرِبٌ=لِهَولِهَا فَهُما دَأبَاً شَجيَّانِ
كادا يَصِكَّانِ وَجهَ الأرضِ مِن جَزَعٍ=و يُهلِكانِ أهاليها بِطُوفانِ
دهاهُما فَجأَةً رَأسُ الحُسَينِ على=رَأسِ السِّنانِ خَضيباً بالدَّمِ القانيْ
و حَقَّ لو هَبَطَا حَيثُ الحُسَينِ لقى=و الشِّمرُ يَعلوهُ في رِجلَيهِ نَعلانِ
في كَفِّهِ صارِمٌ شُلَّت يَداهُ بِهِ=كأنَّ في صَفحَتَيهِ ضَوءُ نِيرانِ
و ظَلَّ يَحتَزُّ أوداجَ الحُسَينِ بِهِ=نَفسي فِداهُ و ما نَفسي و أخوانيْ
أفدِيهِ يَجرَعُ كأسَ المَوتِ مُبتَهِلاً=إلى المُهَيمِنِ يا رَبِّي و دَيَّانيْ
إلَيكَ فَوَّضتُ أمري فاقضِ مُحتَكِماً=ما أنتَ قاضيهِ في رُوحي و جُثمانيْ
يا قاتَلَ اللهُ شِمراً كَيفَ ما ارتَعَدَت=كَفَّاهُ أو كانَتَا عَنهُ تَكُفَّانِ
ألا تَقَطَّعَ سَيفٌ حَزَّ مَنحَرَهُ=مِن قَبلِ أن يَنبَري مِنهُ الوَريدانِ
لأَنتَ يا شِمرُ أشقى راكِبٍ خَطَرَاً=و شَرَّ رِجسٍ شَرَى كُفراً بِإيمَانِ
إنَّ الَّذي أنتَ راقيهِ و ناحِرُهُ=صَدرٌ و نَحرٌ على الباري كَريمانِ
صَدرٌ حَوَى بَحرَ عِلمٍ كانَ مَنبَعَهُ=مِن عالَمِ الغَيبِ لا تَرتيبِ بُرهانِ
و مَنحَرٌ هوَ رُكنُ الدِّينِ قَبَّلَهُ=فَمُ النَّبيِّ كَثيراً لَثمَ وَلهَانِ
إذا تَأَمَّلَ ما يجري عَلَيهِ بَكَى=بِمَدمَعٍ فَوقَ صَحنِ الخَدِّ هَتَّانِ
فَكَيفَ لو عايَنَت عَينَاهُ مَصرَعَهُ=بالطَّفِّ مِن كَفِّ نَبَّالٍ و طَعَّانِ
عَطشانُ يَشربُ كأسَ الموتِ مُحتَسيَاً=بِصارِمٍ مِن دَمِ الأوداجِ رَيَّانِ
عُريانُ قَد لَفَّهُ ثَوبانُ ثَوبُ دَمٍ=و ثَوبُ تُربٍ فأمسى غَيرَ عُريانِ
و رأسُهُ في الضُّحى في اللُّدنِ بَدرُ دُجىً=تَحفى بِهِ النَّارُ لَيلاً فَوقَ عُمدَانِ
و أَرؤُسِ السَّادَةِ الأبرارِ مُشرِقَةٌ=هِيَ النُّجومُ و لكِن فَوقَ خُرصانِ
و الفاطِمِيَّاتُ بَعدَ الصَّونِ بارِزَةٌ=لِلسَّبيِ ما بَينَ خَتَّارٍ و خَوَّانِ
لا يَلتَفِتنَ إلى سَلَّابِهِنَّ و لا=سَبَّابِهِنَّ و لا تَرنو إلى الرَّانيْ
يُجنَى علَيهِّنَ بالضَّربِ الوَجيعِ و مِن=صِدقِ الشَّهامَةِ لا تَستَعطِفُ الجانيْ
حتَّى إذا سَلَبَتها القَومُ أردِيَةً=تَعَجَّلَت فارتَدَت عَنهُم بِأَردانِ
لَئِن خَلَينَ مِنَ الحُليِ النَّضيرِ فَقَد=حُلِينَ مِن جَوهَرِ التَّقوى بِتيجانِ
يَمشينَ مِن غَيرِ طَيشٍ لِلوَقارِ و قد=شَبَّت بِأَحشائِها نيرانُ أشجانِ
يَبكينَ مِن غَيرِ إعوالٍ و لا زَجَلٍ=عَفَافَةً و لِئَلَّا يَشمِتَ الشَّانيْ
و رُبَّما بَثَّت الشَّكوى سُكَينَةُ مِن=فَرطِ الجَوَى خِفيَةً مِن غَيرِ إعلانِ
تَدعو بِجَدَّتِها الزَّهراءِ لو نَظَرَت=عَينَاكِ أحوالَ أعمامي و إخوانيْ
أمَّا أبي فَذَبيحٌ مِن قَفَاهُ و مِن=قاني دِماهُ عَذَارَاهُ خَضيبانِ
و الرأسُ مُرتفِعٌ في رأسِ مُنتَصِبٍ=عالٍ و جُثمانُهُ ثاوٍ بِمَيدانِ
و مَن سِواهُ جُسُومٌ لا رُؤُوسَ لها=صَرعى و أرؤُسُهُم مِن غَيرِ أبدَانِ
و نَحنُ أسرَى بِأقتابِ المَطِيِّ بِلا=سِترٍ نُشَهَّرُ في قَفرٍ و بُلدانِ
يا لِلرِّجالِ أما لِلدِّينِ مُنتَقِمٌ=حامٍ و لَيسَ على أهليهِ مِن حانِ
تُسبى بَنَاتُ رَسولِ اللهِ صاغِرَةً=إلى يَزيدَ حَليفِ الكأسِ و الحانِ
و يَنكِثُ الثَّغرَ مِن رأسِ الحُسَينِ بِلا=تَحَرُّجٍ شامِتاً يَشدو بِأَلحانِ
لَيتَ الشُّيوخُ الَّتي لاقَت مَنيَّتَهَا=بِسَيفِ أحمَدَ هذا اليَومَ تَلقانيْ
عَدَلتُ بَدراً بيَومِ الطَّفِّ فاعتَدَلا=بَل فُقتُ عَنهُم و هذا الرَّأسُ بُرهانيْ
هذا هوَ الشَّمسُ في عَدنانَ فانكَسَفَت=فَبَعدَهَا لا تُرى شَمسٌ لِعدنانِ
صَهْ يابنَ صَخرٍ بِفِيكَ الصَّخرُ إنَّ لَنَا=لَدَولَةً نَرتجيها مُنذُ أزمانِ
سَتَطلِعُ الشَّمسُ مِن غَربٍ لَدَى مَلِكٍ=مِن آلِ عَدنانَ ذي أيدٍ و سُلطانِ
يَقومُ بالسَّيفِ لا يُبقي على أحدٍ=نالَ الحُسَينِ بِمَكروهٍ و عُدوانِ
هُناكَ يُظهِرُ ما في نَفسِهِ حَسَنٌ=قَولاً و فِعلاً بِلا خَوفٍ و كِتمانِ
تَقفوهُ مِن آلِ ضَيفِ اللهِ طائِفَةٌ=أيدِيهِمُ لِحُرُوبٍ أو لضيفانِ
شُمٌّ مَعَاطِسُهُم حُسنٌ ملابِسُهُم=اللهُ حارِسُهُم مِن كُلِّ شَيطَانِ
جواهِرُ القُدسِ يا مَن جُرِّدَت و صَفَت=أعراضُهُم سَرمَداً عَن كُلِّ نُقصانِ
أهدَيتُكُم يا هُداتي جَوهَراً حَسَنَاً=يُنسي مَحَاسِنَ شِعرِ الفَحلِ حَسَّانِ
جَنَيتُ مِن فَضلِكُم دُرَّ النِّظامَ فَإن=جَنَيتُ ذَنباً فأنتُم جُنَّةُ الجانيْ
و عِصمَةٌ لِلأُصولِ و الفُرُوعِ لَهُم=و كُلِّ ذي لَوعَةٍ في رِزئِكُم عانِ
ثُمَّ السَّلامُ عليكُم كُلَّما سَجَعَت=وَرقاءُ في دَوحَةٍ مِن فَوقِ أغصانِ