تشع ذكراك حتى تمنح الفلكا = عقدا من الشهب في كف الهدى سبكا
ما عذر من لحت في ظلماء جوهره = نجما تسيل فلم يغسل بك الحلكا ؟!
يا منشأ النور في التاريخ مذ نسجت = حمامة (الغار) من أشواقها شبكا
ومنذ غار (حراء) شق عتمته = فشع من سرها ما نور الفلكا
أكبرت معناك أن أصطاد كوكبه .. = من ذا يمد لأفلاك السما شركا ؟!
ما زلت غرقان في نهرين من خجلٍ = غداة وجهي على أعتابك انسفكا
جاءتك قافيتي زحفا، وعاذرها = أن الحنين على أضلاعها بركا
عذر الحكاية إن تاه الحديث بها = فالذكريات أهاجت خاطري فحكى:
لم تدر (آمنة) يوم استقل بها = شوط المخاض، وكل العالم ارتبكا
لم تدر: هل حملت في بطنها بشراً = أم يا ترى حملت في بطنها ملكا !!
حار المدى .. وخيوط الشمس ناعسةٌ = خلف السحائب حيث الغيب خبأكا
حتى طلعت على الدنيا فما حبكت = يد الألوهة فجرا مثلك انحبكا
ما راع شمسك إلا أن تطل على = أرض خراب، وبحر خاصم السمكا !
أتيت يا طفل (عليين) فاشتعلت = في جنة الخلد حورياتها ضحكا
والأرض ألفتك في غابات وحشتها =ناياً يرتل من ألحانه نسكا
من ذا يحدك ميلاداً، وها هي ذي = أرحام كل الليالي قد حبلن بكا !
ما زلت تولد أعلى كل مئذنةٍ = صوتاً تضافر بالأوقات واشتبكا
حقول زنديك ما جفت سنابلها = في عالمٍ بات يرعى الشوك والحسكا
لم تبق في ملكوت الغيب معجزةٍ = ما توجتك على أسرارها ملكا:
كل الغمائم قد ألقت أعنتها = إلى الغمام الذي بالحب ظللكا
واهتز مليون جذعٍ لم تزل نطفاً = في الغيب ساعة ذاك الجذع حنّ لكا
وما السماوات في ليل العروج سوى = خرائط الحب قد طوفتها سككا
نشوان تسلك في المعراج مرتبةً = ما كان (جبريل) في آفاقها سلكا
(جبريلك) الشوق ما اختار (البراق) له = أهدى من الشوق في درب الهوى ملكا !
يا سيدي .. كم دمٍ آخيته بدمٍ = حتى صفا هذا وذاك زكا !
وكم طريق هدى آذتك شوكته = فما شكوت ولكن الطريق شكا !
وربّ مارد وعيٍ في العقول صحا = غداة مصباحه في كفك انفركا
وناقةٍ – في سبيل الله نفرتها = قد بايعتك فسارت للردى معكا !
يا سيدي .. أيما فضليك أبخسه = إن قست ما نقل (الراوي) بما تركا !!
ذوبت سكرة الإيمان في مهجٍ = تشكو المرارة من حقدٍ بها فتكا
وصنت كفيك في أسمى عفافهما = لما دعتك كنوز الأرض: هيت لكا
وما نفيرك من (بدرٍ) إلى (أحدٍ) = إلا لتحيي من الإنسان ما هلكا
يعلو بك الحق في آفاق عزته = كي تنزل الشرك من عليائه دركا
والجاهلون أرادوا الله محتكراً = فيهم، وأنت أردت الله مشتركا !