في رثاء الإمام الحسين (ع)
السيد عبد المطلب الحي
أيقظته نخوة العزّ فثارا = يملأ الكون طعناً ومغارا
مستميتاً للوغى يمشي على= قدم لم تشك في الحرب عثارا
يسبق الطعنة بالموت الى = أنفس الأبطال في الروع ابتدارا
ساهراً يرعى ثنايا غزّه =بعيون تحتسي النوم غرارا
مفرداً يحمي ذمار المصطفى = وأبيّ الضيم من يحمي الذمارا
منتضٍ عزماً إذا السيف نبا = كان أمضى من شبا السيف عرار
ثابت إن هزت الأرض به = قال قِريّ تحت نعليّ قرارا
طمعت أبناء حرب أن ترى = فيه للضيم انعطافاً وانكسارا
حاولت تصطاد منه أجدلاً = نفض الذل على الوكر وطارا
ورجت للخسف أن تجذبه = أرقماً قد ألف العزّ وِجارا
كيف يعطي بيد الهون إلى = طاعة الرجس عن الموت حذارا
فأبى إلا التي إن ذكرت = هزّت الكون اندهاشاً وانذعارا
تخلق الأيام في جدّتها = وهي تزداد علاءً وفخارا
فأتى من بأسه في جحفل = زحفه سدّ على الباغي القفارا
وليوث من بني عمرو العلى = لبسوا الصبرَ لدى الطعن دثارا
كل مطعام إذا سيل القرى = يوم محل نَحرَ الكوم العشارا
وطليق الوجه يندى مشرقاً = كلما وجه السما جفّ اغبرارا
هو ترب الغيث إن عامٌ جفا = وأخو الليث إذا ما النقع ثارا
أشعروا ضرباً بهيجاء غدا = لهم في ضنكها الموت شعارا
غامروا في العز حتى عبروا = للعلى من لجج الموت غمارا
وعلى الأحساب غاروا فقضوا = بالضبا صبراً لدى الهيجا غيارى
فقضوا حق المعالي ومضوا = طاهري الأعراض لم يدنسن عارا
قصرت أعمارهن حين غدا = لهم القتل على العزّ قصارا
عقدوا الاخرى عليهم ولها = فارقوا الدنيا طلاقاً وظهارا
جعلوا أنفسهم مهراً لها = والرؤوس الغالبيات نثارا
والمصابيح التي تجلى بها = صيروهنّ رماحاً وشفارا
يا له عقداً جرى في كربلا = بجزيل الأجر لم يعقب خسارا
أقدموا في حيث آساد الشرى = نكصت عن موكب الضرب فرارا
وتدانوا والقنا مُشرعة = يتلمظنّ إلى الطعن انتظارا
بذلوها أنفساً غالية = كبرت بالعز أن ترضى الصغارا
أنفساً قد كضّها حرّ الظما = فاسالوها عن الطعن حرارا
تاجروا لله بها في ساعة = لم تدع فيه لذي بيع خيارا
أيها المرقل فيها جسرة = كهبوب الريح تجتاب القفارا
صل إلى طيبة وأعقلها لدى = أمنع الخلق حريماً وجوارا
وأنخها عنده موقرةً = بالشجا قد خلعت عنها الوقارا
وله لا تعلن الشكوى وإن = كبر الفادح أن يغدو سرارا
حذراً من شامت يسمعها = كان بالرغم لخير الرسل جارا
فلقد أضرم قدماً فتنة = كربلا منها غدت تصلى شرارا
قل له عن ذي حشاً قد نفذت = أدمعاً سال بها الوجد انهمارا
يا رسول الله ما أفضعها = نكبةً لم تبق للشهم اعتذارا
كم لكم حرّ دم في كربلا = ذهبت فيه المباتير جُبارا
يوم ثار الله في الأرض به = آلُ حربٍ أدركت بالطف ثارا
والذي أعقب كسراً في الهدى = ليس يلقى أبد الدهر انجبارا
حرم التنزيل والنور الذي = بسناه غاسق الشرك استنارا
وصفاياك اللواتي دونها = ضرب الله من الحجب ستارا
أبرزت حاسرةً لكن على = حالةٍ لم تبق للجلد اصطبارا
لا خمارٌ يستر الوجهَ وهل = لكريمات الهدى أبقوا خمارا
لا ومن ألبسها من نوره = أُزراً مذ سلبوا عنها الأزارا
لم تدع أيدي بني حرب لها = من حجاب فيه عنهم تتوارى
لو تراها يوم فرّت وعلى = خدرها في خيله الرجس أغارا
يتسابقن إلى الحامي وهل = يملك الثاوي على الترب انتصارا
تربط الأيدي من الرعب على = مهجٍ طارت من الرعب انذعارا
تتوارى بثرى الرمضا أسىً = لقتيل بالعرا ليس يوارى
وهو ملقى بثرى هاجرة = يصطلى من وهج الرمضا أوارا
كلما صعّدت الوجدَ أبى = دمعها من لوعةٍ إلا انحدارا
لم تجد من كافل إلا فتى = مضّه السقم وأطفالا صغارا
بالظما أعينها غارت وما = ذاقت الماء فليت الماء غارا
تحرق البوغاء منهم أرجلاً = أنعلتها أرؤوس النجم فخارا
أفزعتها هجمة الخيل فرا = حت تتعادى بثرى الرمضا فرارا
كل مذعور كبا رعباً على = حرّ وجهٍ كسنا البدر أنارا
كلما كضّ الظما أحشاءها = ألصقت بالترب أكباداً حراراً
كلما يلذعها حرّ الثرى = راوحت فيها يميناً ويسارا
يا لها فاقرة قد قصمت = من نبيّ الله ظهراً وقفارا
بكر خطبٍ كل آنٍ ذكرها = للورى يبتكر الحزن ابتكارا